تعد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إحدى المؤسسات التعليمية الوطنية الفاعلة والعريقة في حقل التبادل المعرفي بين المملكة العربية السعودية وعدد من الدول الشقيقة والصديقة منذ تاريخ طويل حافل بالمبادرات والنجاحات وكثير من التحديات التي أعطت هذه المؤسسة التعليمية دعامة كبرى لتكون بيت خبرة في مجال نشر المعرفة المتصلة بتعليم الشريعة الإسلامية السمحة واللغة العربية ونقلهما إلى أقطار عربية وإسلامية وعالمية. فمنذ توحيد هذه البلاد المباركة على يد مؤسسها المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيَّب الله ثراه- وهي تحمل على عاتقها خدمة الإسلام والمسلمين على أراضيها وفي الخارج، وتدعم حقوقهم وقضاياهم في المحافل الدولية، كما تتلمس احتياج البلدان العربية والإسلامية والصديقة في نشر مبادئ الإسلام الوسطي المعتدل، وكذلك خدمة اللغة العربية وتعليمها للناطقين بغيرها ليسهل على المسلمين تعلُّم أمور دينهم على أسس صحيحة ونقيَّة، وليطلع غير المسلمين على حضارة هذه البلاد وثقافتها وقيمها الأصيلة المستمدة من الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة، ولتقوية أواصر الأخوة والصداقة بين المملكة وبلدان العالم، وللمشاركة في النهضة المعرفية والثقافية، وترسيخ أسس التنمية المستدامة في هذه البلدان، ودعم أواصر التفاهم المشترك. فمنذ الاتفاق التاريخي بين جلالة المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية -رحمه الله- وسمو حاكم رأس الخيمة الشيخ صقر بن محمد القاسمي رحمه الله - منذ ما يقرب من (55) عامًا - في العام 1388هـ/1968م، على إنشاء معهد في إمارة رأس الخيمة يعلِّم أبناءها تعاليم الدين الإسلامي الحنيف واللغة العربية الخالدة، ويسهم في النهضة الثقافية والعلمية والحضارية في الإمارة والإمارات الأخرى المجاورة، - منذ ذلك الحين - والمملكة العربية السعودية تفتتح المعهد تلو المعهد في الخارج، وتسند إدارتها والإشراف عليها إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ فكان لها أن تولت هذه المهمة في عدد من البلدان، فنشأت إلى جانب معهد رأس الخيمة الذي تحوَّل لاحقًا إلى كلية الشريعة معاهد للعلوم الإسلامية والعربية في موريتانيا وإندونيسيا وواشنطن وكذلك المعهد الإسلامي في جيبوتي والمعهد العربي الإسلامي في طوكيو. وقد اقتصر هذا الامتداد في الوقت الحالي على أربعة معاهد قائمة في إندونيسيا، وتحديدًا في جاكرتا وسورابايا وميدان وبندا آتشيه، ومعهد في قارة أفريقيا، وهو المعهد الإسلامي في جيبوتي، إضافة إلى عدد من الجامعات والمعاهد والمراكز في آسيا وأفريقيا التي تتولى الإشراف عليه ولا تتبعها إداريًا، وهناك خطط طموحة للامتداد مجددًا في بلدان أخرى وفق رؤية حديثة وخطط متطورة تعتمد الخطط الإستراتيجية والإدارية والتعليمية المناسبة لمرحلة التحديث والتطوير الذي تشهدها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وفق خطتها الإستراتيجية 2021م - 2025م المتوافقة مع رؤية المملكة 2030 وتطلعات قيادتها الرشيدة في مجال التبادل المعرفي والتواصل الدولي، وكذلك إستراتيجياتها في القوة الناعمة التي تحظى باهتمام متزايد في المملكة؛ حيث بدا ذلك جليًا في إنشاء وكالة وزارة الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة في العام 2017م؛ لدعم الجهود السابقة، واستثمار الجهود الكبرى الحالية لنقل الصورة الحضارية المشرقة للمملكة، واستثمار المناسبات والفعاليات العالمية في ذلك، ومنها رئاسة المملكة لقمة العشرين G20 . ويؤكد واقع هذه المعاهد وماضيها على كونها إحدى أهم ركائز القوى الناعمة للمملكة في الخارج؛ فاعتمادها على التعليم الذي يرعى الأجيال وينتج العقول، ويحمي الأفكار، ويصون المبادئ والقيم، وكذلك توسع المعاهد في رقعة كبيرة من دول العالم، وبالأخص الدول المؤثرة والمهمة على المستويات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، وكذلك المؤثرة على صعيد العنصر البشري والموقع الجغرافي، ومساندة تلك المعاهد ودعمها وتقوية تأثيرها من خلال تطويرها وتجويد مخرجاتها واستمرار مدها بالموارد المالية والبشرية يساعد بشكل كبير على توظيفها التوظيف الأمثل في تعزيز صورة المملكة في الخارج، وترسيخ مكانتها في كل المحافل والمناسبات، ودعم قراراتها ومواقفها المختلفة على مستويات عديدة، ومنها الرأي العام الذي يكتسب أهميته من قوة تأثيره في قرارات الدول والحكومات، إضافة إلى قطع الطريق على بعض الدول والأحزاب والجماعات المعادية للمملكة، ومنع امتدادها وتوسعها في عدد من البلدان، وبالأخص تلك التي يسهل استغلال حاجات شعوبها للتلبيس عليها وتلويث أفكارها وعقائدها وتسميم آرائها تجاه المملكة. إن نقل المعرفة من خلال النظم التعليمية هو أحد أهم الأنشطة الفاعلة في تحقيق إستراتيجية القوة الناعمة للمملكة، وبالأخص حين تتولى هذه المعاهد تعليم الشريعة الإسلامية المعتمدة على الوسطية والسماحة، وتعتمد مبدأ التعايش والتفاهم والحوار، ونبذ التشدد والتطرف والغلو، وكذلك تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، الذي يشهد إقبالاً كبيرًا من غير العرب؛ لما تشهده الساحة الدولية من تجاذبات وأحداث تدفع الأفراد والمؤسسات إلى تعلم اللغة العربية لفهم حضارة العرب ومحاولة الاطلاع على ثقافتهم عن قرب، وكذلك محاولة المسلمين وأبنائهم تعلم الدين الصحيح الذي يكشف ويبيِّن زيغ التيارات والعقائد المنحرفة والأحزاب الضالة، التي تدعي الانتساب للإسلام الصحيح، في ظل تراجع دور المؤسسات التعليمية الشهيرة الموثوقة وجهودها في الخارج، مما أوجد بيئة خصبة مناسبة لانتشار هذه العقائد الضالة، وشجع رؤوسهم على استقطاب الأتباع واستمالة الجماهير لدعم مواقفهم وآرائهم وتوجهاتهم الباطلة. كما أن مخرجات النظم التعليمية كفيلة بمجابهة التوسعات المعادية من بعض الدول والأحزاب والجماعات، التي تستخدم أدوات متعددة لفرض هيمنتها على بعض الدول وبخاصة الفقيرة منها؛ لذا فإن من الأحرى تشجيع ومساندة افتتاح الكليات والمعاهد والمراكز التعليمية والتوسع فيها في الخارج، وكذلك زيادة المنح الدراسية، وقبول أبناء النخب وأقاربهم في هذه الكليات والمعاهد، إضافة إلى دعم المراكز والمعاهد النظيرة الموثوقة في البلدان المضيفة وعقد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع الجامعات والمعاهد والمراكز والجمعيات وغيرها، واستضافة التجمعات الطلابية والهيئات التدريسية بشكل دوري في المناسبات, وإقرار برامج لهم تتضمن أداء العمرة والحج وحضور المؤتمرات والندوات في الجامعات السعودية والمؤسسات الأخرى الفاعلة ومقابلة الشخصيات السعودية ذات المكانة الدينية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا -بإذن الله- كفيل بتعزيز الريادة العالمية للمملكة في دعم رؤيتها وأهدافها الدولية، وتحقيق السلام والتنمية المستدامة في المجتمعات والدول النامية، وخاصة الدول والشعوب الإسلامية؛ لدعم مصالح المملكة العربية السعودية ومواقفها وقراراتها في الخارج، إضافة إلى كسب ولاء الشعوب بوجه عام، والقيادات والشخصيات المؤثرة بوجه خاص. ** ** - عميد شؤون المعاهد في الخارج بالنيابة maakdir@gmail.com
مشاركة :