أدى التعافي المتباين من الركود العالمي الشديد الناجم عن جائحة فيروس كورونا المستجد إلى تعميق الانقسام الاقتصادي في آسيا: فاقتصادات شمال آسيا تحقق صعودًا، في حين أن جيرانها في الجنوب، الذين كانوا أسرع نموًا منها في وقت من الأوقات، غارقون في مستنقع عميق. وعلى مسؤولي الحكومات والشركات العمل على تحديد القوى الدافعة لهذا الانقسام عندما يبحثون «النموذج الآسيوي» في النظام التجاري بعد انتهاء جائحة كورونا.ويقول المحلل الاقتصادي دانيال موس إن هذا الانقسام يظهر في الأرقام الأخيرة الخاصة بإجمالي الناتج المحلي، فالتعافي يتسارع في الصين، كما عادت تايوان إلى تحقيق نمو خلال الربع الماضي من العام الحالي، وجاءت نتائج كوريا الجنوبية أفضل من التوقعات، وهو ما يشير إلى أنها ليست متأخرة كثيرًا عن الدول الأخرى. والتناقض صارخ مع الاقتصادات الصاعدة، التي كانت براقة يومًا ما، فهذه الاقتصادات لا تزال بعيدة عن إيجاد مخرج لها من الأزمة الاقتصادية. وبحسب البيانات الاقتصادية الصادرة أمس الأول الثلاثاء، نجد أن الفلبين قد وقعت في فخ انكماش كارثي وصل إلى 11.5% من إجمالي الناتج المحلي خلال الربع الثالث من العام الحالي، بعد انكماش بمعدل 16.9% في الربع الثاني.وتفوّق أداء اقتصادات شمال آسيا يأتي مدفوعًا بالصادرات والنجاح في احتواء جائحة كورونا. وساعد قطاع التصنيع في هذه الدول بقوة في الاستفادة من موجة الطلب على التكنولوجيا في العالم.ومن ملبورن في أستراليا، إلى ميلانو بإيطاليا، هناك تحوّل عالمي نحو العمل والدراسة والتسوق من المنزل، وهو ما جعل دولًا مثل الصين وكوريا الجنوبية في وضع جيد بفضل صادراتها من المنتجات التكنولوجية التي زاد الطلب عليها بسبب هذا التحوّل.وهناك عنصر آخر يتمثل في السياسات المالية والنقدية الفعّالة، ليس فقط في هذه الدول، وإنما في العديد من الدول الأخرى. فإجراءات التحفيز المالي والنقدي في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، كان لها تأثيرها الإيجابي على هذه الدول الآسيوية. ولذلك فإن إلغاء إجراءات التحفيز الأمريكية قبل الموعد المناسب في ظل ولاية الرئيس المنتخب جو بايدن بسبب عناد الجمهوريين داخل مجلس الشيوخ، لن يكون مفيدًا، وإن كان لن يعيد رسم خريطة التعافي الاقتصادي الحالية في آسيا.ويحذر المحلل دانيال موس في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء من أن محاولة البحث عن نموذج آسيوي متفوق في الظروف الراهنة يمكن أن يؤدي إلى فهم خطأ للمشكلة، فلا توجد «آسيا واحدة»، على الأقل، هذا العام. وهناك مجموعات من الدول الآسيوية في وضع جيد، استطاعت التعامل مع الجائحة بصورة فعّالة بفضل نظمها الاقتصادية والصحية الجيدة وموقعها الجغرافي ونظامها السياسي.وهناك دول آسيوية أخرى في جنوب وجنوب شرق القارة، لا تزال تعاني من الضربات الاقتصادية، والتي سوف تعيد جهود التنمية فيها سنوات طويلة إلى الوراء.ولا تزال التوقعات الاقتصادية تبدو جيدة عند النظر إليها من ارتفاع 30 ألف قدم. فاقتصادات آسيا ستسجل انكماشًا بنسبة 2.2% ككل، فقط. ثم تحقق نموًا بمعدل 6.9% خلال العام المقبل، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي التي نشرتها الشهر الماضي. وهذه الأرقام أفضل من التوقعات المماثلة للولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، والتي المتوقع أن تسجل انكماشًا بنسبة 8.3% خلال العام الحالي. ولكن النظر إلى الصورة في آسيا سيكشف عن مظاهر تباين واضحة، فهناك نمو قوي في الصين وكوريا الجنوبية وتايوان، وبدرجة ما في اليابان، ولكن أغلب الدول الآسيوية الأخرى ما زالت تعاني من الانكماش.
مشاركة :