في منزله المتواضع في بلدة سيدي الصيد الصغيرة في ترهونة (غرب ليبيا)، يبدي محمد المقّري عزمه على معرفة مصير ابنه هيثم الذي فقد أثره قبل عام عندما كانت المعارك مستعرة حول طرابلس، إلا أنه يخشى أن يكون قتل ودفن في مقابر جماعية. يواصل الوالد في باحة المنزل الخلفية الاهتمام بعصافير زينة زاهية الألوان من أصفر وأخضر، كان ابنه شغوفا بتربيتها. ويروي محمد المقري البالغ 62 عاما "كان يحب تربية طيور الزينة ويواظب على إطعامها" عارضا صورة تظهر الشاب معتمرا قبعة حمراء. وتقع مدينة ترهونة الزراعية الصغيرة على بعد 80 كيلومترا جنوب شرق العاصمة الليبية وقد برزت إلى الواجهة في حزيران/يونيو الماضي بعد اكتشاف مقابر جماعية دفن فيها مدنيون وعسكريون من دون تمييز. واختفى هيثم غداة انسحاب قوات المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد، بعدما حاولت عبثا منذ نيسان/أبريل 2019 السيطرة على طرابلس حيث مقر حكومة الوفاق الوطني. وباتت ترهونة الآن في عهدة القوات الموالية للحكومة. وطالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بتحقيق حول احتمال حصول "جرائم حرب" على أيدي قوات موالية لحفتر، مشيرة الى وجود "دلائل" على حصول أعمال "تعذيب" و"إعدامات عشوائية". ولا تساور محمد أي أوهام حول مصير نجله. ففي نهاية العام 2019 عندما كان في سن العشرين اقتادته بالقوة مجموعة مسلحة في ترهونة، وفقد أثره منذ ذلك الحين. ويروى الوالد الذي يرتدي الزي الليبي التقليدي لوكالة فرانس برس تفاصيل اختفاء ابنه قائلا "طرق باب المنزل وخرج هيثم مسرعا، ثم عاد ليبلغني أن جماعة يريدون الحديث معه، خرجت لأجد أربع سيارات مسلحة وأشخاصا ملثمين مع مسؤول يرتدي زياً مدنياً". ويتابع "طلب المسؤول منّي مرافقتهم إلى أحد المقرات، وعند وصولي سألني عن مكان ابني الأكبر أحمد، فأبلغته انه في طرابلس (..) حينها قال: +إذا ابنك احمد يعمل مع الوفاق+". ويشير الأب إلى أن المسلحين طلبوا منه المغادرة، وإبلغوه بأن هيثم سيلحق به عقب انتهاء التحقيق معه. ويقول "منذ ذاك اليوم لم يعد، شعرت بقلق بالغ وزرت عددا من المقار الأمنية والعسكرية من دون أن اجد أثرا له (...) أغلب الروايات تفيد بتصفيته ودفنه في إحدى المقابر الجماعية، لكن لا جثمان أو أثر له حتى اللحظة، وإذا كان جثمانه في إحدى المقابر الجماعية، نتمنى من كل مسؤول سرعة الوصول إليه". - البحث متواصل - ومنذ اكتشاف أول مقبرة في ترهونة في حزيران/يونيو، تم نبش ما مجموعه 115 رفات وأشلاء لأشخاص مجهولي الهوية. وقال لطفي توفيق، مسؤول البحث عن الرفات في الهيئة العامة للتعرف على المفقودين في حكومة الوفاق الوطني، إن العمل جار على انتشال المزيد من الجثامين من مواقع المقابر الجماعية. وأوضح في حديث مع وكالة فرانس برس "تقوم الهيئة عبر إدارة مختصة، بتسجيل كامل المعلومات عن الأشخاص المفقودين وتسليم ذويهم بطاقة خاصة بعد أخذ عينات الحمض النووي منهم، لمتابعة ومطابقة بيانتهم مع الجثث التي يتم انتشالها من داخل المقابر الجماعية". وأشار إلى ذهاب بعض ذوي المفقودين إلى شرق ليبيا، للبحث بين الأسرى عن ابنائهم المفقودين. وتشهد ليبيا فوضى وأعمال عنف منذ سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011. ويعتقد محمد المقّري أن السبب وراء استهداف عائلته بالرغم من عدم تورط أبنائه في الحرب الأخيرة، انحيازه لثورة 17 شباط/فبراير التي أسقطت القذافي العام 2011. ويشير إلى أن المسؤول عن اختفاء نجله مقرب من العائلة ومن أشد مناصري القذافي. ويوضح "استهداف ابني هو ضريبة تأييدي للثورة (..) اسمحوا لليبيا بالاستقرار وكف دماء أولادنا الذين أفنتهم الحروب". أما الوالدة نادية علي، فعازمة أيضا بأي ثمن على العثور بأي ثمن على رفات ابنها لتنظم له مراسم دفن تليق به. وتقول "صحيح عمره 20 عاما، لكن ملامحه مثل الطفل ومحبوب بين أقرانه (..) كلّ ما أريده معرفة مصيره".
مشاركة :