رَحَل خليفة بن سلمان رئيس وزراء مملكة البحرين ورجُل الدولة من الطراز الفريد، السياسي المحنك الغني عن التعريف, وبرحيله أسدل الزمان أستاره على حقبة مهمة في التاريخ الحديث للبحرين كان سموه قائد أسطولها بجانب أخيه الحاكم الراحل الشيخ عيسى بن سلمان طيب الله ثراه.رَحَل خليفة بن سلمان رُبان سفينة الحكومة الخليفية لأكثر من خمسين عاماً، حمل خلالها الأمانة، باسطاً أمامه عهدا جديدا بعد رحيل والده في 1961 فأبحر بسفينة أجداده إلى مرافئ بعيدة جاعلاً من دولة صغيرة بحجمها أكبر الموانئ في التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية محققاً للبحرين التفوق في الأداء البشري رغم الأمواج المتلاطمة المحيطة بها والتحديات التي واجهتها بدءاً بالاستعمار البريطاني والتهديدات الإقليمية وليس انتهاءً بتلك الإدعاءات الباطلة التي كانت تأتي من شاه إيران..رَحَل خليفة بن سلمان صانع تلك الحقبة التاريخية المهمة في مملكة البحرين منذ أن تولى منصب رئاسة الوزراء في عام 1971 وقد جعل أفئدة تأوي إليه وقلوباً ترافقه طوال هذه السنين لا تملك إلا أن تحبه وتقدم له الولاء المطلق. على رأسهم كان أبناء عمومته ورفقاء دربه، سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة وسمو الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة وسمو الشيخ إبراهيم بن حمد آل خليفة جاره في الدار وزوج أخته، وأخصهم بالذكر لأنهم شغلوا مناصب حساسة إلى جانبه منذ السنين الأولى لإدارته دفة أمور الحكومة في مجلس الوزراء بالمنامة.رَحَل خليفة بن سلمان وترك وراءه إرثاً من الإنجازات الشامخة شموخ صاحبها وبصمات محفورة في وجدان الوطن وقيادة حكومية باستراتيجية وطنية بارعة تتحدث عن نفسها إلى اليوم.. كان رحمه الله يتمتع بثقافة سياسية نادرة، حمل على عاتقه مسؤولية وضع اللبنات الأولى وإرساء السياسات العامة لمملكة البحرين في ظل معطيات ذاك الزمن.صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة -رحمه الله- نشأ وترعرع في كنف والده الحاكم صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة -طيب الله ثراه- وقد نهل من علمه وخبرته من خلال جلوسه إلى جواره في المجلس.. وكان -رحمه الله- يردد دائما في اجتماعاته سواء مع الوزراء أو المواطنين: «مجالسنا هي مدارسنا»، وتلك بحد ذاتها أبلغ حكمة للمعنى الكبير من التواصل والتشاور والتقارب بين الحكومة والمواطنين فكانت في صلب دستور الدولة.نحن ننتمي إلى جيل أبصرت عيناه الدنيا وسموه رئيسا للوزراء فكان لنا الأب والمعلم والملهم ورجل السياسة المحنك الذي لا يخفى على أحد دوره النهضوي في بناء الوطن وترميمه من أي شرخ داخلي أو تعدٍّ خارجي فصاحب السمو رجُل في قامة أمة.يعتبر خليفة بن سلمان قائدا سياسيا استثنائيا في الشرق الأوسط يتمتع بمهارات سياسية قل نظيرها من تواصل وتقارب مع أبناء وطنه.. فلكل واحد منا موقف مع سموه.. فقد جمعتني به لقاءات معدودة ولكنها تركت في نفسي انطباعاً لن أنساه.. وقد كان أول لقاء لي مع سموه في مجلس الأمير الراحل صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان في دار الحكومة بالمنامة. التقيت سموه بحكم عملي في الإعلام آنذاك تحت إدارة وزير شؤون مجلس الوزراء محمد المطوع وكنت مع وفد أمريكي, واعتقد سموه مداعباً أنني أحد أفراد الوفد الأمريكي, وكعادته سألني عن اسمي وابنة من أكون؟ وحينها تدخل سمو الشيخ محمد بن مبارك ليخبره بأني أصغر بنت لابنة عمه.والتقيت سموه في عدة لقاءات حكومية كان آخرها لقاء جمعني به عند افتتاح المتحف العسكري، وبسؤاله عني أثنى على الخبرات التراكمية التي أوصلتني إلى هذا المقام تحت راية سيدي الملك حمد بن عيسى القائد الأعلى لقوة الدفاع وسيدي المشير خليفة بن أحمد وبارك لي بهذا المنصب وتمنى لي كل توفيق ونجاح.أرسى خليفة بن سلمان قواعد وأسسا متينة في إدارة الحكومة سيبني عليها ولي عهدنا ورئيس وزرائنا صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة وهو خير خلف لخير سلف في ظل ظروف وتحديات مختلفة وأدوات جديدة يتطلبها العصر الحديث هو أهل لها.. هنا تتجلى لنا أسمى صور سلاسة نقل المناصب في داخل بيت الحكم الخليفي.ترجل خليفة بن سلمان عن صهوة جواده بعد أن وضع لبنة الختام لحقبة زمنية لن تتكرر، أفنى خلالها عمره وصحته ووقته للوطن الكبير الذي احتضن كل أبنائه وكسب حبهم وأحبهم فأحبوه وحمل أمانة البحرين على عاتقه بكل اقتدار وهاهي سفينة خليفة تنشر أشرعتها في تجدد بقيادة سلمان بن حمد.. وفقه الله وأعانه في حمل هذا اللواء.ولا يسعني في هذا المقام إلا أن نعزي أنفسنا ببالغ الحزن والأسى ونعزي ملكنا الغالي حمد بن عيسى وقرينته الأميرة سبيكة ونعزي ولي عهدنا الأمير سلمان بن حمد وأبناءه ونعزي كريمة الأمير خليفة بن سلمان وأبناءه سمو الشيخ علي بن خليفة وسمو الشيخ سلمان بن خليفة وأحفاده، والعزاء موصول إلى أصحاب السمو أبناء وبنات الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان وأبناء وبنات سمو الشيخ محمد بن سلمان, كما نعزي أخوات سمو رئيس الوزراء وأبناءهم وبناتهم، والعزاء موصول إلى العائلة المالكة وإلى كل أحبابه.
مشاركة :