بعد حوالي عامين من رحلتي الأولى إلى بلاد الشرق الأقصى، وإلى كوريا الجنوبية تحديداً والتي كتبت عنها في مقالات سابقة، يسر الله لي زيارة الصين ضمن برنامج أكاديمي في شهر أكتوبر من عام 2014م. وجدت نفسي أقارن بين طبيعة زيارتي لكل من البلدين، وبين كلا الدولتين. فبينما كانت زيارتي لكوريا ضمن برنامج عن إدارة الاعمال الدولية في كوريا وبالتالي شملت برنامجاً للتعرف على ثقافة البلد وحضارته، في المقابل لم يكن البرنامج الدراسي في الصين مخصصاً للتعرف على البلد، وإن شمل زيارة أحد المصانع وتطرق لبعض الجوانب من النهضة الاقتصادية في الصين. وهو ما دعاني للبحث عن مصادر أستعين بها لفهمٍ أكبر للصين، وأهم هذه المصادر التي حصلت عليها هو برنامج الصين إكس (China X) والذي تقدمه جامعة هارفارد مجاناً عبر موقع edx.org، وهو برنامج متكامل عن حضارة الصين وتاريخها ونهضتها الاقتصادية، ويقدمه الأستاذان بيتر بول (Peter K. Bol) وويليام كيربي (William C. Kirby)، ويستضيفان عدداً من المتخصصين في المحاور المختلفة للبرنامج. وتمكنت خلال زيارتي إلى الصين من تمديدها بإضافة ستة أيام من السياحة الى الستة الأيام الدراسية. وهو ما مكنني من زيارة خمس مدن صينية تختلف كثيراً عن بعضها البعض وإن كانت هناك جوانب تشابه كبيرة أيضاً، حيث تعاني جميعها من الزحام الشديد مع توفر وسائل النقل الجماعي المتطورة من باصات كهربائية والمترو والقطارات، والمشاريع الإسكانية الضخمة في كل مكان فالعمائر السكنية الجاهزة والتي تحت الانشاء لا تكاد تحصى. وقد شملت رحلتي العاصمة «بيجينق» أو بكين، وشانغهاي المركز المالي للصين وأكبر مدنها من حيث عدد السكان، والعاصمة الأثرية شيآن، و«هانق جو» إحدى العواصم الجنوبية والمدن السياحية الجميلة والشهيرة ببحيرتها، ومدينة كونشان الاقتصادية. وبينما كان الجميع في كوريا تقريباً يتحدث عن الصين، لا أذكر انني سمعت احدا في الصين يتحدث عن كوريا. وهو أمر طبيعي عند المقارنة بين حجم البلدين سكانيا وجغرافيا، ومدى تأثيرهما اقتصادياً وتاريخياً وحضارياً. ومع الاختلاف بين البلدين لكنني ازعم أن فهم كوريا يستلزم فهم الصين، فتأثيرها على جميع بلاد المشرق لا يخفى على المطلع. عند وصولي الى مطار بكين كان اول ما لاحظته هو مدى تلوث الجو فيها، وهو الأمر الذي سمعت عنه الكثير من قبل، ولكن لا بد ان يشاهده الشخص لمعرفة مداه، حيث لم أكد أرى الشمس على مدى ثلاثة أيام قضيتها هناك. وحتى عند زيارتي لسور الصين العظيم على ارتفاعه كانت الرؤية البعيدة محدودة جداً، وسمعت عن مشاريع بحثية تشرف الحكومة لمعالجة التلوث، لكن الحكومة على ما يبدو تستطيع معالجة الموضوع بسهولة لفترة محدودة كما رأيت على التلفاز أثناء قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول اسيا والمحيط الهندي (أبيك) والتي عقدت بعد عودتي من الصين بأيام ولم يكن هناك أثر للتلوث!. عند نزولي من الطيارة كان من المصادفة الجميلة أنني وجدت في مطار بكين صوراً من معرض العالم العربي بعيون صينية، والتي شملت صوراً منوعة، من ضمنها صور من السعودية وإحداها صورة للمصلين والطائفين حول الكعبة، وكان تذكيراً جميلاً بعمق العلاقات الحضارية بين العالم الإسلامي والصين، إضافة إلى عبارة الترحيب المعلقة باللغة العربية أهلاً وسهلاً بالأصدقاء. وهذه العلاقة القديمة لا تكاد تخفى على أي زائر للصين، حيث تنتشر مطاعم الحلال في جميع المدن الصينية التي زرتها وهي مطاعم شعبية تقدم أطباقا محلية من مناطق المسلمين الصينيين، وتوجد تجمعات للمسلمين في عدد من المدن الصينية، وأهم ما رأيت منها كان حي المسلمين في مدينة شيآن. وفي بلد بحجم قارة ويسكن فيها مليار وثلث فليس من الغريب أن تحتوي الصين على تنوعات جغرافية وعرقية وثقافية وحضارية كبيرة. وكان انطباعي العام أن كل شيء أضخم في الصين قديماً وحديثاً، ابتداء من مشاريعها الاثرية كـ«سور الصين العظيم والقناة الكبرى والمدينة المحرمة»، إلى مشاريعها الحديثة الطموحة مثل سد الممرات الثلاثة ومشروع إيصال المياه إلى الشمال. ومع صعوبة اختصار الحديث عن الصين في سلسلة مقالات لكنني سوف أتحدث عن عدد من الجوانب التي جذبت انتباهي من خلال زيارتي لهذا البلد العريق والمحوري ومحاولتي لفهمه، لعلها تفيد غير المتخصصين من القراء.
مشاركة :