من القضايا المتفق عليها أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية، وأن الطائفية والنعرات العرقية والقبلية والمناطقية والتصنيفات الفكرية، والعنصرية بكافة أشكالها تمثل خطرا على الانتماء للوطن وعلى وحدة الوطن. طرحت قضية حماية الوحدة الوطنية في مجلس الشورى الموقر من خلال مشروعات مقترحة لنظام حماية الوحدة الوطنية والمحافظة عليها. بعد المناقشة والتصويت جاءت النتيجة لصالح عدم الموافقة على ملاءمة دراسة المشروعات المقترحة. وقيل في التبرير إن سبب عدم موافقة المجلس على هذه المشروعات هو أن النظام الأساسي للحكم يغطي ما جاء في المشروعات المقترحة. جاءت بعد ذلك ردود الفعل انفعالية وعاطفية ودار النقاش حول القضية بطريقة غير علمية، وكاد النقاش يتحول إلى ميدان لتبادل الاتهامات بدلا من تبادل الآراء والأفكار التي تقود إلى نتائج يكسب فيها الجميع كونها تخدم الوطن. الذين لم يصوتوا لصالح المقترح يقولون إن النظام الأساسي للحكم يحظر التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات. هذا تبرير منطقي لكنه غير عملي.. لماذا؟ لأن وجود النظام لا يلغي الحاجة إلى وجود قوانين ولوائح وقواعد تنفيذية وإجراءات تساعد على التعامل مع الواقع في تنفيذ ما جاء في النظام الأساسي. إن ذلك يشبه حالنا مع المخالفات المرورية والمخدرات والفساد الإداري والمالي والعنف الأسري والتحرش وغيرها. هذه الممارسات تتعارض مع قيمنا الدينية والمجتمع يحاربها ببرامج التثقيف والتوعية، ولكن كل ذلك غير كاف بدون وجود قوانين. وقرأت أن أحد تبريرات معارضي نظام الوحدة الوطنية القول (بأن وضع قانون سيضيق على الناس، وسيحاسبهم على كل ما يصدر من أقوال وأفعال وإن لم تكن مقصودة.. وفيه تضييق على الحريات). وتعليقي على هذا التبرير أن هذا هو المطلوب، والحريات لا يمكن أن تكون مطلقة. الحرية المسؤولة هي مفتاح التناغم الاجتماعي ولا يمكن أن يسمح المجتمع بالإساءة لأي فئة من فئاته باسم الحرية. مجلس الشورى تعامل مع النظام المقترح بطريقة ديموقراطية وجاءت نتيجة التصويت مخالفة للتوقعات وغير متجاوبة مع الواقع. ومع ذلك من الموضوعية أن نحترم كافة الآراء وأن نأمل بطرح الموضوع للنقاش مرة أخرى. لقد اتضح أن الموضوع يحتاج إلى مزيد من الدراسة والنقاش والإثراء من خلال تفاعل المجتمع ومنابره الثقافية والإعلامية. الإثراء المطلوب هو إثراء علمي وفكري. المشاركة المطلوبة هي النقد الموضوعي والنقاش العلمي. وإذا أردنا أن نصل إلى نتيجة مفيدة تحقق الأهداف التي نسعى إليها فيجب أن ندخل ساحة النقاش بمبدأ أن المكسب للجميع، هذا يعني في نهاية المطاف أن الوطن هو الرابح لأنه للجميع. والكل تهمه الوحدة الوطنية من في داخل المجلس ومن هم خارجه، ولا مجال للمزايدات. إنني أحد المتحمسين لإصدار قوانين تجرم الممارسات التي تهدد الوحدة الوطنية، مقتنع أولا أن وجود أساسها في النظام الأساسي غير كاف، ومقتنع ثانيا أن برامج التثقيف والتوعية ليست بديلا عن القانون وهي غير كافية لوقف تلك الممارسات بدليل أن برامج التثقيف والتوعية لا تتوقف عن الحديث عن مخاطر الطائفية والكراهية والتمييز عبر خطابنا الديني والثقافي والإعلامي، لكن الممارسات السلبية هي الأخرى لا تتوقف بسبب عدم وجود قوانين مقننة للتعامل معها. لا أعتقد أن ملف هذه القضية سيغلق بصفة نهائية رغم مؤشر الإحباط المتمثل في كون التصويت في مجلس الشورى كان تصويتا على ملاءمة الفكرة للدراسة وليس على مواد النظام. وكان المؤمل ألا تستغرق مجرد دراسة ملاءمة الفكرة عدة سنوات.
مشاركة :