بعد أكثر من أسبوع من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، لا يزال الرئيس دونالد ترامب يرفض الاعتراف بهزيمته أمام جو بايدن، في انتخابات أجريت من دون عمليات تزوير واسعة النطاق للناخبين والأنشطة غير القانونية التي يزعم حدوثها، ومع استمرار تزايد الضغط السياسي الخارجي أصبح البيت الأبيض الآن فوضويا كما كان من قبل في السنوات الأربع المضطربة لرئاسة ترامب.ويبدو الآن أن ترامب قد تبنّى «عقلية التحصن وراء الأسوار»، بمشاهدة الجميع باستثناء أنصاره يحتالون ويحاولون سرقة الانتخابات منه، رغمًا عنه بالطبع، مع عدم تقديمه أي دليل على الإطلاق على ذلك، وقوبل هذا الوضع غير المسبوق في السياسة الأمريكية الحديثة بقلق جاد وسخرية متحفظة من قِبَل المعلقين والمحللين الخارجيين، الذين استنكروا محاولات ترامب الواضحة للاحتفاظ بالسلطة لأطول فترة ممكنة، وسخروا أيضًا من طريقته اليائسة. والآن بعد أن اتهم منافسيه السياسيين بسرقة نتيجة الانتخابات منه عدة مرات في خطاباته وعلى تويتر، لم يُظهِر رئيس الولايات المتحدة البالغ من العمر 74 عامًا أي علامة على إدراك أنه خسر الانتخابات بالفعل، وحتى مع تزايد التقدم الانتخابي لجو بايدن في ولايتي جورجيا وبنسلفانيا الرئيسيتين، ومع فوز الرئيس المنتخب الآن بفارق أكثر من خمسة ملايين صوت عن ترامب في جميع أنحاء البلاد، لم يتوقف الشاغل الحالي للبيت الأبيض، وهو الشكوى الغاضبة في خطابات ترامب عبر الإنترنت.وبعد فترة هدوء قصيرة من الكتابة الغاضبة على تويتر في أعقاب إعلان وسائل الإعلام الرئيسية أن جو بايدن الرئيس القادم للولايات المتحدة، عادت مجلة ذا نيويوركر إلى نشر مقاطع من وسائل الإعلام الإخبارية اليمينية، مثل فوكس نيوز ونيوز ماكس، الادعاءات والاتهامات، على سبيل المثال، في السابع من نوفمبر، غرد ترامب غاضبًا: «لقد فزت بهذه الانتخابات بفارق كبير!»، بعد ذلك، في العاشر من نوفمبر، ادعى ترامب أن «الناس لن تقبل هذه الانتخابات المزورة وسننتصر!»وليس مفاجئًا أن تصرفاته الغريبة فشلت في إقناع الكثيرين، وبدلاً من ذلك تعمل فقط على إظهار قائد عالمي لا يقبل الهزيمة؛ فقد وصف الرئيس المنتخب بايدن سلوك ترامب بأنه «مُخجِل، ولن يساعد في إرث الرئيس الذي سيتركه»، كما أن الإشارات المتكررة إلى ترامب باعتباره «خاسرًا» من قبل مستخدمي تويتر جعلت ترامب يظهر أولاً عند البحث بالموقع على كلمة «خاسر».وبالإضافة إلى استخدام ترامب المفرط لمنصة التواصل الاجتماعي للتعبير عن مظالمه، يعرب العديد من المعلقين والمحللين عن مخاوفهم القوية بشأن ما سيفعله الرئيس في الفترة المتبقية له في المنصب؛ وبشكل أكثر تحديدًا، الضرر الذي سيسعى إلى إلحاقه. وزعمت مجلة ذا أتلاتنيك أن ترامب قد انتقل الآن إلى «مرحلة إحراق كل شيء»، وأن أفعاله تثير «خطر حدوث أزمة دستورية» في الولايات المتحدة. كما توقعت ماري ترامب، ابنة شقيق الرئيس والناقدة الشرسة له، أنه سيقضي الفترة الانتقالية في «تحطيم الأشياء للانتقام»، مشيرة إلى أنه «لن يتنازل، والأسوأ من ذلك أنه لن ينخرط في الأنشطة العادية التي تضمن انتقالًا سلميًّا للسلطة».وخلال هذه الأزمة، بدا المسؤولون الرئيسيون في البيت الأبيض هادئين، الأمر الذي أثار تكهنات بشأن ما إذا كان المساعدون يحاولون إقناع ترامب بقبول الهزيمة أو الاستمرار في تأجيج الوضع.وفي الوقت الحالي، يبدو أن الدائرة المركزية لإدارة ترامب ظلت ملتزمة بالرئيس وادعاءاته بشأن الانتخابات. ولإثارة الفزع، قال وزير الخارجية «مايك بومبيو» للصحفيين، في 10 نوفمبر: «سيكون هناك انتقال سلس إلى ولاية ترامب الثانية»، وإننا «سنحسب كل الأصوات، وعند اكتمال العملية، سيتم تنصيب من اختاره الناخبون، هناك عملية حددها الدستور بوضوح تام». وردًّا على ذلك، قال الديمقراطي إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إن «وزير الخارجية بومبيو لا ينبغي أن يجاري الهجمات التي لا أساس لها والخطيرة على شرعية انتخابات الأسبوع الماضي»، ووبّخ مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون بومبيو، ووصفه بأنه «واهم»، وتصريحاته «نزعت مصداقيته دوليًّا».وفي حين احتشد العديد من الشخصيات الرئيسية في البيت الأبيض حول الرئيس، تمت الإطاحة بآخرين بشكل غير رسمي. وفي السابع من نوفمبر، تكهن نوح بيرمان من صحيفة لوس أنجلوس تايمز بأن «من بين الخطوات الأولى للرئيس قد تكون إقالة العديد من كبار المسؤولين في الإدارة الذين عيّنهم، ولكنه اعتبرهم مؤخرًا غير موالين له بشكل كافٍ». ومن أبرز هؤلاء حتى الآن وزير الدفاع مارك إسبر. بالإضافة إلى ذلك، تم إجبار وكيل وزارة الدفاع على الاستقالة في العاشر من نوفمبر، ويقوم بمهامه الآن بشكل غير رسمي أنتوني تاتا، الذي وصفه ديتش وجرامر على أنه «موالٍ لترامب، ومن المؤمنين بنظرية المؤامرة، ومساهم سابق في قناة فوكس نيوز». وتمثل هذه الهجمات المرتجلة من قِبَل ترامب على المسؤولين الحكوميين بمثابة علامة أخرى على مدى الفوضى التي أصبح يموج بها البيت الأبيض مؤخرًا؛ فقد وصف نائب مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الدفاع جيم تاونسند إقالة إسبر بأنه أمر «غير مسبوق» و«مجنون تمامًا»، بالنظر إلى أنه «لا يوجد سبب عملي للقيام بذلك، باستثناء الانتقام الشخصي من قِبَل ترامب». ويرى البروفيسور بول فريمر من جامعة برينستون الأمريكية، أن هذه التصرفات التي قام بها ترامب كانت «معتادة طيلة فترة رئاسته»، وحذر من أن المرحلة التالية للإقالة قد تطال أنتوني فوسي مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية.وبدلاً من عملية تطهير داخلي بسيط للمعارضين، نظر بعض المعلقين إلى تصرفات ترامب الأخيرة إلى كونها محاولات سيئة التنفيذ منه لأداء ما يرقى إلى استيلاء حكومي على السلطة. ووصفت ماري ترامب رفض الرئيس لنتيجة الانتخابات بأنه «محاولة انقلاب»، وقال «إريك لوتز»، في مجلة «فانيتي فير» الأمريكية، إن ترامب «كان ينوي منذ فترة طويلة الاستيلاء على السلطة بصورة استبدادية إذا لم تَسِر الانتخابات في صالحه، وإذا كان هذا الهراء اليائس هو كل ما لديه، فقد بدت أمانيه ضئيلة».ومع الاستمرار في هذا الوضع الهزلي، وجه المحللون انتقادات كبيرة إلى الحزب الجمهوري؛ حيث وصف «جيسي ويجمان»، من صحيفة نيويورك تايمز، الحزب الجمهوري بأنه «أخطر مهاجمي الديمقراطية الأمريكية»، لدرجة أن قادة الحزب باتوا يتصرفون كما لو كانوا أطفالا فاسدين يرفضون التخلي عن ألعابهم. وفي هذا الصدد، كتب الباحث الأمريكي «ماكس بوت»، في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، قائلاً إن «السخرية» من الجمهوريين في مجتمعنا أمر مروع ومدمر»، مشيرا إلى أن «كبار الجمهوريين يعرفون أن ترامب خسر، وأن التصويت كان حرًّا وعادلاً».ويبدو أن الجمهوريين أنفسهم منقسمون بشأن التخلي عن ترامب أو التمسك به أكثر؛ ففي مقال رأي، قال جون بولتون: «إن الحزب الجمهوري يواجه الآن اختبارًا حقيقيًّا؛ لأنه بات منغمسًا في الدفاع عن سلوكيات ترامب الشخصية المقلقة للغاية»، وتساءل أستاذ الإعلام «نيكولاس ليمان»، من صحيفة نيويورك الأمريكية، عما إذا كان كبار مسؤولي الحزب الجمهوري قد قبلوا بالفعل هزيمة ترامب في نتائج الانتخابات الرئاسية، على طريقتهم «الخاصة»، وخاصة أن هذه الهزيمة تفتح الباب أمام تحد آخر متجدد في عام 2024، في ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ والمحكمة العليا في الوقت الراهن. وواصل زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي، «ميتش ماكونيل»، دعم ترامب، مشيرا إلى أن «الرئيس ترامب له حقوقه بنسبة 100 في المائة في النظر في مزاعم المخالفات وتقييم خياراته القانونية».وإذا كان إنكار ترامب للنتيجة يهدف بالفعل إلى التسبب في إثارة الاضطرابات وخيبة الأمل، فإن هناك بالفعل علامات مقلقة على أن هذا الإنكار قد يؤتي ثماره. ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته مجلة بوليتكيو الأمريكية، يعتقد ما يصل إلى 70% من الجمهوريين الآن أن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 لم تكن حرة ونزيهة؛ وهو ما يعتبر نسبة شهدت ارتفاعًا حادًّا مما كانت عليه وهي 35% فقط قبل 3 نوفمبر الجاري. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه بينما يثق 86% من الديمقراطيين في نتائج الانتخابات الأمريكية، فإن 64% من الجمهوريين لا يثقون بذلك. وفي النهاية تُستخدم كلمة «الانتقام» لوصف عقلية ترامب الحالية؛ وهي مناسبة أيضًا لتصنيف سلوكه المتوقع في المستقبل أيضًا؛ حيث بات لا يُظهِر أي إشارة على الإطلاق لإدراكه أنه يجب عليه قبول النتيجة، وقبول عدم وجود عملية احتيال واسعة النطاق لطالما زعم بوجودها مرارًا وتكرارًا. ومع محاولته لإنكار نتائج الانتخابات وقراره ببدء الإجراءات القانونية في الولايات الأمريكية التي لم يفز فيها بالحصيلة النهائية للأصوات الانتخابية، يبدو الآن أن ترامب يشبه زعيمًا وطنيًّا وهميًّا أزالته الولايات المتحدة من السلطة. ومع ذلك، فإنه في الوقت الحالي، ستستمر الأزمة الدستورية في الولايات المتحدة، وسيزداد رفض ترامب للاعتراف بالهزيمة، وهو ما سيسمح باحتمال استمرار هذه الدراما حتى يناير 2021 وما بعده. وكما كتب «ديفيد تشارتر» في ذا تايمز البريطانية، قد تأتي «نقطة الأزمة» الحقيقية عندما «يتم استنفاد جميع السبل القانونية ويستمر السيد ترامب ودائرته الداخلية في تأكيد أن الانتخابات مسروقة ومزورة».
مشاركة :