فـي وداع فـقـيد الـوطـن خـلـيفة بن سلمان

  • 11/24/2020
  • 01:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لا يستطيع قلمي أن يعبر عما يجول في خاطري وقلبي عن فقيد الوطن في يوم غمرته الدموع والأحزان وعجز اللسان عن الكلام، ولكن سيظل للفقيد في قلبي وقلوب أبناء الوطن مكان خاص وإن غاب عن عيوننا فلن تنساه قلوبنا وخير ما نقول: بسم الله الرحمن الرحيم «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون» (سورة البقرة: 155- 157) وقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجه (بتصرف): «إننا نستودعك قطعة من قلوبنا في مكان غاب عن عيوننا وعينك لم تغب، فاحفظه حفظا يليق بعظمتك».ترددت على ألسنتنا جميعا من مواطنين ومقيمين كلمات الوداع والدعاء لسموه بالرحمة والمغفرة وتبادلنا التعازي فيما بيننا لأن المصاب مصابنا لدى سماعنا نبأ وفاة المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر صباح يوم الأربعاء 25 ربيع الأول 1443 هـ الموافق 11 نوفمبر 2020، ضارعين إلى المولى العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ورضوانه ويسكنه فسيح جناته. دار في خاطري شريط من الذكريات فقد كان من حسن حظي معرفتي المبكرة منذ طفولتي بالفقيد، فقد كان والدي المرحوم المهندس صلاح الدين وجدي المرحوم الحاج أحمد بن حسن إبراهيم يصطحباني مع أشقائي في مناسبات عديدة إلى مجلس المغفور له بإذن الله صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين آنذاك (1942/1961) للسلام على عظمته في مجلسه بقصر الرفاع العامر وبمعيته أبناؤه المغفور لهم بإذن الله أصحاب السمو الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة (حاكم البحرين 1961/1999) والأمير خليفة بن سلمان آل خليفة والأمير محمد بن سلمان آل خليفة منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، كبرنا وكبر معنا حبنا للعائلة المالكة وسموه، وواصل أخي المهندس محمد صلاح الدين على ذلك، وكان يحرص على اصطحابنا إلى مجالس سموه في قصر الرفاع ومبنى الحكومة وقصر القضيبية، وترسخت هذه المحبة فينا لأن كل من تشرف بمقابلة سموه ولو مرة واحدة فإنها تبقى في ذاكرته، لأن لسموه هيئة وابتسامة وشخصية وأقوال وخصال حميدة من الصعب نسيانها، فقد أنعم الله سبحانه وتعالى على سموه بذاكرة عجيبة في تذكر الأحداث والوجوه وفراسة نادرة يعتمد عليها عند الحديث مع زواره الذين فوجئوا بمعرفته لهم أو أحد من الأقارب، ومعرفة أماكن إقامتهم وإتقانه لهجات مختلف الزوار. ولدى سموه خاصية الوفاء فهو دائم الاستفسار والسؤال عن الأشخاص الغائبين والدعاء لهم بالخير والدعاء بالرحمة والمغفرة للمتوفين، ويحترم ويوقر كبار السن ويعرف شرف الكبير بتقديمه وينزل الناس منازلهم، وكان يتبسط في أحاديثه بوقار مع زواره ويحرص على التطرق إلى الأحداث والعبر المفيدة والاستماع إلى زواره بكل تواضع ومحبة ويتدخل في بعض الأحيان بعفوية وتلقائية بأسلوب محبب للحضور، ناصحا ومصححا بعض الأحداث والكلمات والعبر نحويا وتاريخيا ومقوما ومعللا لبعض الأقوال والوقائع لأن لسموه روعة البلاغة والحس المضاعف بالأمور المحيطة، ويحث الحضور على الاهتمام بتدوين وتوثيق الأحداث والأماكن والوقائع الماضية والحالية لحفظها من الضياع ولتكون حافزا للأجيال الحالية لتقتبس منها وتستفيد من تجاربها، ولدى سموه كثير من التجارب والذكريات التي سمعها أو عاصرها وكان لا بد من تسجيلها؛ لأنها تمثل تراثا وحقبا وعقودا من تاريخ المملكة المشرق قبل وبعد فترة الاستقلال المجيدة، فسموه مدرسة من القيم والعادات الحميدة وملم بكثير من الأمور وعرف عنه غزارة  المعلومات وعمق التحليل السياسي وله مواقف معروفة في الدفاع عن جلالة الملك والوطن والمواطنين والمقيمين عند الخطر، وهو الأب والأخ الحنون للمحتاجين والحريص على أن تكون لهم نعمة الأمن والعيش بكرامة وشرف، والموجه لخلق فرص العمل وزيادة التنمية والحريص على العلاقات الأخوية بين مختلف أطياف الشعب والمتصدي للطائفية البغيضة والداعم لتواصل العلاقات مع مختلف الدول الإسلامية والعربية الشقيقة والدول الصديقة.زيارة مجالس سموه لها مدلولات جميلة أعجز عن شرحها، لأنها تجسد روح التواصل والمحبة المتبادلة بين سموه وزواره الذين يمثلون جميع مكونات الوطن، فقد كانت مجالس سموه مفتوحة للمواطنين لمعرفة تطلعاتهم وآرائهم واحتياجاتهم وحرص على التواصل معهم في أفراحهم وأتراحهم تجسيدا لروح المحبة التي تميز بها حكام وشعب مملكة البحرين خلال مختلف العصور والتي تحرص عليها قيادتنا الحكيمة على استمرارها لأنها مستمدة من تقاليدنا وعقيدتنا وقيمنا الإسلامية العربية السمحاء والتي توارثناها عن طريق الآباء والأجداد.سموه ليس شخصية عادية في تاريخ الوطن ونعجز عن ذكر كل إنجازاته ومآثره العظيمة وسيظل قدوة للأجيال الحالية والمقبلة، فقد كان لسموه طاقة هائلة للعمل والإنجاز تثير الإعجاب وتلهم الآخرين، فقد أدار سموه سدة الاقتصاد والتعليم والتنمية الشاملة وأرسى قواعد التنمية البشرية والحضرية والارتقاء بجوانب الحياة في المملكة وحرص على إعداد أجيال المستقبل من الرجال والنساء وتوالت الاحتفاءات الدولية لسموه من قبل المنظمات العالمية والدولية لتشهد على المكانة الكبيرة التي تبوأها في الأوساط المحلية والإقليمية والعالمية، فقد مثل سموه المملكة بأحلى الصور المشرفة في جميع المحافل والدول التي زارها.سيبقى يوم وفاة سموه ومولده خالدين في ذاكرة الوطن، فقد ولد سموه في يوم الأحد الموافق 24 نوفمبر 1935 بعد عامين وبضعة أشهر من مولد شقيقه الأكبر الأمير الراحل وتم إعدادهما منذ نعومة أظفارهما للاضطلاع بالمسؤولية وتحمل الأمانة وعندما بلغ سموه السابعة من عمره، انتظم مع أخيه في حضور مجلس والده واطلع على مشاكل المواطنين وعلى سياسة والده الحكيمة في إدارة شؤون الحكم وقد تبوأ سموه كثيرا من المسؤوليات وكانت بدايتها في عام 1953 في ديوان والده وابتعث للدراسة في بريطانيا في عام 1957 وبعد رجوع سموه باشر الكثير من المناصب والمسؤوليات المهمة مع أخويه المغفور لهما بإذن الله صاحبي السمو الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة والأمير محمد بن سلمان آل خليفة.إن شعب البحرين الوفي يقدر جميع أعمال وإنجازات سموه ومازال يذكر دوره البطولي في الملحمة التاريخية مع صاحب السمو الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد آنذاك وصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى عندما كان وليا للعهد في التصدي للادعاءات الإيرانية والمحافظة على عروبة المملكة وانتزاع استقلالها باعتراف جميع دول العالم ودور سموه المجيد مع صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين نائب القائد الأعلى رئيس الوزراء في التصدي للأحداث المؤسفة التي عصفت بالمملكة والدول الأخرى تحت مسميات الربيع العربي في عام 2011.  وفى الختام نتقدم بخالص التعازي منا جميعا من مواطنين ومقيمين لقيادتنا الحكيمة وأبناء وأحفاد الفقيد والعائلة الحاكمة وشعب مملكة البحرين الوفي في وفاة فقيد الوطن، داعين المولى سبحانه وتعالى أن يحفظ صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين رئيس الوزراء حفظهما الله ورعاهما وأن يديم عليهما موفور الصحة والسعادة وان يحفظ مملكة البحرين.yousufsalahuddin@gmail.com 

مشاركة :