تساءل كاتب تركي، في مقال نشر بموقع «أحوال» باللغة الإنجليزية، عن عودة الرئيس رجب طيب أردوغان، مرة أخرى إلى ملاكمة صديقه القديم، الاتحاد الأوروبي يوم السبت الماضي.وقال أردوغان في خطاب له عبر الإنترنت في اجتماع محلي لحزب العدالة والتنمية الحاكم «نحن لا نرى أنفسنا في أي مكان آخر غير أوروبا، نتصور بناء مستقبلنا مع أوروبا، ونتوقع أن يفي الاتحاد الأوروبي بوعوده، وليس التمييز ضدنا أو على الأقل لا نصبح أداة لفتح العداوات، التي تستهدف دولتنا». ردود حائرةويقول الكاتب ياوز بيدر: أثارت تصريحاته هذه ردود أفعال تشوبها الحيرة، ومع ذلك، كان الكثيرون يتصرفون بشكل عقلاني، كما لو أن الرئيس التركي قد كسر نمطًا من التناسق، واتخذ منحنى آخر بمفرده، وبالنظر إلى تصرفاته الحالية المضطربة، لم يكن أمامنا خيار سوى أن نندهش من المراقبين، الذين يظهرون الدهشة.ويضيف في مقاله: نتحدث هنا عن نفس الشخص، الذي في نهاية أكتوبر، أثار غضب اثنين من كبار الشخصيات في الاتحاد الأوروبي، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل، بعد أن أطلق افتراءاته المعروفة، ويضيف: استشاط أردوغان غضباً من تصريحات ماكرون ومداهمة الشرطة لمسجد بسبب قضية اختلاس في برلين، ودعا إلى مقاطعة وطنية للبضائع الفرنسية، وفي خطاب ألقاه يوم 26 أكتوبر، قال «أخاطب المستشارة ميركل، هل هذه هي الحرية في وجهة نظركم؟ قرابة 100 شرطي يعتدون على مسجد! أنتم فاشيون بكل ما تحمل الكلمة من معنى! أنتم جميعًا جزء من السلسلة النازية!».أصبحت هذه الكلمات، التي تقترب من خطاب الكراهية، جزءًا لا يتجزأ من صورة أردوغان في الغرب لبعض الوقت الآن، وبسببها أصبح يتلقّى استهجاناً قاسياً.الغضب الأخيرويواصل بيدر: بغض النظر عن كلماته المتحفظة، فإن الغضب الأخير في أوروبا فيما يتعلق بالجماعات المتطرفة، وكذلك الجماعة القومية التركية المتطرفة «الذئاب الرمادية»، لا ينبغي أن يكون مفاجأة، حيث إلى جانب حليفه السياسي دولت بهجلي وأتباعه المتملقين، فإن أردوغان يجب أن يتحمل مسؤولية إلقاء اللوم على نفسه، ولا أحد غيره.ومع ذلك، يبقى السؤال: ما هو هدف أردوغان من تحوله المفاجئ نحو الاتحاد الأوروبي واستعداده للتعاون مع خصومه الأوروبيين؟ هل هو مغيّب تماماً عن الواقع لدرجة أنه يأمل ألا يُنظر إلى هذه الخطوة الجديدة على أنها إهانة لذكاء شخصيات الاتحاد الأوروبي الكبرى، التي أحبطها لفترة طويلة؟الجدير بالذكر، أن هناك عنصرًا قديمًا وجديدًا في سباق التصرفات المضطربة هذا، يعلم أردوغان أن الاتحاد الأوروبي هو ساحة معركة داخلية تتخللها بعض الانقسامات.الألعاب الدبلوماسيةويستطرد الكاتب: هو يعلم أيضًا أنه لأسباب مالية، فإن إيطاليا وإسبانيا تترددان في اتخاذ إجراء موحد ضد تركيا، كما يعتمد أيضاً على الألعاب الدبلوماسية لميركل، التي سمحت لتركيا بكسب بعض الوقت وفرض سياستها الخارجية «الهجومية» في شرق البحر المتوسط.وبفضل «حبه المعاد اكتشافه» للاتحاد الأوروبي، يعتقد أردوغان أن خطوات فرنسا واليونان لإلغاء الاتحاد الجمركي وفرض العقوبات على تركيا ستصطدم بجدار من النقض والانقسام، علاوة على ذلك، فهو يعتمد على حقيقة أنه طالما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يؤخر انتقاله، مما يحافظ على الإبقاء على فراغ قاتل في السياسة الدولية، فسيتخبط الاتحاد الأوروبي كنتيجة لذلك.ثم هناك العنصر الجديد، الذي يربط أفعال أردوغان الماكرة باليأس والإحباط الذي يشعر به، وهي الأزمة المالية التي أظهرت نقاط ضعفه بوضوح، اضطر إلى تعيين حاكم جديد للبنك المركزي، الأمر الذي رفع الأسعار، بينما رأى صهره ووزير المالية بيرات البيرق يخرج من الحكومة في ظل ظروف مأساوية، وهذا يعني أن الخلاف داخل إدارته المتدهورة قد هبط على أعتاب عائلته والقصر ذاته.«مافيا» تشاكيجيكما اقترن هذا التطور المقلق بحلقة جديدة، شملت شخصيات مافيا مثل، علاء الدين تشاكيجي، الذي هدد علانية زعيم المعارضة الرئيسية كمال كيليجدار أوغلو.الرسائل الصادرة عن تشاكيجي و«صديقه الحميم» بهجلي -زعيم حزب الحركة القومية المتطرف- تُظهر أيضًا مقاومة شديدة للإشارات، التي أعلنها أردوغان عن عمل «إصلاح قانوني»، وهذا يشير إلى الانقسامات داخل تحالف القوى، الذي يمثله أردوغان وبهجلي.إن المشاركة العسكرية النشطة لتركيا إلى جانب أذربيجان في حرب كاراباخ والتدخل الأخير في انتخابات شمال قبرص هي كلها من صنع أردوغان، ولكن يبدو أن العكس هو الصحيح، وهو أن جناح حزب الحركة القومية من هيكل السلطة والضباط السابقين، الذين يدعمون الحكم يفرضون بنجاح أجندتهم القوية، التي يجدها أردوغان تأتي في صالحه الشخصي للبقاء في السلطة.رمز لـ«القاعدة»ولكن إذا كان الأمر كذلك، فإن هذا يحوله إلى «متحدث باسم» و«رمز» للقاعدة، التي بناها بمساعدة إبراهيم كالين وعمر جيليك، أقرب مساعديه وأكثرهم ثقة، وخلوصي أكار وزير الدفاع.أما السيناريو الذي يخيف شخصيات الاتحاد الأوروبي، ليس فقط تدفق اللاجئين، ولكن أيضًا ما قد يحدث إذا لم يعد أردوغان في السلطة، واستبداله بمغامرين أكثر شدة.وعلى الرغم من عدم ارتياحه في الوقت الحالي بشأن بهجلي والجناح الأوروآسيوي في الداخل، فإن أردوغان يخشى من شكل الصدام مع الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن.وهو يدرك أن مواقف الاتحاد الأوروبي، مع ذلك، ستساعده على الاقتراب من الأخير بقدر كافٍ من الجرأة الدبلوماسية.وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: هناك كلمة أخيرة، لأولئك الذين قد يجادلون بأن الاتحاد الأوروبي نفسه مسؤول بشكل جزئي عن هذا المأزق. هذه الحجة لا أساس لها، لم يكن الاتحاد الأوروبي هو الذي اقترح على أردوغان سجن عشرات الآلاف من الأشخاص وتفكيك سيادة القانون وتعديل الدستور لبناء نظام استبدادي.مشددا على أن مَنْ يكسر الإناء ملزم بإصلاحه، لذلك، يعرف أردوغان ما يجب فعله.
مشاركة :