ظهر أبرز مشايخ أرحب التابعة لقبيلة بكيل اليمنية، قبل أيام على إحدى القنوات الفضائية يشكو بمرارة من حجم الإذلال والتحقير الذي تتعرض له على يد مشرفي ميليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران، لمجرد أنه ينتمي لطبقة القبائل وليس للسلالة التي يتزعمها عبدالملك الحوثي رغم خدمته للميليشيا طوال الأعوام الماضية. ويعد الشيخ فارس الحبّاري من أبرز زعماء القبائل الموالين للميليشيا، وعينته الميليشيا محافظاً صورياً لمحافظة ريمه، مقابل تورطه في دعم انقلابها الدموي على السلطة الشرعية واجتياح العاصمة صنعاء، ودفعه لتوريط العديد من أبناء قبيلته للمشاركة في الحرب الإرهابية التي تشنها إيران عبر ميليشياتها ضد الشعب اليمني، والذي تشكل القبيلة مكونه الأساسي وقاعدته الاجتماعية الرئيسة. احتقان متراكم غير أن إخلاص الشيخ القبلي البارز وتضحياته المستمرة لصالح الأجندة الإيرانية، لم يؤهله لنيل رضى الميليشيا طالما أنه ينتسب للقبائل اليمنية، ما يؤكد عدم وجود قابلية للتعايش مع عُنصرية الميليشيا ومشروعها القائم على أساس العرق والطائفة. وخلال مقابلته التلفزيونية في إحدى القنوات الحوثية والممولة قطريًا، أفصح الشيخ الحبّاري عن جانب يسير من الاحتقان المتراكم والغبن الذي يعيشه زعماء وشيوخ القبائل الموالين للحوثيين. مشيرًا إلى أنها تراقب جميع تحركاته وتتجسس على اتصالاته، كغيره من الزعماء والمشايخ الآخرين. أزمة ثقة وكشف عن أزمة ثقة عميقة وروح عدائية متبادلة بين القيادات الحوثية والزعامات القبلية التي تورطت بدعم الانقلاب، أملاً بالحصول على مكاسب ومصالح وفقاً لحسابات أدركت فيما بعد أنها كانت كارثية على هوية وأمن ومصالح القبائل وليس على السلطة الشرعية وحسب. وتعود الأزمة إلى طبيعة التركيبة العنصرية والطائفية للميليشيا التي تنظر بموجبها للقبائل بما فيها الداعمة للانقلاب كعدو تاريخي وكجسم غريب عن السلالة الحوثية والهوية العرقية والطائفية التي تتبناها، واحتكار المصالح من قبل المشرفين التابعين لها بحسب الحباري. ويقول قبليون دعموا انقلاب الميليشيا: "القيادة الحوثية تجد الإيرانيين أقرب إليها، إذ تجمعهم العنصرية والطائفية والهوية المُتطرفة بقدر ما تجعلهم ينظرون إلى القبائل اليمنية والعرب كأعداء وتهديد غير قابل للاندماج ضمن الهوية الطائفية الدخيلة على اليمن". تتمسكن ثم تقمع وبعد ست سنوات من التورط في دعم الانقلاب، وكما يبدو من خلال حديث الشيخ الحبّاري، فقد أدرك العديد من زعماء ومشايخ القبائل سياسة الاحتقار والاستغلال وتوصلوا إلى قناعة مبنية على تجربة واقعية، مفادها أن الميليشيا تتعامل في مراحل ضعفها بسياسة ناعمة، وتتمسكن وتدفع برموز قبلية موالية إلى مراكز قيادية لتطمين القبائل، وتمنح العديد منهم امتيازات مادية، بهدف استدراجهم واستقطاب أبنائهم والدفع بهم إلى جبهات القتال، وبعد أن تتمكن عسكريًا تخلع القناع الناعم وتظهر وجهها الحقيقي وتستخدم أساليب قمعية تمارس من خلالها أسوأ أنواع العنصرية تجاه القبائل. وفي تصريح لـ"الرياض"، قال أحد مشايخ قبيلة مذحج، كبرى القبائل اليمنية - طلب عدم الكشف عن هويته - لأسباب تتعلق بوجوده في مناطق سيطرة الميليشيا: "جميع القبائل أدركت فداحة الخطأ الذي ارتكبته بعدم اتخاذ قرار المواجهة والمقاومة منذ البداية". وأضاف: "لقد دفعنا كلفة باهظة وما زلنا ندفع، وكانت كلفة المقاومة والمواجهة أقل بكثير من الكلفة التي دفعناها وندفعها بسبب الرضوخ، وسواء بإعلان دعمنا للانقلاب أو بالحياد في المعركة التي كانت تخوضها قوات الشرعية أثناء الحرب في محافظة عمران وخلال اجتياح صنعاء". إضعاف المشايخ أمام قبائلهم وتابع "تأخذنا الميليشيا لحمًا وترمينا عظمًا. إنها تستخدم المشايخ ورجال القبائل عندما تحتاجهم لخوض حروبها، وترميهم بعد انتهاء صلاحيتهم وبعد أن تكون قد أحرقتهم أمام قبائلهم وجردتهم من نفوذهم وتأثيرهم، ووضعت على رأس كل قبيلة مُشرفاً حوثياً ومعتنقاً للفكر الشيعي المتطرف، وأصبح هو كل شيء". وأوضح الشيخ في حديثه لـ"الرياض" إلى أن كلام الشيخ الحبّاري ينطبق على كل المشايخ في المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيا، مشيرًا إلى أنها تنظر لكل شيخ أو زعيم قبلي كمتهم وتهديد محتمل، وتعمدت إذلالهم وتجريدهم من مصالحهم ونفوذهم القبلي وتعمدت إضعافهم أمام أبناء قبائلهم. إذلال متعمد ورغم أن الميليشيا عيّنت الحباري في محافظة ريمه، لكنها تركته محافظاً بلا صلاحيات، ووضعت قراره بيد مشرف حوثي. ورغم ذلك استمر إلى جانبها وفي خدمتها ولم يسلم من الإذلال والانتهاكات المستمرة، كما أوضح خلال المقابلة نفسها أن قيادات حوثية ورطته في ثأر قبلي، ونهبت أراضٍ تابعة لأقاربه وأبناء قبيلته ووضعت أبناء أخيه في سجون تابعة لها، واستهدفت منزله بأكثر من 28 قُنبلة يدوية، ومنعته من التدخل لإنقاذ أقاربه وأبناء قبيلته الذين يراهنون عليه في إنقاذهم. استنزاف منظّم وأرادت الميليشيا إظهار الشيخ الحبّاري ضعيفاً أمام قبيلته، وغير قادر على مساعدتهم على نحو يفقده الاحترام والمكانة في أعين القبائل، وهو مجرد نموذج للسياسة التي تنتهجها الميليشيا مع القبيلة اليمنية التي تتعرض لتفكيك مُنظم وتصفية مدروسة واستنزاف متعمد من خلال الدفع بأبنائها إلى الموت المُحقق في الجبهات كي تضمن سيطرتها على الحكم وهيمنتها على المجتمع. في هذا السياق قال شيخ قبلي بارز في قبيلة حاشد اليمنية -طلب عدم الإفصاح عن هويته- خلال حديثه لـ"الرياض": "أصبح العديد من المشايخ والأعيان يدركون أن الميليشيا تستخدم سياسة استنزاف منظّم لأبناء القبائل، سواء من خلال الدفع بشباب القبائل إلى المحرقة والقتال في معارك خاسرة، أو من خلال تفكيك القبيلة وتدمير تقاليدها وإذلال المشايخ والأعيان الذي يشكلون واجهتها القيادية". وأردف، هذا الاستنزاف المتعمد يهدف بشكل واضح إلى إفراغ المناطق القبلية من الطاقة البشرية الشابة وإخلائها لصالح الحوثيين وهيمنة عناصر الأمن الوقائي التابع لهم، ولضمان عدم تشكّل أي مقاومة قبلية ضدها في المستقبل. ويأمل في أن القبائل الواقعة في مناطق سيطرة الميليشيا، لم تفقد الأمل، مشيراً إلى أن الاحتقان الموجود غير مسبوق وكفيل باندلاع مقاومة قبلية عارمة، وما يؤجل ذلك إلا ضعف التنظيم والتنسيق. مؤكداً أن القبائل ماضية في تنظيم نفسها والتنسيق يزداد يوماً بعد آخر، وسيحين الوقت المناسب، وحينها سيظهر الحجم الحقيقي للشرذمة الحوثية، وسيعرف مرتزقة الحرس الثوري الإيراني أن اليمن أكبر من أن تبتلعها إيران".
مشاركة :