عملية السلام التي انطلقت في الخامس عشر من سبتمبر الماضي (2020م) في البيت الأبيض لن تقف هناك في الحديقة الخلفية لاخذ الصور وتوزيع الابتسامات، ولكنها بلا شك سترى النور والتعاطي الإيجابي بسبب إيمان تلك الدول بأهمية السلام، فهي محطة مهمة لدفع قطار السلام من بوابة أخرى تطل على مياه الخليج العربي، فكان الاجتماع الأول في العاصمة الامريكية (واشنطن) بين مجموعة (1+3) لتنشيط ودفع عملية السلام، البحرين والإمارات واسرائيل بإلاضافة للراعي الرسمي الولايات المتحدة، والبحرين التي شهدت اتفاقية السلام بين الامارات واسرائيل اختارت هي الأخرى مسارين مهمين لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، فوقعت على إعلان تأييد السلام مع اسرائيل، كذلك وقعت على إعلان مبادئ إبراهيم أبوالأنبياء عليه السلام. في منتصف أكتوبر الماضي جاءت المحطة الثانية في العاصمة (المنامة) بحضور وفد اسرائيلي رفيع المستوى برئاسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات ووزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين للتوقيع على عدد سبع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البحرين واسرائيل، وهي المحطة المهمة في دفع عملية السلام إلى الأمام، وخطوة غير مسبوقة بمنطقة الشرق الأوسط لتعزيز التعاون بين البحرين واسرائيل، وفتحت آفاقا أرحب من التعاون بين البلدين في الكثير من المجالات؛ الدبلوماسية والصناعية والتجارية والتكنولوجيا وتقنية المعلومات وغيرها. وقبل أيام (19 نوفمبر) زار وفد بحريني رفيع المستوى يتقدمه وزير الخارجية عبداللطيف الزياني لدولة اسرائيل، وكان في استقبال الوفد وزير الخارجية الاسرائيلي (غابي أشكنازي) بالإضافة إلى وزراء ومسؤولين آخرين، وهي زيارة تاريخية لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار، وقد أثمرت الزيارة تدشين خط جوي بين المنامة وثلاث مدن اسرائيلية؛ تل ابيب وحيفا وإيلات، فمع بداية العام الجديد تنطلق 14 رحلة جوية بين البلدين، بالإضافة إلى 5 رحلات شحن مع فتح السفارات في البلدين، وإصدار التأشيرات الإلكترونية. لا شك أن هذه الخطوة تعتبر من الخطوات التاريخية التي تحسب لقادة المنطقة، فبعد سبعين عامًا من الصراع العربي الاسرائيلي تفتح أبواب السلام من جديد، ولكن هذه المرة من بوابة أخرى، فاتفاقيات السلام السابقة بين اسرائيل وبعض دول الجوار مثل الفلسطينيين ومصر والاردن قد حققت الكثير لتلك الدول، وذلك عبر اتفاقيات رعتها الولايات المتحدة، أوسلو وكامب ديفيد ووادي عربة، وجميعها كانت في السنوات الاخيرة من القرن الماضي، وإن كانت القضية الرئيسة وهي اقامة دولة مستقلة للفلسطينيين وعاصمتهم القدس الشرقية لا تزال متعثرة بسبب بعض الجماعات المتطرفة التي تضع العصا في العجلة، أما اليوم فإن عملية السلام الجديدة قادمة من مياه الخليج العربي، من البحرين ودولة الامارات العربية المتحدة، وتعد تلك خطوة شجاعة في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية، وهي التي وصفها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بأنها اتفاق ليست موجها ضد أي كيان. بعد الزيارة التاريخية التي قام بها الوفد البحريني إلى اسرائيل، وتفعيل مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم ستشهد المنطقة مرحلة جديدة من التعايش السلمي بين شعوبها، ولعل تجربة البحرين في هذا المجال أكبر شاهد على احتواء المجتمع البحريني لمختلف الأديان والطوائف والمذاهب والثقافات، وتأتي الرؤية الاستشرافية لجلالة الملك المفدى لتعزز مساعي السلام والرخاء، ولنقل النموذج البحريني لشعوب العالم. ونحن كمجتمع بحريني لن نتأخر عن تعزيز السلام مع دول العالم، فالبحرين مفتوحة لكل الدول التي تؤمن بالسلام والتسامح كقيمة إنسانية، لذا نحن اليوم مدعوون لمعرفة ثقافة المجتمع الاسرائيلي والتعايش معه، وهو مجتمع متنوع ومتعدد الاديان والمذاهب والثقافات. ومن الجميل أن زيارة الوفد البحريني لاسرائيل في 19 نوفمبر يصادف اليوم الذي زار فيه الرئيس المصري الراحل أنور السادات (1977م) ليضع اللبنة الأولى في عملية السلام حينها، لذا فإن قادة التغيير هم الذين يخلدهم التاريخ لأن سعوا لأمن وسلامة شعوبهم!
مشاركة :