نيويورك ـ أ ف ب: تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع وللمرة الأولى خطة سلام تفصيلية بشأن سوريا تستند على مرحلة انتقال سياسي من المفترض أن تضع حدا للنزاع المستمر في البلاد منذ أكثر من أربعة أعوام. ويرى محللون أن تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لخلافاتهما من خلال التوافق على البيان ذاته مؤشر على بدء انفراج بعد فشل العديد من المبادرات. لكنه لا يعكس بالضرورة تقاربا في وجهات النظر حول أساس الأزمة وتحديدا مصير الرئيس السوري بشار الأسد. وأيد مجلس الأمن أول أمس "إطلاق عملية سياسية بقيادة سورية تقود إلى انتقال سياسي يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري"، في قرار تلقته دمشق والائتلاف السوري المعارض بحذر. وبحسب القرار، تتمتع هيئة الحكم الانتقالي بكافة الصلاحيات التنفيذية على أن "يتم تشكيلها على قاعدة التوافق المشترك مع ضمان استمرارية المؤسسات الحكومية". وتتضمن خطة السلام المقترحة من مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا والتي من المفترض أن يبدأ تطبيقها في سبتمبر، تشكيل أربعة فرق عمل تبحث عناوين "السلامة والحماية، ومكافحة الإرهاب، والقضايا السياسية والقانونية، وإعادة الإعمار". وجاء قرار مجلس الأمن الدولي بعد ساعات على إدانة مسؤولين في الأمم المتحدة بينهم دي ميستورا لقصف جوي استهدف مدينة دوما في ريف دمشق وتسبب بمقتل 96 شخصا وإصابة أكثر من 250 آخرين بجروح الأحد. وفي حين وصف دي ميستورا قصف دوما بأنه "كان مدمرا"، اتهمت دمشق الأخير بـ"الابتعاد عن الحيادية في ممارسة مهامه". وقال هيثم مناع القيادي السوري المعارض، الذي شارك في المشاورات التي أجراها دي ميستورا، إن "اختيار الشخصيات المؤهلة (من الجانبين) لتشكيل اللجان الأربع بدأ بالفعل". وتستند خطة السلام المقترحة إلى المبادئ الواردة في بيان "جنيف 1" الصادر في 30 يونيو 2012 عن ممثلي الدول الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن وألمانيا والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، والداعي إلى تشكيل حكومة من ممثلين عن الحكومة والمعارضة بـ"صلاحيات كاملة" تتولى الإشراف على المرحلة الانتقالية. وترى المعارضة السورية أن "الصلاحيات الكاملة" تعني تجريد الأسد من صلاحياته وإزاحته من الحكم، بينما يعتبر النظام أن مصير الرئيس يقرره السوريون من خلال صناديق الاقتراع. ويرى محللون أن عوامل عدة ساهمت في التوصل إلى خطة السلام هذه، أبرزها استنزاف الفصائل المقاتلة على الأرض والحاجة الملحة لمواجهة التهديد الذي يشكله تنظيم داعش، بالإضافة إلى الانفراج في العلاقات الإيرانية الأمريكية بعد الاتفاق النووي. ويقول كريم بيطار الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) إن المبادرة الجديدة ليست إلا بداية و"لا شيء يضمن حتى الآن أنها ستكون أكثر نجاحاً من المبادرات السابقة". ويضيف "هناك إجماع غير مسبوق وبداية تقارب، وأجواء بدأت تتغير" لكنه يوضح أن "أيا من الطرفين ليس مستعدا في هذه المرحلة لتقديم تنازلات إضافية تسمح فعليا بترجمة هذا التقارب على الأرض". ويقول بيطار "هناك وعي مشترك لحالة الاستنزاف التي يعاني منها طرفا الصراع في سوريا وبأن أحدا لا يستطيع ترجيح الكفة لصالحه". ويضيف "هناك خشية من أن يملأ تنظيم داعش الفراغ بعدما بات يسيطر على نحو نصف الأراضي السورية". ويرى المحلل اندري باكليتسكي من مركز "بي آي ار" المستقل للبحوث في موسكو أن "البيان لا يحمل تغييرا جذريا لكن مجلس الأمن وللمرة الأولى منذ عامين يتوصل إلى إجماع حول سوريا" مضيفاً "إنه نص مبهم وليس من السهل تطبيقه". في المقابل، يقول القيادي في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية سمير نشار إن ثمة "شكوكا" تحيط بخطة دي ميستورا. ويضيف "نحن بحاجة إلى توضيحات من دي ميستورا" مشددا في الوقت ذاته على أنه "لا يمكن للأسد أن يلعب دورا في العملية الانتقالية".
مشاركة :