أكد مديرو المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، ضرورة اتخاذ السعودية إجراءات تصحيحية تدريجية كبيرة على أوضاع المالية العامة على مدار عدة سنوات، من خلال استخدام مزيج من التدابير على جانبي الإيرادات والنفقات، وذلك على خلفية الهبوط الحاد في الإيرادات النفطية واستمرار نمو النفقات، الذي من شأنه أن يحدث عجزا في المالية العامة هذا العام وعلى المدى المتوسط. ووفقا للصندوق، فإن هذه الإجراءات تتضمن إصلاحات شاملة في أسعار الطاقة، علاوة على إحكام السيطرة على فاتورة الأجور في القطاع العام، ورفع كفاءة استثمارات القطاع العام، وتوسيع نطاق الإيرادات غير النفطية من خلال استحداث ضريبة القيمة المضافة، وضريبة على الأراضي. ورغم تأكيداتهم أن آفاق الاقتصاد السعودي تعد قوية وجيدة، إلا أنهم أشاروا إلى وجود مخاطر أساسية محيطة بالاقتصاد تتمثل في عاملين هما، حالة عدم اليقين بشأن ارتفاع أسعار النفط في المستقبل، علاوة على احتمال تصاعد التوترات على المستوى الإقليمي. كما أوضحوا في ختام مشاورات المادة الرابعة لعام 2015 مع السعودية، التي يجريها الصندوق بشكل سنوي لأعضائه، التزام السعودية بتعزيز الاستقرار في السوق النفطية العالمية، لافتين إلى أن الاقتصاد السعودي لا يزال من أقوى الاقتصادات نموا في مجموعة العشرين. وعلى صعيد متصل، يتوقع الصندوق أن يتباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 2.8 في المائة العام الجاري، ثم إلى 2.4 في المائة في العام المقبل 2016 حين يبدأ الإنفاق الحكومي في التكيف مع الانخفاض السائد في أسعار النفط، على أن يبلغ 3 في المائة تقريبا على المدى المتوسط، بينما ترجح التوقعات أن يظل التضخم في حدود منخفضة. وتوقع مديرو الصندوق أن تسجل مالية الحكومة المركزية عجزا قدره 19.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015، وأن يظل العجز مرتفعا على المدى المتوسط رغم انخفاضه المتوقع في عام 2016، وما بعده مع انتهاء الإنفاق على البنود غير المتكررة واستكمال المشروعات الاستثمارية الكبرى. كما يتوقع أن يشهد فائض الحساب الجاري عجزا محدودا في عام 2015، على أن يعود إلى تحقيق فائض في الفترة ما بين 2016 و2020، بعد أن سجل تراجعا بنسبة 10.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لعام 2014. واتفق مديرو الصندوق على دعم عملية الضبط المالي، التي من شأنها تعمل على تقوية إطار المالية العامة، كما ينبغي وضع الميزانية السنوية في إطار متوسط الأجل يحدد بوضوح نيات الحكومة على صعيد السياسات، ويغطي كل أولويات الإنفاق الواردة في خطة التنمية الوطنية، ويحقق الفصل بين النفقات والإيرادات النفطية المتقلبة على المدى القصير، مع ضمان تعديل الإنفاق تبعا للاتجاهات السعرية طويلة الأجل. ورحب المديرون بخطة الحكومة الرامية إلى إقامة وحدة للمالية العامة الكلية ونشر بيانات المالية العامة في صيغة مطابقة لدليل إحصاءات مالية الحكومة لعام 2001. وفي سياق متصل، فإنه رغم تباطؤ حركة الودائع الداخلة للجهاز المصرفي في الشهور الأخيرة من العام الجاري، وانخفاض معدل نمو الائتمان الخاص، إلا أن مديري المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي اتفقوا على قوة النظام المصرفي السعودي وأنه قادر على تجاوز انخفاض أسعار النفط وتباطؤ النشاط العالمي. واتفق المديرون على أن إصدار سندات دين لتمويل جانب من العجز، يعتبر إجراء ملائما من شأنه المساعدة على تشجيع تطور الأسواق الرأسمالية الخاصة. ويرى مديرو الصندوق أنه من المفيد للسعودية إرساء إطار رسمي لسياسات السلامة الاحترازية الكلية لضمان التنسيق بين أهم الأجهزة المعنية والبناء على أدوات السلامة الاحترازية الكلية المستخدمة حاليا بصورة مضادة للاتجاهات الدورية. هذا، وقد اتفق مديرو الصندوق على أن ربط سعر العملة بالدولار الأمريكي لا يزال نظاما ملائما للصرف، ومن ثم أكدوا الحاجة إلى ضبط أوضاع المالية العامة لدعم هذا النظام على المدى الطويل، ورأوا أنه من المفيد إخضاعه لمراجعات دورية بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لتقييم أثر إصلاحات سوق العمل والإصلاحات الهيكلية الأخرى. من جانب آخر، أيد المديرون السياسات الجارية لزيادة توظيف المواطنين في القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد، مشيرين إلى الجهود المبذولة لتعزيز مناخ الأعمال، وتطوير البنية التحتية، والاستثمار في التعليم والتدريب، وزيادة فرص العمل المتاحة للنساء. غير أنهم أكدوا أن تحقيق أهداف الحكومة يتطلب تعديل الحوافز المتاحة للشركات والعمالة، بما يشجع إنتاج السلع التجارية بدل من السلع غير التجارية، وتوظيف العمالة في القطاع الخاص بدلا من القطاع العام. وأخيرا، أشار مديرو الصندوق إلى استمرار تقدم المملكة نحو تحسين جودة الإحصاءات الاقتصادية الأساسية وزيادة إتاحتها، ورحبوا بخطة الحكومة للاشتراك في "المعيار الخاص لنشر البيانات" (SDDS) في عام 2016. وتنص المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي، على إجراء مناقشات ثنائية مع البلدان الأعضاء تتم في العادة على أساس سنوي، ويقوم فريق من مختصي الصندوق بزيارة البلد العضو، وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة وإجراء مناقشات مع المسؤولين الرسميين حول التطورات والسياسات الاقتصادية في هذا البلد. وبعد العودة إلى مقر الصندوق، يعد المختصون تقريرا يشكل أساسا لمناقشات المجلس التنفيذي في هذا الخصوص، وفي ختام المشاورات يقوم مدير الصندوق بصفته رئيس المجلس التنفيذي بتقديم ملخص لآراء المديرين التنفيذيين، ومن ثم يرسل هذا الملخص إلى السلطات في البلد العضو.
مشاركة :