قدّم مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، في إطار الموسم الثقافي «ولا نتوب عن أحلامنا»، محاضرة للأكاديمية والكاتبة اللبنانية سوسن الأبطح بعنوان « الثقافة كوطن بديل»، يوم الاثنين 30 نوفمبر 2020، في مقر المركز، وتبث عبر رابط صفحة المركز على اليوتيوب.تحدثت سوسن الأبطح في محاضرتها عن «الحالمين والمعذبين»، وكأنهم وجهان لعملة واحدة. ولم يكن الكلام فقط عن المشكلات المتدحرجة التي وقع فيها لبنان، وإنما ايضاً عن نقاط مضيئة يجب أن يتم الارتكاز عليها من أجل القيامة والخلاص، «فرغم أن لبنان فقد بعضاً مهماً من أعضائه فيزيائياً، وأنطفأ جانب من روحه، بسبب المحن المتلاحقة، إلا أن ما يدعو للإحساس بالتفاؤل موجود ويفترض أن يعزز ويبني عليه».كما شددت الأبطح على قيمة لبنان الفعلية التي تكمن في «إبداعاته، وفي الفكر الحر، في مطابعه ودور نشره، ومسارحه، وموسيقاه، وأغنياته، وكتاباته، وفولكوره، ومبانيه التراثية، ومتاحفه وغاليرياته، التي تتعرض جميعها اليوم، لحرب إبادة، لم تشهد لها البلاد مثيلاً من قبل، حتى في عز الحرب الأهلية البغيضة».كما تحدثت عن إيجابية رغم وجود «لأخطبوط السياسي الشرير الذي كان يتمدد بفساده في مؤسسات الدولة ويعشعش في البيوت ويقبض على أرواح الناس، بفوضاه، وأنانيته وشراسته وتخريبه» وهو بمثابة عالم آخر «يحاول أن يكسب ما يستطيع من مساحة، عالم يشيده، أصحاب المسارح، والقيمون على المهرجانات والكتاب والرسامون والمصممون والمصورون والسينمائيون، والموسيقيون. هؤلاء تمكنوا من إحراز انتصار ليس بقليل، على رقعة ليست بصغيرة، وهم يعملون كل ضمن دائرته الخاصة، بتعاضد وتكامل، حتى دون أن يكون ثمة تنسيق. انه نوع من التواطؤ الضمني، المتواصل، على رفض البشاعة والفشل والانحدار الأخلاقي، بالتفتيش عن عالم بديل».وأعطت الأبطح مثل عبد الحليم كركلا، من بين الحالمين، قائلة إن «رؤية عروض فرقة كركلا بملابسها الأخاذة وموسيقاها الجميلة وديكوراتها أمر، ومعرفة كواليس خمسين سنة من العمل الفني المركّب، هو أمر آخر. نكتشف أن كل هذا ما كان ليولد لولا الشعر، وأن الرجل استلهم حركات راقصيه من الشعراء الذين لا يستطيع أن يعيش دون الهامهم». كما توقفت عند الأخوين الرحباني «فأحلامهما سحرت الملايين، وما هو جدير فعلاً بالاهتمام، هو مدى انكباب الرحبانيين على التراث العربي، والإيمان بأنه النبع الذي لا يجف ولا ينضب. وهما اذ اخذا على عاتقهما ان يقدما الأغنية العربية العصرية، السريعة، الخفيفة الظل، التي لا تزيد مدتها على دقائق قليلة، الا أن عاصي بشكل خاص، كان يبحث بعناية شديدة ومثابرة لم تستكن عن الفولكور العربي.»ومن الحالمين هناك الأخوة بصبوص، ميشال، الفريد، ويوسف، «ثلاثتهم عمال في العمارة، حلموا بأن يحولوا قريتهم راشانا الصغيرة في شمال لبنان الى ملتقى فني ومتحف في الهواء الطلق وكان لهم ما ارادوا.» وبقيت راشانا أكثر من خمسين سنة قبلة لعشاق الفن بفضل نحاتيها الثلاثة، ثم فقدت ألقها، وذوت حتى لم يعد يسمع بها أحد.وختمت الأبطح محاضرتها «إمبراطوريات فنية، بنيت على جهود جبارة. أناس نذروا أنفسهم لمشاريع يفترض ان تقوم بها وزارات، لكنها تبقى مهددة طالما انها غير محمية بمخطط ثقافي رسمي»، فانفجار الرابع من آب «أحدث دماراً قطره خمسة كيلومترات، كل المرافق الثقافية طالها الدمار، لا يوجد مجال واحد إلا وهو في حداد، كل مسرح تدمّر هو حكاية وتاريخ، ونضال يشبه النضالات التي تحدثنا عنها، ما تدمر في بيروت، هو مئات وآلاف الأحلام التي كانت تنسج وطناً مختلفاً للمستقبل.»
مشاركة :