قطر الدولة الوحيدة التي تستثمر في تركيا هذه الأيام رغم هروب غالبية الاستثمارات الأجنبية من الأخيرة. ويتساءل موقع «دويتشه فيلة» الألماني في تقرير نشر على الموقع عن دوافع الدوحة في هذا السخاء وهل تنجح في وقف تدهور الليرة التركية والحد من أزمات أنقرة الاقتصادية؟نجدة أنقرة ويقول التقرير إن الدوحة تحاول مرة أخرى نجدة أنقرة في أزمتها الاقتصادية بشكل عام وأزمة ليرتها المتدهورة بشكل خاص. فقد وقع البلدان 10 اتفاقيات جديدة غالبيتها تتعلق بالشأن الاقتصادي في إطار اجتماعات اللجنة الاستراتيجية بين البلدين في 26 نوفمبر الماضي. وبذلك يزيد عدد الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين على الخمسين منذ تأسيس اللجنة عام 2014. غير أن الحدث الأبرز في اجتماعاتها الأخيرة هو اتفاق على شراء القطريين 10 % من أسهم بورصة اسطنبول في وقت يستمر فيه هروب الاستثمارات الأجنبية من تركيا. كما تمتنع المؤسسات المالية الدولية والدول الغربية التي اعتمدت تركيا عليها حتى وقت قريب عن تقديم قروض وتسهيلات مالية تسد الثغرة الناتجة عن هذا التراجع.سخاء قطريسبق صفقة البورصة صفقات أخرى عديدة خلال السنوات الأربع الماضية في مقدمتها تعهدات قطرية في صيف عام 2018 بضخ استثمارات بقيمة 15 مليار دولار من أجل مساعدة تركيا على الاستقرار المالي بعد تأزم العلاقات التركية الأمريكية يومها إلى درجة فرض عقوبات اقتصادية متبادلة أدت إلى مزيد من التدهور في قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي. وتأتي الصفقة الأخيرة في وقت تستمر فيه الليرة بالتراجع رغم قيام البنك المركزي التركي برفع سعر الفائدة من 10 إلى 15%. وفقدت العملة التركية خلال هذه السنة نحو ربع قيمتها في مسيرة تدهور متسارعة مستمرة منذ نحو أربع سنوات.وتبدو قطر في الوقت الحاضر الدولة الوحيدة التي تستثمر في تركيا التي تزداد أزماتها المالية والاقتصادية والسياسية تفاقما. وجاءت جائحة كورونا وتبعاتها لتصب المزيد من الزيت على نيران هذه الأزمات. وإذا كان حجم الاستثمارات القطرية المعلن حتى الآن يزيد على 20 مليار دولار، فإن حجمها الفعلي ينبغي أن يكون أكبر من ذلك بكثير. ومن غير المرجح أن يتم الإفصاح عن هذا الحجم خوفا من إثارة غضب الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. فحكومات الاتحاد الأوروبي بشكل خاص لا يعجبها في الوقت الحاضر تمادي قطر في دعم أردوغان وحكومته بسبب توتر العلاقات الغربية التركية لأسباب كثيرة من أبرزها التعاون العسكري التركي مع روسيا، وأنشطة الحفر التركية غير الشرعية عن الغاز في شرق المتوسط والتدخل التركي في ليبيا. وهنا يتساءل المرء عن خلفية السخاء القطري تجاه أنقرة؟دوافع سياسيةيقول بعض المراقبين إن تدفق الاستثمارات القطرية إلى تركيا سببه فرص تحقيق أرباح وجدتها الشركات القطرية وجهاز قطر للاستثمار في شركات وعقارات ومشاريع تركية متنوعة. غير أن وجهة النظر هذه لا تأخذ بعين الاعتبار أن الاستثمارات القطرية في غالبيتها تتم على شكل ودائع ومساعدات مالية وتبادل عملات يُراد من خلالها الحد من تدهور الليرة التركية. كما لا تراعي حقيقة أن هناك مخاطر سياسية متزايدة على الاستثمار الأجنبي في تركيا بسبب سياسات أردوغان القمعية تجاه معارضيه، ومن هنا يمكن القول إن الدافع السياسي هو العامل الأقوى وراء تدفق الأموال القطرية إلى تركيا كما هو عليه الحال مع دول أخرى.قواسم مشتركةولكل من قادة البلدين قاسم مشترك ألا وهو إسقاط حكومات دول المنطقة ودعم حركات الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة في الدول العربية وإقامة دويلات دينية فيها. وإذا كانت قطر تدعم تركيا بالمال، فإن الأخيرة تدعم الدوحة عسكريا وتقيم على الأراضي القطرية قاعدة عسكرية. كما أن أنقرة كانت من أول المبادرين لدعم الدوحة اقتصاديا من أجل تجاوز المشاكل الناتجة عن مقاطعة الجيران ومصر. هذا وتعد تركيا اليوم في مقدمة الدول المصدرة إلى إمارة قطر، إضافة إلى أن شركات البناء التركية تتوسع بسرعة في مجال تحديث البنى التحتية القطرية بشكل لافت.أهمية الدعممما لا شك فيه أن الدعم القطري لتركيا في غاية الأهمية إذا أخذنا بعين الاعتبار تراجع احتياطات الأخيرة من العملات الصعبة بشكل دراماتيكي بسبب تزايد أقساط الديون وفوائدها وضغط الدول الدائنة للحصول على قروضها. وتزداد هذه الأهمية على ضوء رفض الجهات المقرضة وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي منح المزيد من القروض وتراجع الاستثمارات الأوروبية إلى أكثر من 50 %.والدعم المالي القطري يعطي للرئيس أردوغان بعض الوقت للمناورة على الصعيد الاقتصادي ومواصلة سياساته الدبلوماسية والعسكرية الهجومية التي تبعد الأنظار عن أزماته الداخلية. غير أن قطر ومهما كان حجم مساعداتها، فهي غير قادرة على حل مشاكل تركيا الاقتصادية وفي مقدمتها مشكلتا تراكم الديون وتدهور الليرة التركية. ومن الأدلة على ذلك أن الدعم القطري بحدود 15 مليار دولار قبل عامين لم يفلح كثيرا في تجاوز هاتين المشكلتين.الدعوة للتهدئةالدعم القطري المسيس لا يطمئن المستثمرين الأجانب على غرار دعم صندوق النقد الدولي مثلا. ويبدو أن الرئيس أردوغان بدأ إدراك ذلك مع تزايد التهديدات الأوروبية والأمريكية بفرض عقوبات على تركيا من شأنها دفع الاقتصاد التركي إلى الهاوية، لأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هما الشريكان الاقتصاديان والعسكريان الأهم لأنقرة. كما أن المصدر الأساسي للقروض المتراكمة على تركيا هو الغرب والمؤسسات المالية الدولية المانحة الخاضعة لسيطرته.وعلى ضوء ذلك بدأ الرئيس التركي مؤخرا بإظهار التودد لجهات عدة من خلال الدعوة للتهدئة وخاصة الاتحاد الأوروبي وتأكيده على أن مستقبل تركيا لا ينفصل عن مستقبل أوروبا. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يستطيع أردوغان بالفعل الخروج من جلده وتغيير سياساته «الطورانية» العدائية تجاه الجميع والتصالح مع أوروبا؟ وإذا كان هذا الأمر مشكوكا فيه، فإن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا يبدو في صالح أردوغان، لاسيما وأن بايدن دعا في وقت سابق إلى إسقاط أردوغان ونهجه.
مشاركة :