33 عاماً مرت على عرض مسرحية (دوائر الخرس) على مسرح النادي السياحي في أبوظبي، العرض أنتجه مسرح الإمارات القومي من تأليف عبد الرحمن الصالح، عن قصة ديوان عموم الزير للدكتور حسين مؤنس، وإخراج المنصف السويسي، ومن بطولة نخبة من الممثلين المحليين العاملين في مسارح الإمارات بينهم سعيد سالم بدور معتوق ومحمد الجناحي الوالي وسيف الغانم مستر كخ ومريم أحمد بدور ماريانا. يبدو عنوان العرض لافتاً، فهو يشي بإحدى دلالات الدائرة، والدائرة هنا، رمز للمتاهة والضياع والتشظي، وحين ترتبط الدائرة بالخرس، بوصفه دليل إعاقة بشرية، فثمة مشكلة كبيرة في الأفق، اُستثمرت في بناء عمل درامي تم إعداده ليعبر عن واقع الدول النامية، تلك التي تعاني مشكلات اجتماعية ومعيشية خانقة. استثمر مؤلف العمل، هذا العنوان، ليبدأ من خلاله في بلورة فكرة الصراع بين طرفين، الأول متنفذ وتقوده مجموعة من الرموز الاجتماعية التي لديها فائض من المال والغنى والجاه، لكنها مستغلة، لا يهمها سوى الاحتكار على حساب شريحة كبرى من الفقراء والمعدمين وأصحاب المشكلات العديدة، من بؤس ومرض وعاهات وتشوه ليس أقلها بطبيعة الحال، الخرس بوصفه هنا، يعبر عن قيلة الحيلة، وانعدام فرص التعبير، في إشارة قوية إلى انعدام سبل الحوار بين الطرفين. استثمر المؤلف، هذه المعاني، من خلال ثيمة مفتاحية رئيسية ذات دلالات واضحة في التاريخ البشري، وهي الماء، وهو هنا، لصيق بالثروة والمورد الاقتصادي الطبيعي، الذي يعتبر حقاً لكل البشر في كل المجتمعات، وبلا استثناء، من خلال الماء يطرح العرض قضية شائكة، تهم المجتمعات النامية جميعها، وهو تحد صعب، في ظل تنامي القوة، مع تشكل الدول الحديثة، ووجود طبقات على طرفي نقيض من السلم الاجتماعي، يجتهد مخرج العمل في نسج حكاية أبطالها أناس مظلومون، مكبلون بالديون وتنخر في أجسادهم مختلف الأمراض والأوبئة، هذه هي الدائرة الأولى، ولنقل الدائرة التي تنبثق منها فكرة المسرحية، التي تتفاقم منها دوائر شتى لا حصر لها. حبكة العرض كما كتب عنها تتخلص في الوالي الذي يصدر تعليماته لبناء مشروعات جديدة للمياه، فيقوم المسؤولون في الدوائر المختصة (الوزير وأعوانه) بتنفيذ هذا الأمر، على نحو لا يخدم المصلحة العامة، يكتشف الوالي هذه المشكلة خلال حفل تدشين إنجاز المشروع، وهنا، يغضب فيطرح القضية على عامة الشعب للتفكير في حلول مقترحة لها. تناقش المسرحية، ضمن هذا الفضاء فكرة الاستغلال الطبقي والجشع الاجتماعي، وتحاول أن تشير إلى طبيعة هذا الاستغلال، بوصفه وباء لابد من تكاتف الجميع لمحاربته والحد من استفحاله. نجح العرض في في طرح قضيته من خلال ثيمة الماء، باعتباره، مورداً إنسانياً، من حق الجميع، كما رفض العمل التعامل مع البشر على أنهم مجرد وسائل لتحقيق غايات، وهي دلالة ترفض تشيىء الإنسان، وتدعو لاحترام مشاعره ومنحه كامل حقوقه من دون غبن أو تفريط. انتقد البعض، جرعة التهريج والنكات التي وجدوها لا تخدم العرض وكانت فجة، وفي السياق ذاته، خرج بعض الممثلين عن سياق الحوار المكتوب، أما الإخراج فكان روتينياً خاصة فيما يتعلق بدخول الممثلين من خلف الجمهور، في عمل غابت عنه البطولة المطلقة، وكانت هناك إشارات واضحة إلى الديكور الذي استحق ثناء كثيراً من المتابعين، ووصف بأنه بطل العرض الأول.
مشاركة :