المشاهير بين الأمس واليوم

  • 12/4/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشهرة شيء جميل ومحبب للنفس وهناك الكثير من الناس يبحث عن هذه الشهرة فهي تعطي للنفس نشوة وزهوا وتجعل الإنسان معروفا في كل الأماكن والمجتمعات ومحط أنظار العامة أينما حل وان كانت تسلب منه الحرية والخصوصية والعفوية أحياناً. ولقد كانت الشهرة محصورة في مهن ومواهب معينة فمثلا كن نرى أن لاعب كرة القدم يعد من المشاهير وربما يكون في المرتبة الأولى في الشهرة ثم يأتي بعده الممثل والمذيع التلفزيوني وخصوصا مذيع الأخبار الرسمية ولقد كان ذاك المشهور يبذل الكثير من الجهد والعمل وتطوير الذات ومحاولة الظهور بل والتميز في مجاله حتى يكون نجما يشار إليه بالبنان كما أن كثيرا من أولئك المشاهير أصبح يحمل على عاتقه مبدأ القدوة الحسنة لمن حوله ولمن يرونه قدوة لهم فتكون كل تصرفاته مدروسة ومحسوبة. وأما اليوم فقد ظهر لنا انموذج آخر من المشاهير بمواصفات مختلفة وطقوس مختلفة فربما بين عشية وضحاها يظهر لنا شخص في مقطع لا يتجاوز الثواني المعدودة ليكون في اليوم التالي محسوبا ضمن المشاهير. رغم أن ذاك المقطع قد سجل بشكل عفوي وغير معد له مسبقا وخير مثال على ذلك مقطع الرجل الذي يقول (لا تخليني لأني مقيد ولا مفكوك) ومقطع تلك البنت الصغيرة التي تسمى (عيوش) وغيرها الكثير. وهناك من سحر عينيه بريق الشهرة السريع وغير المكلف وصعود القمة السهل الذي لا يتطلب موهبة ولا مؤهلات. فخرج لنا صنف من الغوغاء المتطفلين فصنعوا من أنفسهم مهرجين لأجل كسب أكبر عدد من المتابعين وهناك من جعل حياته وحياة أسرته بكل تفاصيلها مشاعا للناس يعرفون كل ما يحدث داخل أسوار بيته لا لشيء إلا لكسب الشهرة وزيادة عدد المتابعين. كما أن السعار المادي والعروض المغرية التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي جعلت البعض يتنازل عن كثير من القيم والمبادئ وآخرين تجاوزوا الخطوط الحمراء للاعراف من أجل الوصول إلى الثروة والشهرة وتصدر الترندات. كما ظهر لنا نوع من الإعلاميين ما بين مراسلين ومحللين وناقلي أخبار دون أن يعرف أحدهم أبجديات الإعلام ولم يقرأ حرفا واحدا في مجال الإعلام والتحليل. ولقدكان نتاج ذاك الصراع والركض الحثيث خلف الشهرة والثراء المادي ظهور مشاهير بالاسم فقط مشاهير من ورق يقدمون لنا مادة يومية جوفاء خالية من أي محتوى هادف الا ما قل وندر منهم. فهذا يطبخ لنا في بيته وهذا يطبخ لنا في البر وهذه تتحدث عن علاقتها بصديقتها ثقيلة الدم وتلك تبدل وتغير في فساتين سهرة في دولابها وأخرى تصور لنا طلعاتها وسفرياتها وتسوقها وآخر يتسلق على أوجاع الضعفاء والمحتاجين والمعوزين ليجعلهم مادة تجلب له أعدادا من المتابعين. وفي ظل هذا الطوفان الذي اجتاح الساحة انحسر دور الإعلام الهادف والموضوع المشوق والمحتوى المتميز وانزوى المشاهير الحقيقيون إلى زاوية السلامة حتى لا يجرفهم هذا الطوفان ويهدم ما بنوه خلال سنين مضت من شهرة صادقة بنيت بتعب وعلم وموهبة. وان المتضرر الأكبر من ذاك كله هو المتلقي غير المحصن بحصانة العلم والثقافة والدين الذي سوف تبهره تلك الأضواء والعروض والشهرة الجوفاء فيحاول اما السير في ركاب هؤلاء أو يندب حظه العاثر الذي لم يجعله من بين أولئك المشاهير. وأما العاقل فيعلم أن هذا الأمر إنما هو وهج مؤقت سرعان ما يخبو وينطفيء ويصبح كل هؤلاء مجرد ذكرى لا أثر لهم إلا من رحم ربي.

مشاركة :