في الجزء الرابع من موسوعته "مصر القديمة" يتناول العالم الأثري الدكتور سليم حسن حياة كل من وريث العرش الأمير "أمنحتب" بعد وفاة أبيه "أحمس" مُبرزا دور والدته "نفرتاري" كونها الوصية على العرش لصغر سن ابنها، وهو ما يتشابه مع ما فعلته جدة الأمير المذكور مع أبيه "أحمس".يذكر مؤلف الموسوعة أن "نفرتاري" كانت تُقدَّس أكثرَ من زوجها، وقد بقي تقديسها على مر السنين أكثرَ من أي ملك آخَر، فقد وُجِدت آثارٌ تدل على ذلك حتى عهد الأسرة الواحدة والعشرين.والواقع أنها كانت تُعَدُّ في نظر المصريين إلهةً مثل آلهة طيبة العظام، وكان لها طائفة خاصة من الكهنة تقوم على خدمتها، كما كان لها محراب مقدَّس يُوضَع على سفينة مقدَّسة، يُحمَل على الأكتاف في الاحتفال بالأعياد العظيمة، وقد كان القوم يدعونها بصيغة القربان المعروفة، وتُلقَّب على الآثار بالابنة الملكية، والأخت الملكية، والزوجة الملكية العظيمة، والأم الملكية، والحاكمة العظيمة، وسيدة الأرضين؛ فهي بذلك تضارع الملكة «أعح حتب» أم «أحمس» الأول في نفوذها؛ إذ كانت وصية عليه أيام حداثته.والظاهر أنها عاشت مدة طويلة بعد وفاة زوجها الذي مات في سن الأربعين، وقبرها مجهول مكانه حتى الآن، ولكن وُجِد تابوتها في خبيئة الدير البحري، وهو موجود الآن بالمتحف المصري، ويبلغ طوله أكثر من عشرة أقدام، وقد عمل الغطاء على هيئة صور الملكة، وتلبس التاج والريشتين الطويلتين، المميزتين للمليكة أو الإلهة، وذراعاها مثنيتان، وفي كل يدٍ من يدَيْها رمزُ الحياة.ويتابع سليم حسن حديثه عن تلك الأسرة العظيمة موضحًا أنه لما لاقى «أحمس» الأول حتفه كان ابنه «أمنحتب» الأول لا يزال حديث السن لم يبلغ مبلغ الرجال ليتولى العرش بنفسه، فأخذت «نفرتاري» زمام الحكم في يدها، وأصبحت الوصية على العرش، كما فعلت والدتها «أعح حتب» مع «أحمس» الأول كما سبق ذكره، ولا غرابة في أن نجد هذا النشاط من جانب «نفرتاري»؛ إذ قد عرفنا أنها كانت صاحبة نشاط عظيم في عهد زوجها «أحمس» الأول، وهي بلا شك تُعَدُّ ثانية الملكات اللائي -بما لهن من حق مقدَّس شرعي- لم يجلسن في عقر دارهن خاملات، بل أخذن على عاتقهن أعباء الملك ومهامه، مدَّعين لأنفسهن المساواة بل التفوق -بما يحملن من ألقاب- على أزواجهن وأولادهن في حكم البلاد؛ ولا نعجب إذا رأينا الملكة «أعح حتب» التي كانت قد بلغت من الكبر عتيًّا الآن تلعب دورها من وراء الستار في إغراء «نفرتاري» في أخذ مقاليد الأمور في يدها؛ لتكون هي الوصية على عرش ابنها الصغير كما فعلت هي من قبلها مع «أحمس» الأول، وقد عاشت «أعح حتب» حتى السنة العاشرة من حكم «أمنحتب» الأول، غير أنها قد أحجمت عن التدخُّل في مهام الحكم إلى أن وافاها المنون. يتطرق سليم حسن خلال كتابه إلى وصف تابوت " أمنحتب الأول" فيقول: صُنِع تابوته على صورة جسم آدمي وطُلِي باللون الأبيض، ووجه يشبه وجه تمثاله، وقد رُصعت عيناه وخُطت بالكحل، ممَّا أصبغ على كل الجسم حيوية مدهشة، وقد لُفَّ الجسم بنسيج من الكتان برتقالي اللون، وقد ثبت في مكانه بشرائط سمراء اللون تقريبًا، ثم غُطِّي بغطاء وجهه من الخشب والنسيج المقوَّى، وقد طُلِي باللون الذي طُلِي به خارج التابوت، وكانت المومية مزينة بأكاليل زهر من الرأس إلى القدم، غير أنها قد ذبلت الآن، وعلى هذه الأكاليل وُجِد زنبور لا بد أنه قد اجتذبته رائحة الأكاليل العطرية في وقت الدفن، وبقي سجينًا بوضع الغطاء على التابوت، وقد استمرَّ الزنبور محفوظًا لم يُصِبْه أيُّ عطب بمواد المحنط، وقد حُفِظ جناحاه الشفيفان دون أن يصيبهما أي تعفُّن مدةَ هذه القرون الطويلة.ولا تزال مومية هذا الفرعون ملفوفة في كفنها لم تُفحَص بعدُ، كأن قوته الإلهية في الأزمان القديمة قد بقي سرها حتى الآن، فحافظت على جسمه فلم يَنَلْه أيُّ ضررٍ على الرغم من التقلبات التي مرت عليه طوال هذه القرون، وكذلك بقي اسمه في الشعب المصري يتردد على شفاههم حتى يومنا هذا، دون أن يفطن إليه أحدٌ، اللهم إلا علماء الآثار؛ إذ ظل اسمه باقيًا في الشهر القبطي برمودة Pharmenoth، ومعناه عيد «أمنحتب».والظاهر أن زوجه «أعح حتب» الثانية لم تلعب دورًا هامًّا في تاريخ حياته؛ لأن أمه «أحمس نفرتاري» قد غطت عليها. حقًّا إننا نجد اسمها مذكورًا على عدة آثار، كما نجدها ممثَّلة على الآثار عدة مرات مع زوجها «أمنحتب الأول»، ولا بد أنها أخت الملك من أبيه وأمه؛ إذ كانت تحمل اللقب «الأميرة الوراثية» الذي أُعطِيته ابنتها «أحمس»، وإلا لما فضلت على أخيها وزوجها «تحتمس» الثاني الذي كان من أم من عامة الشعب، كما سنرى بعدُ، وقد عُثِر على تابوتها في خبيئة الدير البحري، وهو الآن في المتحف المصري، أما الجثة فلم يُعثَر عليها (Gauthier L. R. Vol. II. p. 208)، وقد توفي «أمنحتب الأول» ولم يعقب منها ذكرًا، ممَّا عقد أمر وراثة العرش بعض الشيء.يشار إلى أنه سوف يتم نقل المومياء الملكية الخاصة بوريث العرش "أمنحت الأول" ومومياء والدته "نفرتاري" مع عدد كبير من المومياوات الملكية من المتحف المصري بالتحرير إلى متحف الحضارة، وذلك في الفترة المقبلة، يصاحب ذلك استعدادت كبيرة وضخمة تقوم بها الدولة منذ عام مضى.
مشاركة :