ماذا يريد نتانياهو من الاتفاق النووي الإيراني؟

  • 8/20/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يُلحق الاتفاق حول المشروع النووي الإيراني، الضرر في العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والبيت الأبيض. والعلاقات التي تشهد صعوبات معروفة منذ انتخاب باراك أوباما، تتحوّل الى مواجهة لا سابق لها. ويتبارى نقاد الحل الوسط الذي جرى التفاوض حوله، في إسرائيل والولايات المتحدة، في التكهّن بمصائر كارثية. يقول وزير إسرائيلي: «هذا واحد من الأيام الأكثر سواداً في تاريخ البشرية». ويحذّر بنيامين نتانياهو من أن «إيران تستعدّ للسيطرة على العالم». ويعلن عضو جمهوري في مجلس الشيوخ، أن الاتفاق «حُكــمٌ بالموت على إسرائيل». بل ذهب مايك هوكابي المحافظ والطامح الى الانتخابات الرئاسية، الى اتهام باراك أوباما «بمواكبة الإسرائيليين الى أبواب المقابر». وفي إسرائيل، أعلنت الحكومة التعبئة العامة لدفع الرئيس الأميركي الى الفشل. في الظاهر، يبدو نتانياهو متردداً بين شنّ هجوم مدمّر وراء الأطلسي وبين تنظيم حملة أكثر تحفظاً، لكن لا تقل عدوانية بين أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الذين سيصوّتون قريباً على الاتفاق. ستكون الأضرار سواء في الحالتين. ولا يقتصر الأمر على تقارير بين الحكومتين. تتناول الرسائل الواردة الى القدس حالة الفوضى العارمة في صفوف اليهود الأميركيين، الذين وقعوا بين فكّي ملزمة هما ولاء الأكثرية الساحقة من اليهود الأميركيين للرئيس الأميركي، وتعلّقهم من جهة ثانية بالدولة العبرية. حرب العصابات السياسية التي يشنّها نتانياهو لن تتورّع عن التحوّل الى إلقاء مباشر لخطابات غير ملائمة تفضي الى مزيد من التمزّق. يبقى الأمر محسوماً بالنسبة إليه: هذا الاتفاق سيئ، فهو يمنح الإيرانيين رصيداً مفتوحاً للوصول الى القنبلة في غضون عشرة أعوام، ويرفع من قدراتهم على امتلاك الموارد المحظورة عليهم حتى الآن، والتي لن تتأخر طهران عن استخدامها في زيادة الاضطراب في المنطقة. كان على الغربيين، على العكس من ذلك، تكثيف العقوبات لإخضاع الإيرانيين. وحالياً، وحده الكونغرس الأميركي يستطيع حملهم على تقديم المزيد من التنازلات إذا رفض الاتفاق. نحّى المسؤولون الأميركيون جانباً هذه الحجج. يقولون أن خيار «اتفاق أفضل» غير موجود. وسلّمت إيران بعدد من المطالب الإسرائيلية شديدة الأهمية. والاعتقاد أن تصويتاً سلبياً في المجلسين الأميركيين [الشيوخ والنواب] قادر على حمل المسؤولين الإيرانيين على تبني مواقف أفضل ليس سوى خرافة، بل إن ذلك لن يؤدي إلا الى فرض غربة مديدة بين الجانبين، وعزل الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وإعادة إطلاق جهود النظام الإيراني الذي سيصبح خارج السيطرة، لسباق الى السلاح النووي الذي سيبلغه في غضون بضعة أشهر. جليّ أن اتفاق فيينا ينطوي على أخطار واضحة – تبدأ من جعل إيران قوة نووية في المستقبل - وأيضاً على مسائل غير مؤكدة تتعلق خصوصاً بفاعلية التفتيش. يسعنا لوم أوباما على انخراطه [في المفاوضات] على نحو أعطى انطباعاً بأن فشل المفاوضات غير وارد، ما أراح مسبقاً الموقف الإيراني. بيد أن الحل الوسط هذا، يشكّل ما لا يقل عن اختراق مهم من ناحية التحكّم بالتسلّح، وما يبرر وجوده هو الافتقار خصوصاً الى بديل ذي قيمة. لا يريد نتانياهو سماع ذلك. وما يفاقم سوء تفاهمه مع واشنطن، هو الطبيعة غير المفهومة للأهداف التي يسعى إليها. لقد كرر التحذير طوال أعوام، من إيران مسلّحة نووياً تشكّل خطراً قاتلاً لإسرائيل وأن التخلّص من هذا التهديد بمثابة أقصى الأولويات. لكنه يريد الآن دمج أي اتفاق باعتراف طهران بالدولة العبرية ووقف دعمها للإرهاب، وهذان أمران مرغوبان لكن لا صلة بينهما وبين بقاء إسرائيل التي تمتلك قوة ووسائط عسكرية مرعبة. وبهذه المطالب والإملاءات، أراد نتانياهو اتفاقاً فيما لا يقرّ بأي ميزة لأي مسألة أخرى سوى التفكيك غير المرجّح للقدرات النووية الإيرانية. هل يريد من خلال زجّ أصدقائه في الكونغرس في الواقع الفوضوي الذي سيعقب إجهاض اتفاق فيينا، إحياء الخيار العسكري؟ نعلم أن أي هجوم عسكري لن يؤدي إلا الى إرجاء البرنامج النووي الإيراني لبضعة أعوام، في حين أن الحل الوسط المطروح يُبعد [القدرات النووية الإيرانية] عشر سنوات على الأقل. في العمق، ما من شيء واضح في موقف نتانياهو. لكن ثمة ما يُقلق في سلوكه: إن فكرة قيام زعيم أجنبي يفترض به أن يكون حليفاً، بشنّ حملة بين الممثلين المنتخبين وفي الرأي العام الأميركي ضد حكومتهم، تدعو الى استياء حتى أكثر المؤيدين وفاء للدولة العبرية، من اليهود ومن غيرهم. بل إن أوباما أدان بنفسه هذه التدخلات بقسوة غير مألوفة. فالمسألة الإيرانية بالنسبة إليه كما بالنسبة الى نتانياهو، هي تحدٍّ ضخم. وعندما يحيل أوباما المسألة الى الكونغرس، سيخسر نتانياهو ما بقي له من مصداقية ضئيلة. لكن إذا أخفق الرئيس الأميركي، سيخسر كل العالم ابتداءً من دولة إسرائيل. * أستاذ في «معهد ريمون آرون للأبحاث السياسية»، عن «لو فيغارو» الفرنسية، 8 - 9/ 8/2015، إعداد حسام عيتاني

مشاركة :