مبادرات بريطانية لمواجهة «داعش» في وسائل التواصل الاجتماعي

  • 8/20/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لعل أحد الأساليب الأساسية التي يستخدمها تنظيم «داعش» لنشر ثقافته واجتذاب التابعين له هي مهاراته في استعمال «يوتيوب» و»تويتر» وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى المواقع الإلكترونية بهدف إيصال رسائله وإقناع المسلمين حول العالم بالإنضمام إليه. أما أشرطة الفيديو التي بثّها «داعش» والتي لفتت انتباه الجميع فهي تسجيلات عن أبشع أعمال القتل والتعذيب، ومن شأنها جزئياً أن تبث الذعر في قلوب الأعداء. ولكن في الوقت عينه، يستخدم التنظيم وسائل التواصل الاجتماعي لاجتذاب المسلمين الشباب لينضموا إليه كمقاتلين أو زوجات أو أعضاء في «الدولة الإسلامية». وقد اعتبرت بروباغاندا «داعش» على وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولة عن قيام 700 شاب بريطاني مسلم بترك بريطانيا والانتقال إلى أراضٍ تقع تحت سيطرة «داعش» في سورية والعراق. وقد عاد نصفهم تقريباً وتخشى الدولة البريطانية أن يشكلوا خطراً على أمن البلاد. ويذكر أن حوالى 50 شاباً بريطانياً قتلوا خلال المعارك في سورية والعراق. وفي حين كان الشباب وحدهم يذهبون للإنضمام إلى «داعش»، باتت النساء ينضممن إلى التنظيم، والأخطر أن عائلات بريطانية مسلمة تنتقل بأكملها إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم. لا يعتبر عدد المسلمين البريطانيين الذين انضموا إلى التنظيم إلا جزءاً ضئيلاً منه، أي 5 في المئة من أصل 2.7 مليون مسلم بريطاني. إلا أن الخطر يكمن بمن هم داخل بريطانيا ولكنهم يتعاطفون مع التنظيم. وقد رفع الخطر على بريطانيا إلى درجة «كبير» منذ سنة بسبب تهديدات «داعش» وبقيت عند هذا المستوى منذ ذلك الحين. وفي الأسابيع الأخيرة، بُثّت فيديوات على «يوتيوب» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي لمكافحة «داعش» بهدف إيصال الرسالة إلى الشباب البريطاني. ومن بين هذه المبادرات مبادرة «إفتح عينيك» Open Your Eyes على موقع www.openyoureyes.net انطلقت المبادرة عندما تعرضت ثلاث نساء ايزيديات لاعتداءات جنسية على يد «داعش»، وقد زرن بريطانيا بدعم من الحكومة بهدف التحدث إلى وسائل الإعلام والسياسيين والأطفال في مدرستين عن هذه التجربة المؤلمة. وفي حسابها على «تويتر»، تقول المبادرة :»داعش» يكذب عليكم فافتحوا أعينكم لمعرفة القصة الحقيقية. إننا نعمل مع الشباب والنشطاء وأصحاب المدوّنات ومعدّي الأفلام لمكافحة «داعش». وفي أحد تسجيلات الفيديو نرى طفلة صغيرة محجبة تقول أن اسمها كريا وتتحدث إلى الكاميرا عن البنات البريطانيات اللواتي ينضممن إلى التنظيم. ومن جهة أخرى، يروي صباح، وهو سنيّ هرب من «داعش» في العراق، قصته. وثمة مبادرة أخرى لمكافحة «داعش» إلى جانب هذه المبادرة، هي «ليس أخ آخر»، وهي حملة تهدف إلى إظهار الثمن الحقيقي الذي يدفعه المتطرفون. ومن ضمن هذه الحملة، نشر فيديو على «يوتيوب» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي. وتقول الحملة على يوتيوب: «يجند تنظيم «داعش» إخواننا للمحاربة في سورية وهو يشرذم العائلات. كفى! إن تشاطر هذه الفيديو سيفهم «داعش» أنه لا مكان في مجتمعنا لوجهات نظرهم المتطرفة. يجب ألا تخسر أي عائلة بعد أحد أحبائها بسبب هذا الكم من الكره». وفي الفيديو شاب بريطاني مسلم، يفترض أنه مقاتل إلى جانب تنظيم «داعش» في سورية يقرأ رسالة من أخيه الأكبر سناً بنبرة لندنية واضحة. وثمة أصوات المدافع والانفجارات فيما يسيل دم الجرحى من المقاتلين. وفي الرسالة يعتذر الأخ الأكبر على كل البيانات التي أصدرها بهدف تجنيد أخيه الأصغر ليدفعه إلى الذهاب إلى سورية ليصبح «بطلاً». وفي نهاية الشريط، جملة تمر على الشاشة ومفادها: «لا تسمح بأن يتحول إخواننا إلى أسلحة». والمقصود من الشريط إظهار كيف يمكن للكلمات أن تؤثر في شخص ما فيصبح عدائياً. وقد برزت الحملات ضد «داعش» مع تشدد موقف كاميرون إزاء «داعش» في الداخل والخارج. وفي كلمة ألقاها في مدرسة في برمنغهام في 20 تموز (يوليو) عرض استراتيجيته الخماسية الجديدة التي ينوي من خلالها مكافحة الإرهاب. انتماء وفي هذا الإطار، قال كاميرون: «علينا مواجهة الحقيقة المرة بأن ثمة أشخاصاً يولدون في بريطانيا وهم لا يشعرون بالانتماء إليها». وشرح استراتيجية شاملة لمحاولة مواجهة التطرف الإسلامي. وأضاف: «ليس علينا تحمل الإرهاب والعنف وتحمل الأفكار غير المتسامحة التي تشجّع التطرف وتوفر له البيئة الحاضنة المناسبة». والواقع أن موقف كاميرون ازداد تشدّداً إزاء المسلمين البريطانيّين منذ أن أصبح رئيساً للوزراء بعد الانتخابات العامّة التي أجريت في أيار (مايو) 2010. وفي 2011، ألقى خطاباً بالغ الأهمية في ميونيخ، ندّد فيه بالتطرّف «غير العنيف»، شأنه شأن التطرّف العنيف. وفي العام 2011، قرّر كاميرون، بالتعاون مع وزيرة الداخلية في حكومته تيريزا ماي، معاودة إطلاق أجندة «منع التطرّف العنيف»، المعروفة باختصار بأجندة «المنع» التي أطلقتها حكومة حزب العمّال عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) في الولايات المتّحدة، علماً بأنّ السياسة الجديدة شدّدت على أخطار التطرّف غير العنيف. وفي حزيران (يونيو) من السنة الجارية، ألقى خطاباً في العاصمة السلوفاكيّة براتيسلافا، حضّ فيه المسلمين البريطانيّين على تكثيف جهودهم الرامية إلى مواجهة التطرّف الإسلامي. وقد أثار حفيظة عدد كبير من المسلمين البريطانيّين عندما اتّهم بعضهم «بالتغاضي الصامت» عن إيديولوجيا الدولة الإسلاميّة. ضمن محاولات التصدّي للخطر الإرهابي في بريطانيا ومواجهة مشكلة ذهاب المقاتلين الشبّان إلى سورية والعراق وعودتهم منها، وضِع مشروع القانون حول مكافحة الإرهاب والأمن 2015، وتحوّل إلى قانون. وعلى سبيل المثال، وابتداءً من 1 تموز، فُرِض على العاملين في المدارس، والجامعات، وخدمة الرعاية الصحية، والمجالس، والشرطة، والسجون، واجب قانونيّ بالتبليغ عن بعض الأشخاص إذا شعروا بأنّهم عرضة للتطرّف، كي تُتَّخَذ في حقّهم إجراءات لمحاولة منعهم من التحوّل إلى متطرّفين. في الخطاب الذي ألقاه في 20 تموز الماضي، أعلن كاميرون أن الحكومة «ستستخدم أشخاصاً مطّلعين فعليّاً على طبيعة الحياة في ظل «الدولة الإسلامية»، ليخبروا الشبّان والأشخاص السريعي التأثّر بالحقيقة الوحشيّة لهذه الإيديولوجيّة». إلى ذلك، ستعمل الحكومة على «تمكين المجتمعات السوريّة والعراقيّة والكرديّة في المملكة المتّحدة، كي تستحدث منصّات تعلن منها رفضها للمجزرة المتواصلة التي تُقدِم عليها «الدولة الإسلامية» في بلدانها». وكذلك، حضّ كاميرون شركات الإنترنت على الذهاب إلى أبعد من ذلك «ومساعدتنا على رصد الإرهابيين المحتملين عبر أثير الإنترنت». والواقع أنّ شركات الإنترنت أثبتت، من خلال اتّخاذها إجراءات صارمة بشأن صور التعدّي على أطفال، «أنّها قادرة على التدخّل متى ظهر واجب أخلاقي بالتصرّف. والآن، آن الأوان لتقوم بالمثل، في سبيل حماية مستخدميها من آفة التطرّف». اللورد طارق أحمد عُيّن سياسيّ محافظ، هو اللورد طارق أحمد أوف ويمبلدون، في منصب وزير مكافحة التطرّف، بعد الانتخابات العامّة التي أجريت في أيار (مايو) 2015، ليتبوّأ منصباً أنشأته وزارة الداخليّة بعد الانتخابات، لتعكس جدّية خطر التطرّف والإرهاب الذي تواجهه بريطانيا اليوم. سألت «الحياة» اللورد أحمد عن الغموض والارتباك السائدين على صعيد تعريف إعطاء تعريف لمفهوم «التطرّف» فأجاب: «لا وجود لأيّ ارتباك. وأعتقد أنّ الناس الذين يدّعون عدم فهم ما يحصل يكونون في بعض الأحيان مخادعين». وأضاف أنّ تعريف الحكومة للتطرّف كان واضحاً للغاية، إذ أعلنت أنّه «الاعتراض الصريح والناشط على القيم التي نتشاركها، وتشمل الديموقراطيّة، وحكم القانون، والاحترام المتبادل بين جميع الشعوب، بغضّ النظر عن معتقداتها، وثقافاتها وممارساتها. وبعد موت لي ريغبي بطريقة مأسويّة، أضفنا إلى ما سبق دعوتها لمهاجمة قواتنا المسلحة». (قُتِل الجندي البريطاني لي ريغبي، في 22 أيار 2013، في أحد شوارع لندن على أيدي نيجيريين اعتنقا الإسلام، وقد دهساه بسيّارة وحاولا قطع رأسه). وأضاف اللورد أحمد: «أنّ الحكومة ستُصدر في الخريف المقبل مشروع قانون حول استراتيجية مكافحة التطرّف، يقضي بمنع أفراد معيّنين «من الحصول على منصّة تخوّلهم إطلاق سلسلة من المحتويات المغرضة والشاذة التي تهدف إلى تقسيم بلادنا ومجتمعنا». وسيشمل مشروع القانون أيضاً أوامر منع نشاط منظّمات محدّدة، لا تنطبق عليها حالياً المواصفات الضرورية لحظرها، ولكنها «لا تكتفي بنشر إيديولوجيا سلبية، بل تنشر أيضاً إيديولوجيا شاذّة، تدعو لشنّ هجمات على المجتمعات والأقليات الأخرى». ولفت إلى أنه في حين أنّ الحكومات تطلّعت سابقاً إلى التطرّف من منظار التطرّف العنيف، باتت تنظر إليه اليوم «إلى كلّ جوانبه البشعة» قبل أن يصبح عنيفاً، «لمنع زرع بذوره في عقول الجيل الشاب». وتلجأ مجموعات على غرار «داعش»، والقاعدة، وبوكو حرام في نيجيريا، إلى «يوتيوب»، و»تويتر»، و»فايسبوك» وسواها «كطرق لاستقطاب العقول الشابة والتأثير فيها، وكانت جهودها فعّالة جزئياً لأنّ شبّاناً كثيرين يستخدمون وسائل التواصل هذه. وبالتالي، ما فعلناه هو التأكد من أننا نتطرّق إلى هذا التهديد المتفاقم، ونتصدّى لهذه الرواية السامة». وأوضح أنّه من خلال استراتيجيّة مكافحة التطرّف الجديدة، ستدرس الحكومة أنماط سلوك الناس، لتضمن قدرتها على رصد التطرف «قبل أن يصبح عنيفاً، وقبل أن تطغى علينا مأساة الإرهاب». وبهدف النجاح في هذا التحدي، لا بد من وجود رواية بديلة تتصدّى مثلاً «لمن يمسك بدين الإسلام الذي أؤمن به شخصياً كرهينة بمساعدة الإنترنت». بالتالي، «لا بدّ أن نعمل بالتعاون مع مجتمعاتنا، لنتأكّد من أنّنا سنُصدِر رواية بديلة تكون إيجابيّة للغاية، وتشدد على معالم الإسلام الحسنة – باعتماد الكتابات عينها التي يستعملها المتطرفون بطريقة مضللة – ومن أننا سنقول لا، لأن الإيمان مختلف تماماً، إذ يفيد بأن الإسلام الحقيقي – الذي يتبعه أكثر من بليون نسمة حول العالم – هو دين سلام يدعو للاحترام المتبادل للمعتقدات الأخرى وللبشريّة عموماً». وشدّد على أنّ «الحكومة لا تستطيع العمل وحدها وسط الفراغ. وبالتالي، لا بد من الجمع بين جهود المجتمع، والبلاد ككل، والشرطة، والمجتمعات، والقادة الشبابيين، والمجموعات الدينية، بهدف التصدّي لخطاب المتطرفين. وسيكونون هم في مواجهتنا نحن: وأعني بكلمة نحن الوطن الموحّد في مواجهة طغيان وأطراف تسعى لتقسيمنا، وأشير بكلمة هم إلى رواية سامّة ومثيرة للاشمئزاز أطلقوها». * صحافية بريطانية

مشاركة :