مع بداية الغارات التركية على مناطق شمال العراق، أصدر الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، بياناً عبّر فيه عن إدانة الجامعة للغارات وطالب تركيا باحترام سيادة الأراضي العراقية. قطر تحفّظت عن البيان، وإن شئت رفَضَت مضمونه. وقال وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية إن «قطر استاءت من عدم التشاور معها حول البيان. قطر دولة عضو في جامعة الدول العربية، والقرارات تؤخذ بالتوافق، لم يتصل بنا أحد، وسمعنا بيان السيد نبيل العربي في نشرات الأخبار كما سمع به الآخرون». قراءة هذا الخبر بطريقة تقليدية تستدعي التنديد بالموقف القطري الذي أيد الموقف التركي، على حساب سيادة دولة عربية، وشكّك بدور الجامعة، وأضعفَ موقفها، على رغم ان الجامعة ليست في حاجة الى موقف قطر حتى نكتشف ان دورها تآكل، ولم يعد مؤثّراً في الأحداث الجارية في المنطقة العربية. لكن النظر الى موقف الدوحة برؤية واقعية، يفرض علينا تفسيراً مختلفاً، ليس لأن الجامعة أصدرت بياناً من دون توافق أعضائها، والتشاور معهم، وتجاهل دولة قطر، وربما سمع آخرون بيانها من وسائل الإعلام، بل لأن الموقف القطري عبّر عن ظاهرة صحيّة، هي أن الدولة التي ترى ان موقف الجامعة يتعارض مع مصالحها، تعلن تحفّظها او رفضها. هذا السلوك تمارسه دول الاتحاد الأوروبي، ولم يؤثّر في مسيرة الاتحاد، أو يخلق حساسية بين هذه الدول، وخلال السنوات الماضية رفضت بريطانيا تنفيذ قرارات مهمة اتخذها الاتحاد، لكنها ما زالت أهم دولة فيه. نظام الجامعة العربية تجاوزه الزمن، وهي أُسِّست في ظل ظروف سياسية توارت حتى ملامحها، فضلاً عن أن نظام الجامعة كُتِب بلغة عاطفية وشعاراتية لا تلبّي منطق السياسة الراهن. بقاء جامعة الدول العربية حتى اليوم ليس دليلاً على تمسُّك العرب بها، وإنما مجاملة لتاريخها، على رغم أنه تاريخ لا يُسرّ. العلاقات بين الدول العربية تبدَّلت، ولم تعد شعارات الأخوّة المحرك الأساس لها وإنما المصالح، وربما وجد بعض هذه الدول أن علاقاته مع دولة إقليمية أهم من علاقاته مع دولة أو دول عربية. فالعراق الذي غضبت الجامعة من أجله، يقدّم علاقاته مع إيران على كثير من الدول «الشقيقة». ومن حق قطر أن تدافع عن مصالحها مع تركيا، من دون ان يُعتبر ذلك خرقاً للتضامن العربي. هذا النوع من الخلاف مع الجامعة سيستمر، إلا إذا استدرك العرب تدهور وضع جامعتهم العجوز، وسعوا الى نقلها من حال التضامن المغشوش، الى أسلوب التعاون القائم على المصالح. لا شك في أن العلاقات العربية - التركية، والعلاقات العربية - الإيرانية، ستستمر في تقليب مواجع جامعة الدول العربية، وربما وجد العرب انفسهم أمام حقيقة لا مفر منها، هي تغيير اسم الجامعة ليصبح «جامعة دول الشرق الأوسط»، وإدخال تركيا وإيران في عضويتها، فضلاً عن أن هذا الاسم سيفرض جلوس إسرائيل تحت قبة الجامعة الجديدة. الأكيد أن شيئاً من هذا سيحدث، ولكن متى وكيف؟ وتيرة التغيُّرات والتحالفات في المنطقة ستحدد لنا شكل نشأة الجامعة الجديدة وموعدها.
مشاركة :