العراق يغلق مخيمات النازحين ومخاوف من مصير مجهول

  • 12/5/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

بعد ثلاث سنوات من انتهاء العمليات العسكرية الكبرى ضد تنظيم داعش بتحرير جميع المدن العراقية من سيطرته في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، لم يتم إغلاق ملف النازحين، وأصبح الحديث عن عودتهم نوعاً من أنواع الترف السياسي أحياناً، فخطوات الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2017 كانت بطيئة في التعامل مع هذا الملف، لتصدّر ملفات أخرى أولويات عملها، فضلاً عن عدم قدرتها على إرجاع النازحين لبعض المناطق، بسبب رفض الجماعات المسلحة والميليشيات عودتهم، كما بات واضحاً في منطقة جرف الصخر شمال محافظة بابل. وبررت وزيرة الهجرة إيفان فائق في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عدم زيارتها منطقة جرف الصخر كونها منطقة زراعية وصحراوية، وفيها مبازل وكثير من الألغام، وتسيطر عليها جهات غير معروفة، وأنها لا تستطيع إعادة النازحين البالغ عددهم ألف أسرة إليها، كونها غير مؤمنة. وعلى الرغم من إغلاق عدد من مخيمات النزوح في مدن النجف وكربلاء وبغداد والأنبار، وآخرها مخيم مدينة الحبانية السياحية، فإن الحديث عن المشكلات والصعوبات التي تواجه الأسر بدا الشغل الشاغل لمواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المنظمات والنواب الذين تخوفوا من مصير مجهول لمئات الآلاف من الأشخاص حال عودتهم إلى مناطقهم من دون إقامة مصالحات مجتمعية، خصوصاً أن بعض أفراد هذه الأسر كانوا ينتمون لتنظيم "داعش"، ومتهمون بقتل وخطف بعض الأشخاص. وبلغ عدد النازحين بعد سيطرة "داعش" على محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وجزء من محافظة ديالى في يونيو (حزيران) 2014، نحو 5 ملايين شخص، توجهوا إلى مدن إقليم كردستان وبغداد وكربلاء والنجف وكركوك وبعقوبة والحبانية في الأنبار. 150 ألف نازح باق ويبدو ملف مخيمات النازحين حالياً محصوراً في محافظات نينوى والأنبار ومدن إقليم كردستان بعد إغلاق كثير من مخيمات النزوح، ليصل العدد الباقي إلى 150 ألف نازح، بحسب وزارة الهجرة والمهجرين العراقية. يقول مدير دائرة الفروع في الوزارة علي عباس جهاكير، إن الباقي من النازحين هو 45 ألف أسرة، أي نحو 150 ألف نازح بعد إغلاق 17 مخيماً في عموم العراق، وإرجاع قاطنيها الى مناطقهم الأصلية، لافتاً إلى وجود 24 ألف أسرة سورية نازحة تقطن إقليم كردستان العراق. ويضيف، "لدى الوزارة خطة لغلق جميع المخيمات تنفيذاً للبرنامج الحكومي الذي قدمه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لإنهاء ملف النزوح، بعد حصولنا على قراءات تشير إلى أن أغلب العائلات ترغب في العودة بعد إزالة التحديات التي تقف أمامها". ويوضح جهاكير أن ما تبقى من مخيمات النازحين عددها ثلاثة، اثنان منها في نينوى وواحد في الأنبار، مشيراً إلى وجود 26 مخيماً في إقليم كردستان تضم 39769 أسرة، تعمل الوزارة على إعادتها لمناطقها خلال عام 2021 بعد نقاشات ستجريها مع الإقليم. وعودة هذه الأسر إلى مناطق سكنها الأصلية سترافقها مجموعة من التحديات الأمنية والعشائرية، إذ تم تحقيق نتائج إيجابية لحلها، بحسب جهاكير، الذي أكد أن إغلاق جميع المخيمات تحددها الظروف بعد القضاء على جميع التحديات. ويتحدث المسؤول في وزارة الهجرة العراقية عن تأهيل 1300 منزل تابع للنازحين عادوا لمناطق سكناهم في محافظة نينوى، فضلاً عن نقل 200 "كرفان" إلى المحافظة لإيواء النازحين العائدين إليها. وعن الباقين، يبين أن الوزارة والمنظمات الإنسانية وفرت جميع المستلزمات لهم من أغطية وملابس وغذاء ووقود تدفئة. الظروف مهيأة للعودة وترى لجنة الهجرة والمهجرين البرلمانية أن الظروف مهيأة لعودة النازحين إلى مناطقهم بعد إيجاد حلول للمشكلات العشائرية بها، حيث شهدت أعمال عنف خلال سيطرة "داعش" عليها. وأشار عضو اللجنة حسين عرب إلى "أن العائلات النازحة التي عادت لمناطقها تحتاج إلى دعم لوجستي وحملة إعمار كبيرة لمنازلها". وفي شأن المناطق المشمولة بالمادة (140) المتنازع عليها بين الحكومة وحكومة الإقليم، يوضح عرب "أنهما منطقتان متاخمتان، وتم عقد اتفاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في سبيل تسهيل عودتهم". وتم الاتفاق بين الحكومة العراقية وشيوخ العشائر في بعض المناطق التي شهدت نزوح أُسر عناصر "داعش" على إرجاع ذويهم، إذ لا يتحملون ذنب انضمام أبنائهم إلى التنظيم، لافتاً إلى إجراء مصالحة عشائرية في عدد من المناطق. مصير مجهول ويبدو أن إغلاق مخيمات النازحين من دون توفير الأجواء لذلك، سواء كانت تسوية النزاعات العشائرية أو تأهيل منازل النازحين أو حتى توفير أموال لهم من خلال قروض أو منح، زاد مخاوف المنظمات الإنسانية. وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان، أن العمليات الجارية لغلق مخيمات النازحين في العراق من دون إعطاء مهل كافية، سيؤدي ببعض سكانها إلى التشرد والفقر. وقالت الباحثة الأولى في شؤون الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش، بلقيس والي، إن "إعادة دمج العائلات في المجتمع العراقي لتتمكن من بدء حياة طبيعية، بعدما قضت سنوات داخل المخيمات، خطوة إيجابية، لكن النهج الحالي المتمثل في إجبار الأشخاص على الخروج من المخيمات التي وفرت لهم الطعام والمأوى والأمن لسنوات، بمهلة أقل من 24 ساعة غالباً، سيزيد ضعفهم". غياب الخطط وعواقب وخيمة عودة العائلات أدت إلى رفض من بعض النواب الذين يمثلون المكون السني الذي ينتمي إليه غالبية النازحين. وقال النائب عن تحالف القرار السني محمد الكربولي، في تغريدة عبر "تويتر"، إن الحكومة لا تمتلك خطة مدروسة واحدة إلا خطة الإبقاء على أبرياء المكون السني في السجون، والإبقاء على مناطقهم مدمرة لأطول فترة ممكنة".منظمات إنسانية ومهتمون بحقوق الإنسان في محافظة نينوى، حذروا من عواقب إرجاع عائلات النازحين من دون تهيئة الظروف لذلك. وتحدث مدير منظمة عين الموصل الإنسانية، أنس الطائي، عن كم كبير من المشكلات مع عودة العائلات من المخيمات إلى مناطق سكناها ودمجها في المجتمع، داعياً إلى برنامج حكومي لحسم هذه المعوقات. ويضيف الطائي، "العائدون ينقسمون إلى عدد من الأقسام، أولها العائلات التي كان أولادها ضمن "داعش"، وهي بدورها قسمان، فمنها من لم يتسبب أولادها بالإيذاء، وهذه العائلات تم تبنيها من شيوخ العشائر ومسؤولي القرى ووجهائها، والآخر من تسبب أبناؤها في مقتل أناس، ولا يسمح لها بالعودة إلا عدد قليل تم تبنيها". وأوضح الطائي أن عودة عائلات أخرى من المواطنين العاديين إلى سكنها السابق على خط المادة (140) المتنازع عليها، لا يسمح لهم بذلك إلا القليل منهم، لافتاً إلى أن هناك عدداً ليس بالقليل من العائلات التي كانت في مخيمات النزوح، وسكنت في أماكن مهجورة لعدم وجود منازل تؤويها. والمناطق المشمولة بالمادة (140) هي تلك التي عليها خلاف بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان. وفي شأن أوضاع النازحين العائدين لمناطقهم، يوضح الطائي أن غالبية هذه العائلات تدبرت أمرها ونقلت مهنها التي كانت تزاولها في مخيمات النازحين إلى مقارها. وأغلقت السلطات العراقية مخيم حمام العليل، في 14 نوفمبر، وأخرجت 8585 من سكانه على الأقل. كما أغلقت مخيم المدينة السياحية في الحبانية، على الرغم من أن السلطات سمحت بإبقائه مفتوحاً بشكل غير رسمي، لأن أكثر من 200 عائلة فيه لا توجد لديها أماكن آمنة تقصدها، وفق تقرير لمنظمة هيومن رايتس. خطوة غير صحيحة ويصف مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون إعادة النازحين لمناطقهم بالخطوة غير الصحيحة وغير المدروسة، وأنها ستزيد معاناتهم، ودعا إلى عودة جميع النازحين لمقارهم بشرط توفر الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم، مبيناً أن هؤلاء النازحين سيعودون ولا يجدون خدمات، فضلاً عن أن منازلهم مدمرة. ويتحدث سعدون عن وجود عامل خطورة يتمثل في مشكلات عشائرية ومجتمعية، مشيراً إلى تواصل مرصده مع مجموعة من النازحين أخبروه بأن الظروف لا تسمح لهم بالعودة. ويتوقع سعدون بقاء النازحين في المخيمات على الرغم من أوضاعهم الصعبة، وكونهم يعلمون أن العودة لمناطقهم الأصلية تحدوها أخطار أمنية واقتصادية ومعيشية.

مشاركة :