«Fait Maison» ديكوره من وحي القصص وأطباقه ولا في الخيال

  • 12/6/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كتبت اسم المطعم في العنوان باللغة الفرنسية، والسبب هو أن كثيراً من الزبائن ينطقون اسمه خطأ، فيتحول «Fait Maison» أو «فيه ميزون» (ويعني صنع المنزل) إلى «فات ميسون». ومن الاسم بدأت الدردشة مع أم وليد، صاحبة الصورة التي تتصدر الحائط وتزين حاويات المربيات وأنواع الحلوى كافة، الصورة الجميلة لتلك السيدة المميزة بالمنديل الأنيق الذي تلفه على رأسها، وعيونها الشرقية الواسعة، وملامحها الأوروبية المحيرة. من أين أتيت بالاسم؟ أجابت أم وليد، واسمها الأول إيفون: «الاسم فرنسي، وقد أحببته لأن كل أكلي منزلي الصنع، ولكن معك حق، فهناك نسبة كبيرة من الزبائن لا تحسن لفظه، حتى أن بعضهم يلفظه (فات ميسون)؛ أي (ميسون البدينة)». المطعم لافت للنظر من الخارج، ويعد من أجمل مطاعم منطقة كينزينغتون في غرب لندن، الزهور تكسو واجهاته الزجاجية الخارجية، أرضية من البلاط بنقشة الأرابيسك باللونين الأبيض والأسود، طاولات صغيرة ملونة ومجسمات منمقة للحلوى عليها تدعوك للدخول إلى واحة تظنها من صنع الخيال، غير أنها في الواقع من صنع أم وليد، صاحبة الفكرة، وقصة نجاحها جميلة مثل أطباقها، وتستحق أن نتسمع إليها. إيفون أو أم وليد طاهية بالفطرة، من أب فلسطيني من غزة وأم ألمانية، عاشت حياتها بين دبي وألمانيا، وحالياً في لندن. عملت في بداية مشوارها المهني في ألمانيا في عالم الأزياء، ولكن الطهي والديكور كانا من أولويات اهتماماتها، وتزوجت في سن صغيرة من رجل أعمال مصري، وكان بالأصل هو من يملك المطعم، ويقدم فيه الحلويات الفرنسية، بينما كانت هي تتولى مهمة الديكور الداخلي فيه، لأنها لطالما عشقت هذا العمل، وكانت تقوم بمساعدة صديقاتها في تصميم ديكور منازلهن، ولكن كان في داخلها حلم بتحقيق ذاتها في مطعم يشبهها، من حيث التصميم والفكرة والأطباق. طلبت من زوجها إعطاءها فرصة لتقديم رؤيتها وتحقيق حلمها؛ لم ترق الفكرة لزوجها في بادئ الأمر، لأن مطعمه كان بمثابة طفل له، فعرضت عليه فكرتها التي تمزج بين المطبخين الشرق أوسطي والمتوسطي، وكان وقعها قاسياً عليه لأن مثل هذا القرار قد يكون مدمراً لعمله، بعد عشرين عاماً من إدارة المطعم، والتعاقد مع شركات كبرى، مثل «غوتشي غروب»، لتأمين طلباتها في حفلاتها وفعالياتها الخاصة. وخلال مقابلة «الشرق الأوسط» مع أم وليد، مر زوجها، ويدعى محمد عثمان، وهو بالأصل من الإسكندرية، فانضم إلينا ليخبرنا عن قصة زوجته مع المطعم. ابتسم محمد وقال: «تسليم المطعم لزوجتي كان من أصعب القرارات التي قمت بها على الإطلاق، إيفون تفكر بالجماليات والألوان والإبداع، إنما أنا أفكر بالأرقام والحسابات، وأنظر إلى الأمر بصفته عملاً (Business) لجني المال، وليس لإرضاء مخيلتي». وهنا تدخلت أم وليد، وقالت: «كنت خائفة جداً من رفضه للفكرة. وعندما قبل بها، خفت من الفشل الذي كان سيؤدي إلى تركه لي لا محالة»، وتابعت ضاحكة: «الحمد لله، فكرتي نجحت، وبقيت متزوجة من محمد». في البداية، لم يقتنع محمد بفكرتها لأنه عمل على مدى سنين طويلة في مجال المطاعم والأكل، ولكن بشكل مختلف تماماً، فأم وليد فكرتها غير مسبوقة لأنها تمزج بين مطبخين رائعين، صفتهما المشتركة هي النكهة والمنتج الجيد، وقد استطاعت أن تنجح في رسم خريطة جديدة للأكل الشرق أوسطي من خلال أطباق تشبه اللوحات الفنية. وعن علاقة أم وليد بالطهي، تقول إن والدتها طاهية بارعة، ووالدها علمها كيفية تحضير الطعام الفلسطيني الغزاوي على أصوله، وتعلمت كثيراً من والدتها التي تتقن تحضير الأكلات الألمانية، وهذا ما ساعد أم وليد على صقل موهبتها في قالب شرق أوسطي بمهنية أوروبية لافتة. ليس الطعام فقط في «فيه ميزون»، وليس الديكور هو العنصر اللافت الوحيد، إنما نوعية العاملين في المكان من ندل وطهاة تختلف أيضاً، فسألت أم وليد عن صعوبة إيجاد مثل طاقم العمل معها، فأجابت: «أقوم بمقابلة المتقدمين بطلبات العمل بنفسي، وأنا بطبعي أستطيع قراءة الناس من النظرة الأولى، وأهم ما أبحث عنه في العاملين في مطاعمي خفة الظل وحب العمل والمهنية العالية والروح المرحة، فالأشخاص الذين يعانون من السلبية لا مكان لهم في المطعم، لأني أسعى دائماً إلى خلق أجواء من الفرح والمرح في المكان خلال الأكل». تربطها علاقة عائلية بالعاملين معها، ولو أنها تصف نفسها بـ«الصعبة» لأنها تهتم بالتفاصيل، ولا تقبل بأي شيء دون المستوى الذي تراه مناسباً، وهذا الأمر واضح من الإبداع في حيثيات كل ما تقدمه، ومن المفردات الصغيرة التي لا تغيب عن بالها. وسأعطيكم مثالاً على اهتمام أم وليد بالتفاصيل، فهي تقدم القهوة للرجال على صينية مذهبة وكوب أنيق، في حين تقدم القهوة للنساء في صينية تغمرها الأنوثة، تزينها دمية جميلة وزهور ملونة، القهوة من بين الأمثلة التي يمكنني أن أذكرها لأن لائحة الطعام تطول وتمزج بين البهارات الشرق أوسطية والشمال أفريقية ونكهات المتوسط العابقة بالمنتجات الطازجة. ولائحة الطعام تتبدل بحسب المواسم، ولكن تبقى هناك بعض الأطباق الأكثر طلباً، مثل لحم الضأن الذي يطهى على مدى 4 ساعات، ويغلف بطبقة من الخبز الشرقي. وتتفنن أيضاً أم وليد بسلطاتها وبالأطباق التقليدية، مثل التبولة، فتضيف إليه الكينوا، بدلاً من البرغل، وتحول الشمندر السكري إلى لوحة جميلة. أما عن الحلوى، فحدث ولا حرج، فتقدم أم وليد شاي بعد الظهر على طريقتها الخاصة، فهي تملك مطبخاً مركزياً لتحضير الحلويات الشرقية والأجنبية، فلا تفوت على معدتك فرصة تذوق بعضها. وقسم الحلوى يشبه المحلات التي توجد في كتب الأطفال، لأنها مصفوفة على أرفف مفتوحة، حتى الورد الذي تستعمله بكثرة في أطباقها تجده في أدراج من الزجاج، ولا يمكنني إحصاء كل ما يدور في خاطر أم وليد المبدع، ولكني لا أستطيع نسيان شكل البيانو الذي تكسوه الزهور الأنيقة، لينشد موسيقى الألوان والورود. ويضم المطعم غرفتين خاصتين، تشعر فيهما كأنها في منزل من نسج الخيال. وما يميز أم وليد هو وجودها الفعلي يومياً في المطعم، فهي تمضي نحو ست ساعات في المطبخ منذ الصباح الباكر، حيث تستيقظ عند الساعة الخامسة، وتبدأ عملها عند الساعة السادسة والنصف، فتتذوق الصلصات، وتذهب إلى سوق الخضراوات، وتختار المكونات بنفسها. وهنا تضحك وتقول: «هنا يظهر الدم الألماني فيما يخص الصرامة في العمل والالتزام في المواعيد». وبعد 7 سنوات على النجاح الباهر الذي حققته إيفون أو أم وليد، توسع اليوم علامتها في الخليج، ولو أنها قلقة بسبب هذه الخطوة، غير أن زوجها شجعها على خوضها. يقول محمد: «أشجعها على التوسع لأن اسم أم وليد لمع في فترة قصيرة، وهناك طلب كبير على وجودها في منطقة الخليج؛ أتفهم قلقها من الخطوة لأنها شخص يعمل بيده، وسيكون من الصعب عليها الوجود في مكانين في وقت واحد، لكنها ستكون موجودة لفترة من الوقت في فرعها الجديد في الخليج، لوضع العاملين على السكة التي تريدها، وبإذن الله ستنجح بذلك». وعن أهمية التسويق، تقول أم وليد إنه مهم جداً، خاصة في هذه الفترة، وتعول كثيراً على ديناميكية شبكات التواصل الاجتماعي، وتساهم هي بنفسها في كثير من المنشورات، لأنها على علاقة مباشرة بزبائنها، فهي تخرج من المطبخ كل ساعة تقريباً لإلقاء التحية على الزبائن، فيمكن القول إن أم وليد هي علامة فارقة في المطعم، ووجودها من أهم مقومات نجاحه. وعن قصة المنديل الأنيق بطريقه لفه على رأسها، تقول أم وليد: «اخترت ارتداء الحجاب وأنا في سن الخامسة والعشرين. وعندما بدأت عملي الذي يتطلب كثيراً من الحركة، بدأت بلفه بطريقة مختلفة، ليتحول إلى علامة فارقة، لأنه تحول إلى ما يشبه العمامة». وفي نهاية الحديث، قالت أم وليد: «قدم لي زوجي فرصة العمر لأثبت مهارتي في الطهي والديكور، فآمن بموهبتي، ووهبني ثقته بالكامل، والأهم من هذا كله أنه لم يغر من نجاحي، بل لا يزال يقف بجانبي ويفكر معي، وأستشيره في جميع الأمور».

مشاركة :