قال الباحث الأثري أحمد عامر إن المصريين القدماء قد عرفوا الفساد وواجهوه، ووضعوا له تشريعات وسنوا له قوانين صارمة كان الغرض منها هو الحفاظ علي قيم ومبادئ المجتمع المصري القديم، كما سلطت النصوص المصرية القديمة الضوء على مكانة الأخلاق ومكافحة الجريمة بعقوبات مختلفة كعنصرين أساسيين في حياة المصريين قديمًا، وإرتبطت الجريمة والعقوبة في مصر القديمة بعوامل أخلاقية وعرفية ودينية، إستندت جميعها إلى مفهوم "ماعت"، الذي يشير إلى "الحقيقة والعدالة" في المجتمع.وتابع "عامر" إلي أن الجهاز الإداري في الدولة المصرية القديمة قد عرف الرشوه وتصدي لها، حيث لم تسلم منها الهيئات القضائية، وكانت عقوبتها العزل من المنصب، وإنزال الشخص إلى درجة عامل زراعة، ويبدو أن الرشوة كانت تلعب دورًا خطيرًا في سير العملية القضائية، إذ نرى أنه بسببها وافق أحد الكتبة بالمحكمة على سرقة ملف يثبت إدانة أحد المتهمين من أرشيف السجلات، كما ذكر أحد المتهمين ويدعى "با-ن-نفر" في تحقيق خاص بسرقة مقابر الملوك في عهد الملك "رمسيس التاسع" أنه قُبض عليه وإحتُجز ولكنه بعد أن دفع رشوة أُطلق سراحه، حيث يذكر النص "قبضوا عليّ واحتجزوني في مكتب عمدة طيبة، أنا أخذت عشرون قطعة من الذهب، وهو نصيبي، وأعطيتهم إلى الكاتب" خع-إم-إيدت" الخاص بميناء المدينة، هو أفرج عني".وأشار "عامر" إلي أن المصري القديم يعتبر جريمة الخيانة العظمى للدولة والملك واحدة من أبشع الجرائم، ولم يحدد لها عقوبة سوى الإعدام، بغض النظر عن الوضع الإجتماعي للمتهم، لاسيما وإن كان غالبية المتهمين فيها هم من الحاشية المقربة من الملك، واعتُبر الخوض في شؤون الملك وإفشاء أسراره خيانة تستوجب الإعدام.وأكد "عامر" إلي أن المصريون القدماء حاربوا سرقات المعابد من أي اعتداء، وذلك من خلال عقوبات وردت في مرسوم الملك "سيتي الأول" من الأسرة التاسعة عشر، وطُبقت عقوبة الإعدام بالخازوق وجدع الأنف ودفع غرامة مائة ضعف، كما أشار المرسوم إلى عقوبة إعدام من يسرق حيوانًا تابعًا للمعبد وينقله إلى طرف آخر، مع مصادرة ممتلكات السارق لصالح المعبد المسروق، أما سرقة حيوان دون نقله إلى طرف آخر، فكانت عقوبتها جدع الأنف، مع تسخير السارق وأسرته لخدمة المعبد المنتهكة حرمته، وكانت عقوبة سرقة متاع خاص بالمعبد الضرب مائة ضربة، وغرامة مائة ضعف، وفرق المصري بين المسروقات التي تحمل صفة القداسة وإعتبرها جريمة دينية تستوجب الإعدام، وتلك المسروقات التي لا تمس مقدسات فإكتفى بعقوبة الضرب وتغريم السارق مائة ضعف، كما نص القانون على معاقبة القاضي الذي يتباطأ في سير الإجراءات ومعاقبته بـمائة ضربة وعزله من منصبه وتحويله إلى وظيفة أقل.
مشاركة :