أحمد محمد (القاهرة) قال أهل مكة، يزعم محمد أن من عبد الأوثان، وقتل النفس التي حرم الله، لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم، وقد عبدنا مع الله إلها آخر، وقتلنا النفس التي حرم الله، فأنزل الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)، «سورة الزمر: الآيات 53 - 54»، وقال ابن عمر، نزلت هذه الآية في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر من المسلمين كانوا أسلموا، ثم فتنوا، وعذبوا فافتتنوا. فكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفاً ولا عدلاً أبداً، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به، وقال ابن عباس، إن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة، فنزلت هذه الآية، ويروى أنها نزلت في وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه. وقال الإمام عبدالرحمن بن ناصر السعدي، يخبر تعالى عباده المسرفين بسعة كرمه، ويحثهم على الإنابة قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال، قل يا أيها الرسول ومن قام مقامه من الدعاة لدين الله، يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم باتباع ما تدعوهم إليه من الذنوب، لا تقنطوا من رحمة الله أي لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه ووجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعاً من الشرك والقتل والزنا والربا والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار، إنه هو الغفور الرحيم، والمغفرة والرحمة، وصفان لازمـــان ذاتـيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود، تسح يداه من الخيرات آناء الليل والنهار، ويوالي النعم على العباد في السر والجهار، والعطاء أحب إليه من المنع، والرحمة سبقت الغضب وغلبته، ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب إن لم يأت بها العبد، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة، أعظمها وأجلها، الإنابة إلى الله تعالى بالتوبة النصوح، والدعاء والتضرع والتعبد. وفي قوله (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)، دليل على الإخلاص، وأنه من دونه، لا تفيد الأعمال الظاهـرة والباطنة شيئاً، من قبل أن يأتيكم العذاب مجيئاً لا يدفع ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم مـن ربكم مما أمركم من الأعمال الباطنة، كمحبة الله، وخشيته وخوفه ورجائه، والنصح لعباده، ومحبة الخير لهم، ومن الأعمال الظاهرة، كالصلاة والزكاة والصيام، والحج والصدقة، وأنواع الإحسان، ونحو ذلك، مما أمر الله به، وهو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا، فالمتبع لأوامر ربه في هذه الأمور ونحوها هو المنيب المسلم، من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشـــعـرون وكل هذا حث على المبادرة وانتهاز الفرصة. ثم حذرهم أن يستمروا على غفلتهم، حتى يأتيهم يوم يندمون فيه، ولا تنفع الندامة، وتقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في حق الله.
مشاركة :