‮«‬من لا‮ ‬يشكر الناس لا‮ ‬يشكر الله‮»‬

  • 8/21/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

خلق لا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يفارق المسلم أبداً،‮ ‬لأن‮ ‬غيابه أو اختفاءه من شخص‮ ‬يجلب له‮ ‬غضب الله وسخط الناس،‮ ‬فالاعتراف بالجميل وتقديم الشكر لمن‮ ‬يستحق الشكر سلوك راقٍ ومهذب‮، ‬يؤكد سمو نفس من‮ ‬يلتزم به ويحرص عليه،‮ ‬أما إنكار الجميل وجحود المعروف فهو‮ ‬يعبر عن سوء خلق من‮ ‬يفعله‮.‬ لذلك كان اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضيلة الشكر والاعتراف بالجميل،‮ ‬وهو الذي‮ ‬رفع شعار‮: ‬من لا‮ ‬يشكر الناس لا‮ ‬يشكر الله‮ ‬لكي‮ ‬يؤكد ضرورة أن‮ ‬يتخلق المسلم بهذه الفضيلة الأخلاقية،‮ ‬وقال عليه الصلاة والسلام‮: ‬اشكر لمن أنعم عليك،‮ ‬وأنعم على من شكرك،‮ ‬فإنه لا زوال لنعمة إذا شكرت،‮ ‬ولا دوام لها إذا كفرت‮.‬ معنى‮ (‬من لا‮ ‬يشكر الناس لا‮ ‬يشكر الله)‬،‮ ‬أن من كان من طبيعته وخلقه عدم شكر الناس على معروفهم وإحسانهم إليه،‮ ‬فإنه لا‮ ‬يشكر خالقه بسبب سوء تفكيره وبسبب جفائه وغلظة قلبه‮.‬ لذلك‮ ‬ينبغي‮ ‬على المؤمن أن‮ ‬يشكر على المعروف من أحسن إليه من أقارب وغيرهم،‮ ‬كما‮ ‬يجب عليه شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه الكثيرة والوفيرة على الإنسان،‮ ‬فالله عز وجل‮ ‬يحب من عباده أن‮ ‬يشكروا من أحسن إليهم،‮ ‬وأن‮ ‬يقابلوا المعروف بالمعروف،‮ ‬كما قال عليه الصلاة والسلام في‮ ‬الحديث الصحيح‮: ‬من صنع إليكم معروفاً‮ ‬فكافئوه،‮ ‬فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه؛ ولهذا‮ ‬يستحب للمسلم أن‮ ‬يدعو لمن دعا له،‮ ‬وأن‮ ‬يقابل من أحسن إليه بالإحسان،‮ ‬وأن‮ ‬يثني‮ ‬عليه خيراً‮ ‬في‮ ‬مقابل إحسانه إليه،‮ ‬وبذل المعروف له،‮ ‬فهذا من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال‮.‬ وفي‮ ‬ترسيخ هذا الخلق الكريم وإشاعته بين المسلمين وترغيبهم فيه،‮ ‬حرص نبوي‮ ‬كريم على بناء الشخصية السوية التي‮ ‬تتعامل مع الآخرين بأدب،‮ ‬وتعترف بفضل أصحاب الفضل،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يضفي‮ ‬احتراماً متبادلاً بين الناس،‮ ‬ويشجع على التعاون والتواصل والتكافل بينهم،‮ ‬فكثير من الناس‮ ‬يفعلون المعروف ويبادرون بعمل الخير ولا‮ ‬ينتظرون من وراء ذلك سوى نظرة رضا أو كلمة طيبة تريح فاعل المعروف وتجسد رضا من‮ ‬يقولها على ما قدم له من خير‮.‬ يقول العالم الأزهري‮ ‬د‮. ‬أحمد معبد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر‮: ‬الشكر من الأخلاق الرفيعة التي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يتخلق بها كل مسلم،‮ ‬ويحرص عليها كل إنسان سوي مستقر النفس وفاء لحق الله عز وجل،‮ ‬واعترافاً بفضل أصحاب الفضل من الناس،‮ ‬وهو مجازاة أو مكافأة على المعروف،‮ ‬وثناء جميل على من‮ ‬يقدم الخير والإحسان،‮ ‬وكل هذا من شأنه أن‮ ‬يحسن من علاقات الناس ويضاعف من عمل الخير بينهم،‮ ‬وليس هناك أقل في‮ ‬الجزاء على المعروف من الاعتراف بالفضل لأهل الفضل،‮ ‬والثناء على محسن إلينا بشكره أو ذكر إحسانه، فهذا ما علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم‮.‬ والشكر‮ ‬هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه،‮ ‬ولذلك قيل إنه أبلغ‮ ‬من الحمد،‮ ‬لأن الحمد لا‮ ‬يقتضي‮ ‬الامتلاء،‮ ‬والشكر على ثلاثة أنواع أو درجات‮: ‬شكر بالقلب وهو تصور النعمة،‮ ‬وشكر باللسان وهو الثناء على المنعم،‮ ‬وشكر بسائر الجوارح وهو مكافأته بقدر استحقاقه‮.‬ شكر الخالق وأول ما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يقدم المسلم له الشكر هو الخالق سبحانه فنعمه على الإنسان لا تحصى‮ ‬وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها‮.. ‬وقد قال بعض العلماء‮: ‬كل نعمة‮ ‬يمكن شكرها إلّا نعم الله على الإنسان،‮ ‬فإن شكر نعمائه على الإنسان نعمة من الله‮.. ‬ولذلك روي‮ ‬أن سيدنا موسى عليه السلام قال‮: ‬اللهم أمرتني‮ ‬بالشكر على نعمتك،‮ ‬وشكري‮ ‬إياك نعمة من نعمك‮.‬ وقد تجسد الشكر بكل معانيه في‮ ‬سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم،‮ ‬تحكي‮ ‬السيدة عائشة رضي‮ ‬الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان‮ ‬يقوم الليل ويصلي‮ ‬حتى تتشقق قدماه من طول الصلاة والقيام،‮ ‬فتقول له‮: ‬لِمَ تصنع هذا‮ ‬يا رسول الله وقد‮ ‬غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟‮! ‬فيرد عليها النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم قائلا‮: ‬ألا أكون عبداً شكورا‮ً.‬ وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم‮: ‬اللهم أعني‮ ‬على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‮.‬ إذن نحن مطالبون كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نشكر الله،‮ ‬فشكر الله واجب كما نصت على ذلك نصوص قرآنية كثيرة،‮ ‬وقد وعد الخالق بجزاء من‮ ‬يشكره،‮ ‬فقال سبحانه‮: ‬وسنجزي‮ ‬الشاكرين‮.‬ ويتحقق شكر الله بالاعتراف بالنعم‮ ‬وأما بنعمة ربك فحدث‮‬،‮ ‬فالتحدث بنعم الله كما أخبرنا رسولنا الكريم شكر،‮ ‬وتركها كفر،‮ ‬ومن لا‮ ‬يشكر القليل لا‮ ‬يشكر الكثير،‮ ‬ومن لا‮ ‬يشكر الناس لا‮ ‬يشكر الله‮.. ‬كما قال صلى الله عليه وسلم‮: ‬إن الله ليرضى عن العبد أن‮ ‬يأكل الأكلة فيحمده عليها،‮ ‬أو‮ ‬يشرب الشربة فيحمده عليها‮.. ‬كما علمنا صلى الله عليه وسلم أن نسجد لله سجدة شكر إذا ما حدث لنا شيء‮ ‬يسر،‮ ‬أو إذا عافانا سبحانه وتعالى من البلاء‮.. ‬قال عمر بن عبدالعزيز عن الشكر‮: ‬تذكروا النعم فإن ذكرها شكر‮.‬ الإحسان إلى الوالدين والمسلم مطالب شرعاً بعد شكر الله عز وجل على نعمه الكثيرة والوفيرة بشكر الوالدين،‮ ‬حيث قرن الله عز وجل في‮ ‬القرآن الكريم الشكر له بالشكر للوالدين في‮ ‬قوله تعالى‮: ‬أن اشكر لي‮ ‬ولوالديك إلىّ المصير‮‬،‮ ‬فالمسلم‮ ‬يقدم شكره لوالديه بطاعتهما،‮ ‬وبرهما،‮ ‬والإحسان إليهما،‮ ‬والحرص على مرضاتهما،‮ ‬وعدم إغضابهما‮. ‬ إن أبسط صور شكر الوالدين هو البر بهما والإحسان إليهما ورد الجميل إليهما بكلمات رقيقة،‮ ‬ورعاية دائمة،‮ ‬وعطف وحنان ورحمة،‮ ‬تُكسب كل ابن ذكراً كان أو أنثى حب الآخرين وتقديرهم واحترامهم‮.‬ لكن كما‮ ‬يجحد الإنسان فضل الله عليه، ولا‮ ‬يقدم له الشكر الواجب‮ ‬وقليل من عبادي‮ ‬الشكور‮ ‬يجحد فضل والديه فيكون فتور العلاقة‮.. ‬والأصعب أن‮ ‬يكون الجحود والعقوق هو رد الفعل من كثير من الأبناء تجاه آبائهم الذين تحملوا كل المشاق من أجلهم،‮ ‬وسهروا على راحتهم،‮ ‬وأفنوا حياتهم من أجل توفير مقومات الحياة الكريمة لهم‮.‬ تقول الفقيهة الأزهرية د‮. ‬عبلة الكحلاوي‮: ‬أبشع ما نراه في‮ ‬سلوك الأبناء هو الجحود ونكران الجميل،‮ ‬حيث تتحجر قلوب بعض الأبناء، فيكون التمرد على آبائهم،‮ ‬فهم لا‮ ‬ينكرون فضلهم فقط،‮ ‬بل هم للأسف‮ ‬يسيئون إليهم بأقوال وأفعال وإهمال وعصيان وتمرد‮ ‬يجلب لهم‮ ‬غضب الله وعقابه في‮ ‬الدنيا والآخرة‮.‬ وتضيف‮: ‬عدم الاعتراف بفضل الوالدين عقوق وجحود ابتلى به كثير من الأبناء،‮ ‬فالعقوق منتهى الخسة والنذالة،‮ ‬والإنسان الخسيس نادراً ما‮ ‬يعترف بجميل أحد،‮ ‬ونادراً ما‮ ‬يوجه الشكر لأصحاب الفضل عليه،‮ ‬بل هو لا‮ ‬يشكر خالقه، فما بالنا بالمخلوقين؟‮! ‬ ولأن العقاب الإلهي‮ ‬للعاقين رادع وحاسم،‮ ‬فإن العالمة الأزهرية تحذر الأبناء من التمادي‮ ‬في‮ ‬خسة العقوق،‮ ‬وتقول‮: ‬عذاب الله وعقابه الشديد‮ ‬ينتظر هؤلاء الأبناء الجاحدين لفضل من أحسن إليهم،‮ ‬وسيشربون من كأس الجحود والعقوق الذي‮ ‬شرب منه آباؤهم،‮ ‬وذلك إعمالاً لمنهج الحق جل وعلا،‮ ‬فلابد للابن أن‮ ‬يتذوق من كأس سبق أن أشرب منها والديه ليهتف الابن قائلا‮: ‬آمنت بالله‮.‬ وهنا تؤكد العالمة الأزهرية ضرورة أن‮ ‬يسارع الأبناء العاقون بتوبة صادقة،‮ ‬مؤكدة أن باب التوبة والندم على خسيسة العقوق مفتوح لكل الأبناء،‮ ‬فالخالق رحيم بكل من‮ ‬يراجع نفسه ويتوب توبة نصوحاً،‮ ‬والتوبة هنا تتطلب أن‮ ‬يحسن الابن إلى والديه أو‮ ‬يطوف على ما تبقى من أرحامه،‮ ‬راغباً في‮ ‬الإحسان إليهم،‮ ‬واقفاً في‮ ‬ساحة الخيرات،‮ ‬داعياً لهما،‮ ‬راغباً رضا روحيهما،‮ ‬فيتوب الله عليه،‮ ‬ويرفع عنه عقابه،‮ ‬ويعفيه من العذاب الأليم الذي‮ ‬قدره الخالق بعدله لكل ابن‮ ‬يعوق والديه‮.‬ ‮ ‬ تقدير المعروف وبعد شكر الله وشكر الوالدين بطاعتهما والبر بهما والإحسان إليهما‮ ‬يأتي‮ ‬شكر الناس،‮ ‬وهو فضيلة مطالب بها المسلم،‮ ‬فالإنسان السوي‮ كما‮ ‬يقول الشيخ خالد الجندي‮ ‬الداعية الأزهري‮ ‬يقدر المعروف،‮ ‬ويعرف للناس حقوقهم،‮ ‬فيشكرهم على ما قدموا له من خير،‮ ‬ولذلك‮ ‬يقول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في‮ ‬رواية لأحمد‮: ‬إن أشكر الناس لله أشكرهم للناس‮.‬ وقد حثنا صلى الله عليه وسلم على أن نقدم الشكر لكل من صنع لنا معروفاً بأن نقول له‮: (‬جزاك الله خيرا‮ً)‬،‮ ‬وذلك في‮ ‬الحديث الشريف الذي‮ ‬يقول‮: ‬من صُنع إليه معروف،‮ ‬فقال لفاعله جزاك الله خيراً،‮ ‬فقد بلغ‮ ‬في‮ ‬الثناء‮.‬ ولفضيلة الشكر كما‮ ‬يقول الشيخ الجندي‮ ‬ثمار كثيرة،‮ ‬فمن‮ ‬يقوم بواجب الحمد والشكر لله‮ ‬يضمن المزيد من النعم في‮ ‬الدنيا،‮ ‬والمكافآت الإلهية في‮ ‬الآخرة،‮ ‬فضلاً عن أنه‮ ‬يأمن عذاب الله وعقابه،‮ ‬حيث‮ ‬يقول سبحانه‮: ‬ما‮ ‬يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليما‮ً.‬ يقول الداعية الأزهري‮: ‬المسلم الحق شاكر لربه طوال الوقت،‮ ‬في‮ ‬صلاته‮ ‬يشكر،‮ ‬عند تناول طعامه‮ ‬يشكر،‮ ‬في‮ ‬السراء والضراء ليس أمامه إلّا الرضا بما قدره الله والشكر على النعم والصبر على البلاء والمحن‮.‬ قيمة عظيمة ولا‮ ‬يليق بالمسلم الذي‮ ‬تخلق بأخلاق الإسلام أن‮ ‬يكون جاحداً لنعم الله الكثيرة والوفيرة عليه،‮ ‬أو منكراً لفضل الوالدين اللذين جعلهما الله سبباً في‮ ‬وجوده،‮ ‬أو لفضل أصحاب الفضل من الناس‮.‬ وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ربط بين شكر الناس وشكر الله من خلال قوله الشريف‮: ‬من لا‮ ‬يشكر الناس لا‮ ‬يشكر الله‮، ‬فهذا‮ ‬يؤكد أن قيمة الشكر لها منزلة كبيرة وأهمية بالغة لدرجة أنها إذا لم تتحقق في‮ ‬علاقات الناس بعضهم مع بعض فإنها بالتالي‮ ‬لا تتحقق في‮ ‬علاقة الإنسان بالله،‮ ‬وهذا الربط بين الموقفين شكر الناس وشكر الله‮ ‬يحتاج هنا إلى وقفة نتأمل فيها هذه القيمة المهمة ودورها في‮ ‬حياة الناس‮.‬ يقول المفكر الإسلامي‮ ‬د‮. ‬محمود حمدي‮ ‬زقزوق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر‮: ‬المؤسف أن هناك كثيرين لا‮ ‬يأبهون بهذه القيمة ولا بغيرها من قيم وأخلاقيات الإسلام وهذا سر فساد العلاقة بين الناس،‮ ‬وإذا أردنا دعم العلاقة بين الناس،‮ ‬وإذا أردنا دعم العلاقات الاجتماعية وتحسين علاقة الناس ببعضهم البعض وتقوية الروابط الاجتماعية والإنسانية بينهم فإن سبيلنا لتحقيق ذلك هو القيم والأخلاقيات الإسلامية،‮ ‬فبالرحمة والرأفة والحلم والعدل والإحسان تقوى العلاقات بين الناس،‮ ‬وبالشكر الذي‮ ‬هو مقياس الأدب والأخلاق‮ ‬يتضاعف التقدير والاحترام بين الناس، ويقبل كل إنسان على تقديم المعروف والإحسان إلى الآخرين من دون أن‮ ‬ينتظر منهم شكراً أو اعترافاً بالجميل‮.‬ والشكر فضيلة تجلب لصاحبها كثيراً من المنافع ومزيداً من التقدير والاحترام،‮ ‬وهي‮ ‬لا تكلفه شيئاً سوى كلمة طيبة،‮ ‬لكن لها أثرها العميق في‮ ‬النفوس‮.‬ ما أحوجنا إلى أن نتخلق بهذا الخلق العظيم فنشكر الله على أنعمه كما نشكر الوالدين على ما قدما لنا من عطاء لا‮ ‬ينضب أبدا‮ً.. ‬ثم نقدم الشكر والعرفان لكل من أحسن إلينا، أو قدم لنا معروفاً،‮ ‬فالاعتراف بالجميل وبفضل الوالدين واجب إسلامي‮.‬

مشاركة :