تمتلئ ميادين القاهرة الكبرى بمجموعة من التماثيل لكبار الشخصيات المصرية السياسية والثقافية والفنية، التي أسهمت في الحركة الوطنية الحديثة خاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين، وكما أن لكل شخصية من هذه الشخصيات قصة كفاح طويلة، فإن للتماثيل المعبرة عن هذه الشخصيات قصصاً وحكايات. يبلغ عدد التماثيل الموجودة في ميادين القاهرة والجيزة أكثر من 40 بعضها مكتمل، وبعضها نصفي، ولعل أشهر هذه التماثيل، وأكبرها حجماً، وربما أقدمها تمثال إبراهيم باشا ابن محمد علي وهو يمتطي حصانه، ويوجد هذا التمثال في ميدان الأوبرا الأزبكية سابقا وأنشئ في عهد الخديوي إسماعيل وافتتح عام 1872 بميدان الأوبرا الملكية. يعد إبراهيم باشا من الشخصيات البارزة في بناء الدولة المصرية الحديثة، حيث كان قائداً للجيش المصري، قاده إلى فتوحات كبيرة في عهد أبيه محمد علي باشا، وأراد الخديوي إسماعيل تخليد ذكرى والده فكلف النحات الفرنسي الشهير كوردييه بعمل تمثال لوالده. كان الخديوي إسماعيل مهتماً بإقامة التماثيل للقادة المصريين، وكذلك نصب تماثيل في الميادين ومداخل القاهرة لتزيينها، خاصة أنه كان يسعى إلى جعل مصر قطعة من أوروبا على حد تعبيره، ومن هذه التماثيل أسدا قصر النيل الموجودانعلى الكوبري الشهير الذي بناه الخديوي إسماعيل عام 1771 ويحمل نفس الاسم، وقام بتصميم وتنفيذ هذه التماثيل الأربعة النحات الفرنسي جاك مار وتكلفت 1980 فرنكاً فرنسياً. ومن أقدم التماثيل الموجودة في الميادين القاهرية تمثال لاظوغلي باشا وكان وزيراً للمالية المصرية، وصنعه من البرونز المثال الفرنسي جاك مار، وتولى لاظوغلي رئاسة الوزراء أيام محمد علي، وكانت له سطوة كبيرة. ومن أكثر الزعماء الذين توجد لهم تماثيل في الميادين المصرية سعد زغلول، فله تمثال شهير في مدينة الإسكندرية، أما تمثاله الأبرز فيقع في مدخل كوبري قصر النيل في ناحية دار الأوبرا المصرية الجديدة، وهذا التمثال أحد إبداعات النحات المصري العالمي محمود مختار، وصممه بعد وفاة سعد زغلول عام 1927، وهو مصنوع من البرونز وموضوع على قاعدة من الجرانيت الصلب. أما ميادين منطقة وسط البلد فتوجد بها مجموعة من تماثيل قادة الحركة الوطنية المصرية في القرن العشرين، فهناك تمثال مصطفى كامل، الموجود في المنطقة ما بين العتبة وميدان التحرير، الذي سعى لإنشاء هذا التمثال الزعيم محمد فريد الذي خلف كامل في قيادة العمل الوطني والدعوة إلى تحرير مصر من الاحتلال الإنجليزي، ورئاسة الحزب الوطني وجريدة اللواء. كلف فريد أحد الفنانين الفرنسيين بإقامة هذا التمثال، الذي ظل في أحد المخازن لسبب تعذر وضعه في أحد الميادين بسبب تعنت الحكومة المصرية وقتها التي كانت موالية للاحتلال البريطاني، إلا أنه في الذكرى الثالثة عشرة لرحيل مصطفى كامل تم وضعه في مكانه الحالي. ومن التماثيل الشهيرة تمثال رائد الاقتصاد المصري طلعت حرب الموجود في الميدان الذي يحمل نفس الاسم، ويقع في المنطقة الوسطى بين ميداني التحرير والعتبة، ووضع بديلاً لتمثال سليمان باشا الفرنساوي، أحد مؤسسي الجيش المصري في عهد محمد علي باشا. وصمم هذا التمثال الفنان المصري فتحي محمود المتوفى عام 1982، بتكليف من الحكومة المصرية بعد ثورة 1952. أما أشهر تماثيل الميادين على الإطلاق فهو تمثال نهضة مصر أحد أهم إبداعات رائد فن النحت محمود مختار، وأقيم اكتتاب عام لتنفيذ هذا التمثال الذي يمثل الشخصية المصرية في شموخها وقوتها، وعرض لأول مرة في باريس عام 1920، ثم نقل إلى القاهرة، وأسهم الشعب في ذلك وأسهمت الحكومة المصرية بالجزء الباقي، ووضع في البداية في ميدان رمسيس أمام باب الحديد لكنه نقل بعد ذلك إلى مقره الحالي أمام جامعة القاهرة. ومن التماثيل الموجودة في وسط القاهرة تمثال الزعيم محمد فريد في التقاطع ما بين حي عابدين ومنطقة باب اللوق، وهو من إبداعات الفنان التشكيلي منصور فرج. ويلاحظ الفنان التشكيلي وحيد البلقاسي أن معظم التماثيل الموجودة في الميادين تعبر عن قوة وجسارة الشخصية الوطنية المصرية، وصاغها الفنانون الكبار في صورة تحمل من العزة والشموخ، كذلك اختاروا لها أهم ما في تلك الشخصيات من مكونات نفسية تظهر على التصميم المنحوت، وهو الشخصية القيادية، والتطلع للمستقبل. وهناك تمثال الشهيد عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة في حرب الاستنزاف، ويعرف الميدان باسمه، وهناك بعض التماثيل لشخصيات أوروبية وأجنبية شاركت في الحركة الوطنية والثقافية على مستوى العالم مثل سيمون بوليفار في ميدان يحمل نفس الاسم، مصنوع في فنزويلا من مادة البرونز، وهو أحد أبطال حركة التحرير في أمريكا اللاتينية وهناك تمثال لجوزيه سان مارتن أحد أبطال الأرجنتين الذين ساهموا في حركة استقلالها الوطني .
مشاركة :