في شهر رمضان الماضي غاب عدد من الممثلين والمؤلفين والمخرجين الذين كانت أعمالهم حاضرة بقوة طوال السنوات الماضية وتمثل عنواناً مهماً للدراما التلفزيونية في رمضان، ومن هؤلاء: نور الشريف، يحيى الفخراني، محمود عبد العزيز، يسرا، ليلى علوي، إلهام شاهين، صلاح السعدني، محفوظ عبد الرحمن، يسري الجندي، وحيد حامد، محمد السيد عيد، مجدي صابر، إنعام محمد علي، مجدي أبو عميرة، جمال عبد الحميد ورباب حسين، وغيرهم.. ورغم غياب العديد من الكبار إلا أن الأجيال الجديدة حاولت أن تسد الفراغ وبعض المواهب فرضت نفسها، ومن خلال التحقيق التالي نستطلع آراء بعض المتخصصين في الدراما حول مدى تعويض النجوم الشباب في التأليف والإخراج والتمثيل، لغياب الأسماء اللامعة في الدراما المصرية. الفنان محمود عبد العزيز أكد أن وجود الفنانين الكبار في الدراما التلفزيونية يدعمها بشكل كبير، خاصة أن المسلسل المصري هو المفضل دائماً عند الجمهور العربي الذي تواصل لسنوات طويلة مع مسلسلات نجوم بذلوا قصارى جهدهم لرفع شأن الدراما المصرية. وأوضح عبد العزيز أن تواصل الأجيال من سمات الدراما المصرية التي استطاعت في السنوات الأخيرة أن تجمع كل الخبرات والكفاءات من مختلف الأجيال، وهذا ظهر بوضوح في مستوى المسلسلات الأخيرة التي أكدت أن مستقبل الدراما المصرية بخير، وأنها تضم مواهب في كل المجالات مثل التمثيل والتأليف والإخراج. المؤلف الكبير محفوظ عبد الرحمن قال: بعض صناع الدراما قدموا في الفترة الأخيرة أعمالاً تعمل على تدمير وإفساد تقاليد المجتمع المصري بشكل غريب، مع أنه من المفترض أن الدراما التلفزيونية هي الرافد والمكون الأساسي في تكوين وجدان المشاهد العربي مثلما كان يحدث على مدار السنوات الماضية عندما كانت تناقش الدراما أفكاراً راقية وملفات تمس حياة الناس وتعبر عن نبض الشارع، بينما الآن تبدل الوضع إلى العكس، وتحولت الدراما من عنصر ترفيهي مفيد إلى عنصر هدام. أضاف عبد الرحمن: صناعة الدراما التلفزيونية المصرية تعيش أسوأ فتراتها، لأن شركات الإنتاج تقدم أعمالاً غريبة على المجتمع المصري، وفي أغلب الأحيان هذه النوعية من المنتجين لا يحتاجون إلى نص جيد أو مخرج موهوب لكنهم يحتاجون إلى انتشار سريع وموضوعات تجارية. وقال عبد الرحمن إنه لا بد من إعادة دور الدولة في الإنتاج الدرامي بعد أن تخلت عنه وتركت الساحة لشركات الإنتاج الخاصة التي تبحث عن مصلحتها بغض النظر عن تطور صناعة الدراما التلفزيونية والرفع من شأنها. وقالت المخرجة إنعام محمد علي إن ظروف الإنتاج الدرامي تغيرت عن سنوات سابقة حيث إن شركات الإنتاج تعمل أغلب الأحيان في ظروف صعبة ومتغيرات جديدة مرتبطة بالسوق والتسويق، فهي مطالبة بالانتهاء من المسلسل في مدة زمنية قصيرة، وأيضاً الاعتماد على أسماء بعينها في التأليف والإخراج والتمثيل، ويضطر أحياناً المخرجون للاستعانة بمخرجين آخرين لمساعدتهم بحجة ضيق الوقت، مع أن الرؤية الإخراجية تكون أحياناً مختلفة بين مخرج وآخر، كما أن الكتّاب الشباب يفضلون التعاون مع مخرجين مقاربين لهم في السن، وهذا ليس عيباً طالما أنهم سيقدمون أعمالاً تحترم المشاهد وتضيف لرصيد الفن المصري القادر على استيعاب كل الأجيال من ممثلين وكتاب ومخرجين. الكاتب والسيناريست بشير الديك أرجع زيادة عدد المؤلفين والمخرجين الشباب في الدراما التلفزيونية لتراجع الإنتاج السينمائي الذي من المفترض أن يستوعب الشباب أكثر من الدراما التلفزيونية، حيث تشكل لهم السينما مجالاً مفتوحاً لا سقف لهم فيه لاستيعاب أفكارهم وجنونهم، ولكن الواقع دفع بهم إلى التلفزيون، كما أن المؤلفين والمخرجين الشباب يتشابهون في الأفكار والطموح والرؤى والثقافة والأحلام، وتكون لديهم حالة من التردد في التعامل مع المؤلفين الكبار وبالعكس، ولا يشكل في ذلك حالة استثنائية سوى وحيد حامد الذي يلجأ للتعامل مع مخرجين شباب في كثير من الأحيان. بدوره قال المخرج محمد فاضل: إن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة ولكنها مستمرة منذ سنوات طويلة، والمواسم الدرامية المتعاقبة تقدم أجيالاً جديدة من الكتّاب والمخرجين والممثلين ينجح في الاستمرار منهم أصحاب الموهبة الحقيقية فقط، وما يقدمونه من رؤى وأفكار جديدة تضيف لصناعة الدراما التلفزيونية المصرية، فالمسألة ليست مرهونة بالعمر فقط وإنما بتجدد الأفكار وتفاعلها مع المتغيرات الجديدة التي تفرض نفسها على الساحة الفنية، فالحكم والفيصل النهائي إذاً لطبيعة العمل ومضمونه ومدى تأثيره في المشاهد. أما الناقد نادر عدلي فأوضح أن غياب المؤلفين والمخرجين الكبار عن الساحة الفنية ترك نتائج عدة في قيمة الأعمال المقدمة، خاصة التي يقدمها القطاع الخاص حيث إن سبب غياب المؤلفين والمخرجين يرجع إلى تراجع دور الدولة في الإنتاج، إذ لطالما كانت الجهات الحكومية تعتمد على كتاب سيناريو ومخرجين بعينهم لتتعاون معهم ولا تغامر بتقديم مؤلفين جدد، بعكس منتجي القطاع الخاص الذين قدموا تلك المبادرات على مدار السنوات الأخيرة، خاصة أن أجور الشباب أقل بكثير من الكبار مما يجعل هذا دافعاً لاختيار المنتجين لهم. وأكد عدلي أن الساحة الفنية بحاجة إلى وجود كبار المؤلفين والمخرجين والنجوم ليكونوا جنباً إلى جنب مع الشباب الذين أثبتوا وجودهم في الفترة الأخيرة ولكنهم لا يمتلكون خبرة الكبار. الناقدة ماجدة موريس شددت على أن هناك أجيالاً واعدة ظهرت على الشاشة الصغيرة في الفترة الأخيرة والجمهور تعرف اليهم من خلال أدائهم المبهر، وهذا أمر إيجابي أكد وجود أجيال ظهرت وساهمت في نهضة صناعة الدراما التلفزيونية المصرية التي واجهت تحديات عدة خلال الفترة الماضية، وخاصة في ظل وجود دراما أجنبية منافسة لها جاذبية ومقومات خاصة. وقالت موريس إن النجوم الكبار من حقهم الحصول على راحة من العمل الدرامي كل مدة لأنهم يتعرضون لضغوط كبيرة والجمهور من الممكن أن ينتظر الفنان موسماً أو أكثر بشرط أن يعود بعمل لائق، نظراً لأن الجمهور يحاسب الفنان الكبير ولا يحاسب النجم الشاب بنفس الطريقة، والخبرات التي يمتلكها النجوم تجعلهم ملزمين بتقديم أعمال راقية وهادفة وذات بناء درامي مكتمل الأركان. وأكدت موريس أن شركات الإنتاج من حقها أن تختار أسماء المؤلفين والمخرجين والفنانين المتعاونين معهم، ولا بد أن يكون هناك تنوع في الموضوعات التي تطرحها، وأيضاً المسلسلات الأكثر جذباً للفضائيات التي تشتري هذه الأعمال، ولذلك لا ينبغي أن يتم توجيه اللوم لأي شركة إنتاج تجدد في نوعية أعمالها وفي الأسماء التي تشارك فيها. الفنان حسين فهمي أكد ضرورة وجود مساحة للنجوم الكبار عند شركات الإنتاج التي عليها دور كبير في المرحلة المقبلة في ظل تراجع شركات الإنتاج التابعة للدولة، كما أن المؤلفين والمخرجين الكبار ما زال لديهم الكثير ليقدموه، ولكن لا بد من إتاحة فرص حقيقية لهم. ونفى فهمي أن تكون هناك مغالاة من جانب النجوم الكبار في الحصول على أجور مرتفعة، موضحاً أن ما يتقاضونه يتناسب مع خبراتهم وإمكاناتهم، وأيضاً إقبال الفضائيات عليهم، خاصة أن الجمهور العربي يبحث دائماً عن أعمال الكبار، ورغم تألق العديد من النجوم الشباب إلا أن هذا لا يمنع أن هناك ضرورة لوجود مسلسلات من تأليف وإخراج وبطولة أسماء مخضرمة حققت الكثير من النجاحات على مدار سنوات طويلة، والأداء الفني الذي يقدمونه يعد مدرسة فنية خاصة تستفيد منها الأجيال الجديدة. المنتج طارق الجنايني نفى أن يكون سبب تعاون جهات الإنتاج الخاصة مع المؤلفين والمخرجين والنجوم الشباب هو توفير النفقات، لأن معيار الجودة وحده هو المقياس لاختيار السيناريوهات التي يتم إنتاجها، كما أن إقبال المنتجين والنجوم على التعامل مع مؤلفين شباب يأتي كنتاج للرغبة في التجديد وطرح أفكار مختلفة، وأيضاً لامتلاك الشباب نسبة عالية من الطاقة والحماس نابعة من رغبتهم في إثبات وجودهم ويكون من نتاجها تقديم أعمال متميزة، ولكن هذا في نفس الوقت لا يقلل من حجم وخبرة نجوم التأليف والإخراج والتمثيل الكبار.
مشاركة :