وفق مصطفى محرم مترجم كتاب «تشريح الفيلم» الصادر عن المركز القومي للترجمة، يبدو أن مؤلف الكتاب برنارد ف. ديك كتبه «من أجل أن يزيل الغشاوة عن أذهان كثر ممن يقحمون أنفسهم في مجال النقد السينمائي من دون أن يحاولوا امتلاك ولو أداة واحدة من أدواته»، ناهيك بأن هذا الكتاب قد كُتب أيضاً لمن يدرسون الفن السينمائي ليعملوا في حقله أو الذين يعملون بالفعل، فهو يفتح لهم آفاقاً جديدة في الإبداع السينمائي ويزيد من ثقافتهم. وكانت الطبعة الأولى من الكتاب صدرت عام 1976، وأدرك مؤلفه أن الطبعة التالية يجب أن تعكس وسيطاً دائم التغيير أبداً واحتياجات جماهيره من مختلف الدارسين المتزايدة وتقلبات الذوق في الأجيال المتعاقبة، لذلك رغم هذه التغييرات إلا أن الهدف الأساسي هو تطوير إدراك الطلاب والعاملين في المجال السينمائي بالنسبة إلى التذوق والنقد السينمائيين بنص موجز وواضح في اختياره للأفلام الكلاسيكية وشبه الكلاسيكية والمعاصرة، كما يقدم الكتاب الفيلم السينمائي كنص يجب «قراءته» مثل أي نص آخر. نصيحة وإرشادات تشمل هذه الدراسة نصيحة عملية وارشادات عن عملية الكتابة كلها من الرؤية حتى التحليل والمراجعة، ويستخدم هذا الجزء فيلم هيتشكوك «عقدة نفسية» (سايكو) ليعرض الطرق المختلفة التي يمكن أن يقترب من خلالها للفيلم، أيضاً عكست هذه الطبعة أكثر الأفلام حداثة في الإنتاج والكلاسيكيات المعاصرة بكل من النص الجديد وصور الإنتاج الثابتة، والأفلام الجديدة التي ناقشها المؤلف تشمل: («لا وطن للعجائز» 2007، «الجبل المنهار»2005، «الآنسة صن شاين الصغيرة» 2006، «النادلة» 2007، «الكبرياء والهوى» 1940، «متاهة بان» 2006، «المسافر»1975، إضافة إلى إيضاحات جديدة تم استخراجها من مجال واسع من الأفلام تشمل فيلم انجمار برجمان («سراباند») 2003، وفيلم أنطونيوني «المغامرة» 1960، وفيلم «أليس ومارتن» 1998، وفيلم «الراعي الصالح» 2006، وأفلام أخرى. ويغوص الكتاب في دهاليز مفردات اللغة السينمائية من تصوير ومونتاج وإخراج وسيناريو، ويُبهرنا ببساطة العرض وضرب الأمثلة وعقد المقارنات الأدبية والفلسفية، لإبراز إمكانات الفن السينمائي. وفي ما يتعلق بالمخرج السينمائي يشير المؤلف إلى أنه إذا كان الفيلم هو جهد متضافر فقد يبدو منافياً للمنطق أن نرجع الفضل في الفيلم إلى فرد واحد، ولذلك بدلاً من الإشارة إلى فيلم «مؤامرة عائلية» (1967) على أنه من إخراج ألفريد هيتشكوك فقد يبدو أكثر منطقية أن نقول إنه من إخراج ألفريد هيتشكوك وبرباره هاديس، وبروس ديرن وكارين بلاك ووليام دافين (من النجوم) - ارنست بهمان (السيناريو) -ليونارد ج. ساوث (التصوير) إنتاج يونيفرسال 1976، وقد أصبح العرف الشائع هو إلصاق اسم المخرج فقط على الفيلم، ولفهم هذا العرف فمن الضروري دراسة نظرية النقد السينمائي المعروفة بسينما المؤلف. ووفق الكتاب فإن لكل المؤلفين خصائص مشتركة بينهم فجميعهم: يتعاونون مع آخرين، يبحثون عن التنوع في عملهم، يكررون الموضوعات، يعودون إلى أعمالهم الأولى، يستعيرون من الماضي لإثراء أفلامهم. ومن أمثلة التعاون الأكثر شيوعاً: التعاون بين المخرج وكل من كاتب السيناريو حيث يقوم أحد المخرجين بالعمل مع كاتب السيناريو نفسه في أفلام عدة، ومما لا شك فيه يكون لهذه الأفلام ملمح معين مشترك. فقد عمل جون هاديسون في سيناريوات أفلام هيتشكوك («ربيكا» -1940، و«المراسل الأجنبي» -1940)، و«ارتياب» -1941)، و«المخرب» -1942)، حيث كان في كلها يدور الشك حول الرجل الخطأ. واشترك بيللي وايلدر وتشالز براكيت في تأليف سيناريوات ثلاثة أفلام انتجها ميتشل لايس وهي: «منتصف الليل 1939» «الصبي آريس 1940» و«عودة الفجر» 1946. وتدور ثلاثتها حول شكل من أشكال الخداع. هذا إضافة إلى التعاون أيضاً بين المخرج والمصور، مؤلف الموسيقى، الممثلين، المونتير، المُنتج، الأستوديو. ويشير برنارد ف. ديك إلى أن الفيلم السينمائي في مقدوره «أن يضغط حقبة بأكملها إلى صور قليلة أو يمكن أن يمتد بحدث بحيث يتجاوز زمنه المعتاد. وفي المسرح نجد أن الممثل هو الذي ينطق الحوار وفي الفيلم قد تقول الشخصية شيئاً والكاميرا قد تجيب بالصورة أفضل من أي شخصية أخرى. يعتمد المسرح على الإضاءة لإنارة الحدث ولخلق الأجواء، بينما قد تخطو الإضاءة السينمائية إلى أبعد وترسم شخصية أحد الأفراد على أنه تافه أو طيب أو شرير أو قديس أو آثم». ومن خلال تحليله لفيلم أنطونيوني («المسافر» -1975) لإظهار البُعد الفلسفي يخبرنا كيف أنه «حتى الحقيقة تراوغ الكاميرا التي تكون رؤيتها في الغالب يمكن الاعتماد عليها أكثر من رؤيتنا. ونتيجة حماقتنا فإننا نظن أنه كلما اقتربنا من الشيء أصبح غامضاً أكثر. وكلما اقترب المرء من لوحة الموناليزا على سبيل المثال زادت حيرة ابتسامتها: هل هي تبتسم برقة أم أنها ابتسامة الرضاء أم ابتسامة المواساة؟ أو هل هناك ابتسامة على الإطلاق؟». النقد السينمائي ويرى المؤلف أنه لا توجد طريقة واحدة في النقد السينمائي، قائلاً إنه كثيراً ما توجّه إليه استفسارات عن القواعد والأسس والمقاييس التي يحكم من خلالها على الأفلام، ولكن هناك بعضاً من الإرشادات جاءت على النحو التالي: هل الشخصيات متماسكة؟ بل في الواقع هل هناك شخصيات على الإطلاق؟، هل هي صادقة بالنسبة إلى الحياة؟، هل التصوير نمطي أو أُعد لفيلم معين ومن ثم كان أصيلاً؟، هل الأجزاء مرتبطة وهل تُضيف من أجل شيء ما وهل هناك إيقاع متين حتى يُصبح هناك شكل وذروة وبناء وتوتر ثم تفجيره؟، هل هناك عقل وراء العمل وهل هناك إحساس بأن عقلية واحدة هي التي فرضت رأيها الخاص على مادة الفيلم؟. ويلفت الكاتب إلى أن هناك أفلاماً كثيرة تنال إعجابه وهي ليست صادقة بالنسبة إلى الحياة، إلا إذا تجاوز هذا الاصطلاح المطاط الاستعمال المألوف مثل أفلام: «البراعم المهشمة»، «أطفال الفردوس»، «صفر في السلوك»، «كاليجاري». وبعضها بلا شخصيات تماماً متماسكة أو غير متماسكة مثل: «بوتمكين»، «الترسانة»، «التعصب»، العام الماضي في مارينباد»، و«أوليمبيا». وتحتل كوميديات كيتون وشابلن ولوبيتش وأخوان ماركس مكاناً وسطاً، إذ تحتوي على شخصيات متماسكة في شكل مُرضٍ وهي أيضاً صادقة بالنسبة إلى الحياة ولكن هناك مُغالاة في تماسكها، وأحياناً في شكل مفروض ومُتسلط والصدق فيها تجريدي.
مشاركة :