منذ عام مضى، أطلق سراحي من إيران بعد احتجازي هناك رهينةً أميركياً في صفقة لتبادل السجناء. كنت قد سافرت إلى طهران عام 2016، ولم يكن لديَّ حينها سوى القليل من المعرفة بواقعها السياسي المعاصر. وبعد محنة دامت 40 شهراً في سجن إيفين سيئ السمعة، غادرت البلاد بعد أن تأكد بداخلي الإيمان بأن النظام الإيراني يناصب الغرب العداء بشدة، خاصة الولايات المتحدة، ويمقت الدبلوماسية.هذا العام، ومع اقتراب عيد الشكر، لم أستطع منع نفسي من التفكير في رهائن آخرين ما زالوا محتجزين في إيران - على الأقل 11 من المواطنين الأجانب الذين أصبحت أسماؤهم معروفة لدى الرأي العام، منهم ثمانية في السجن وثلاثة آخرون رهن الإقامة الجبرية.وقبل يومين من عيد الشكر، علمت أنَّ حكم الإعدام الصادر ضد زميلي السجين الأكاديمي أحمد رضا جلالي، الذي يحمل الجنسيتين الإيرانية والسويدية، قد أعيد تفعيله. ويبدو أن ذلك مناورة ضد أوروبا، استباقاً لمحاكمة دبلوماسي إيراني متورط في هجوم فاشل عام 2018، وأبلغ القضاء الإيراني محامي جلالي أنَّ الحكم سينفذ قريباً للغاية.عشية عيد الشكر، تصدّر إطلاق إيران سراح الباحثة الأسترالية كايلي مور غيلبرت عناوين وسائل الإعلام العالمية. وأظهرت لقطات إخبارية أنَّ ثلاثة إيرانيين مدانين بمحاولة اغتيال فاشلة في تايلند وصلوا طهران، وجرى استقبالهم استقبال الأبطال من قبل المسؤولين الإيرانيين في المطار، في الوقت الذي غادرت فيه مور غيلبرت. في المقابل، أشادت وسائل الإعلام الأسترالية بإطلاق سراح غيلبرت، ووصفته بأنه «إنجاز دبلوماسي بارع».ذكرني مشهد مور غيلبرت التي كانت تنتظر في صالة كبار الزوار في مطار مهرآباد بطهران كيف كنت أنتظر بفارغ الصبر مغادرتي للبلاد في ذلك المكان تحديداً. وفي الوقت الذي غمرتني السعادة لرؤيتها تعود إلى الوطن، ثمة تساؤل حزين يلوح في الأفق على خلفية الإعدام الوشيك لجلالي: لماذا يستمر النظام الإيراني في أخذ الأجانب كرهائن من أجل تحقيق مكاسب سياسية؟تتمثل الإجابة البسيطة في أن هذا التكتيك لطالما نجح، بدءاً من أزمة الرهائن في السفارة الأميركية عام 1979. في كل مرة، حصل النظام حتماً على شيء مقابل إطلاق سراح الأسرى الأجانب، سواء كان ذلك شكلاً من أشكال المكاسب المالية، أو إعادة السجناء الإيرانيين المحتجزين في الخارج، أو تنازلات سياسية أخرى من الحكومات الأجنبية. اللافت أنه جرى وصف هذه المقايضات أيضاً بأنها «دبلوماسية».إلا أنه في الوقت الذي تجري إعادة الرهائن القدامى إلى بلادهم، يقدم النظام ببساطة على اعتقال رهائن جدد لتجديد مخزونه من البيادق السياسية. وتتكرَّر الحلقة المفرغة من جديد.تكمن المفارقة هنا في أن احتجاز الرهائن من قبل النظام يمثل في واقع الأمر مظهراً من مظاهر توجهه المناهض للدبلوماسية. لقد تحدَّت الجمهورية الإسلامية، منذ تأسيسها عام 1979 المعايير الدولية باستمرار، وكثيراً ما رفضت استخدام الدبلوماسية والحوار كوسيلة للتخفيف من حدة خلافاتها مع الدول الأخرى.ويعود السبب وراء ذلك إلى رؤيتها الثورية وغطرستها الشديدة. ولا توجد دولة فاعلة أخرى في العالم المعاصر، شجعت باستمرار أو تغاضت عن الاستيلاء على مقار التمثيل الدبلوماسي الأجنبي ونهبها. وتشكّل هذه انتهاكات صارخة لأبسط المبادئ الدبلوماسية، ومع ذلك نجدها مبررة تماماً في خطاب النظام عن «الثورة» و«قمع الغطرسة العالمية».وبسبب رفض إيران للتصالح مع الغرب وجيرانها، جلبت لنفسها عقوبات متزايدة وعزلة اقتصادية. وسعياً من جانبه للبقاء على قيد الحياة، يعكف النظام على تجنيد متعاونين معه على نحو روتيني، ويقدم مكافآت مالية كبيرة لغسل الأموال والالتفاف على العقوبات. كما ترسل طهران عملاء إلى الخارج لاغتيال معارضين سياسيين وأعداء أجانب ولتنفيذ هجمات إرهابية.ويبدي النظام من جهته التزامه بإعادة مرتكبي هذه الأنشطة غير المشروعة المحتجزين في الخارج، وذلك لضمان ثقة وولاء العملاء الحاليين والمحتملين. وينتمي العائدون الإيرانيون في عمليات تبادل المحتجزين الأخيرة في الغالب إلى هذه الفئة.من ناحيتهم، أوضح المحققون معي في سجن إيفين أنني كنت بيدقاً في عملية تبادل سجناء، وقالوا: «لاستعادة إخواننا، سنفعل أي شيء!».ويعتبر الأكاديميون الأجانب ورجال الأعمال المستقلون والصحافيون وأحياناً السياح، أهدافاً مثالية أمام خطط احتجاز الرهائن من قبل النظام، وذلك لأنهم غير معروفين نسبياً ويفتقرون إلى الحماية السياسية داخل إيران. ومن السهل اختلاق قصص ضدهم لخداع الرأي العام المحلي. في المقابل، لم يفلح النظام قط في إقناع هيئات دولية مستقلة بصحة أي من التهم الموجهة إلى المحتجزين الأجانب.من ناحية أخرى، تتورط الأفرع المختلفة لأجهزة الاستخبارات الإيرانية في هذا الأمر، وتشكل الجاني الرئيسي. وفي حين أنَّ هذه الأفرع فشلت فشلاً ذريعاً في إحباط هجمات بارزة، وتسريبات استخباراتية، وأعمال تخريب واغتيالات - وآخرها مقتل عالم نووي بارز - فإنَّ هذه الوكالات الاستخباراتية، بمساعدة القضاء، تبرع في اختلاق القضايا الأمنية ضد الأجانب.من جهته، قال لي غلام حسين حيدريفار، زميل لي في سجن إيفين، وهو أيضاً قاض سابق سيئ السمعة، بفخر أنه من أجل إعادة عميل إيراني محتجز في أرمينيا، أقدمت وكالة استخباراتية إيرانية على اعتقال أفراد طاقم تصوير أرميني يصور فيلماً في إيران، بغرض تبادل المحتجزين.جدير بالذكر في هذا الصدد أن الفصائل الاستخباراتية المتناحرة في إيران لدى كل منها مصالح مؤسسية، ولدى مسؤوليها دوافع شخصية لإدامة نشاطات احتجاز الرهائن، ولو على حساب صورة إيران الدولية ومصالحها الوطنية على المدى الطويل. على سبيل المثال، تتنافس الذراع الاستخباراتية في الحرس الثوري الإسلامي ووزارة الاستخبارات مع بعضهما البعض على رأس المال السياسي، من خلال عمليات احتجاز رهائن وصفقات تبادل محتجزين. وعادة ما يُكافَأ الضباط المعنيون بالترقيات والمال.ومن المهم الالتفات إلى هذه الخلفية لاستيعاب فحوى دعوة وزير الخارجية محمد جواد ظريف الأخيرة لمزيد من تبادل المحتجزين. ومن غير المعقول أن يكون النظام الذي يقدم على احتجاز مواطنين من دول أخرى رهائن صادقاً في الانخراط في الدبلوماسية مع الدول التي تنتمي إليها الرهائن.وإذا كانت إيران ترغب حقاً في الدبلوماسية، فيمكنها إظهار حسن النية من خلال الإفراج غير المشروط عن بعض الأجانب المحتجزين لديها بتهم ملفقة. ومع ذلك، فإنَّ النظام الذي يشعر بالارتياح في وضعه الراهن باعتباره منبوذاً دولياً، من المرجح أن يواصل أنشطته غير المشروعة في الخارج. وبطبيعة الحال، فإنَّ أولئك الذين يخرقون القوانين الأجنبية نيابة عنه سيجدون أنفسهم خلف القضبان في الخارج، وعليه سيستمر النظام في أخذ احتجاز كي يتمكن من تبادل المحتجزين.ومن أجل وقف احتجاز الرهائن من قبل النظام الإيراني، يجب على المجتمع الدولي العمل معاً، وأول ما يجب فعله تحميل الجناة المسؤولية. ويتعيَّن على الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا وأستراليا، تكثيف العقوبات المستهدفة ـ بالاعتماد على قانون «ماغنيتسكي» أينما أمكن ـ ضد كيانات وأفراد إيرانيين يتورطون في احتجاز الرهائن.وينبغي أن تبرم هذه الدول اتفاقاً مشتركاً لبذل جهود متناغمة فيما بينها في مواجهة عمليات احتجاز رهائن تحت رعاية دولة ما، خاصة إذا كانت هذه الدولة إيران. وينبغي أن تلزم هذه الدول النظام الإيراني بإطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين لديه والتوقف عن مسألة احتجاز رهائن مستقبلاً.لا أحد في العالم ينبغي أن يمر بالمحنة التي كابدتها.
مشاركة :