على صعيد الوطن العربي لا يزال الاستثمار الاجتماعي محدودا على الرغم من تزايد الاهتمام العالمي به، فضلا عن اتساقه مع القيم والمبادئ الإسلامية، إن لم يكن ديننا الإسلامي الحنيف أول من وضع أسسه، ودعا إليه، فلا تزال الدراسات والأبحاث العربية حوله قليلة العدد، كما أن المؤتمرات والملتقيات التي تسلط الضوء عليه عربيا حديثة العهد، إلا أننا لاحظنا خلال السنوات الثلاث الماضية اهتماما متناميا من قبل المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة بهذا النمط من الاستثمار كجزء من التزامها بتحقيق التنمية المستدامة. وفي ظل هذا الواقع جاء مؤتمر الاستثمار الاجتماعي في العالم العربي 2020، الذي عقد في الفترة (23-24) نوفمبر 2020 عبر المنصة الافتراضية (زووم)، تحت شعار «نحو استثمار متمركز حول الإنسان»، بتنظيم كل من مؤسسة جسور التنمية في المملكة العربية السعودية بالتعاون مع شركة قدرة استراتيجي في مملكة البحرين، وشركة «سابر بيزنس ديزاين» في مملكة البحرين، وهدف المؤتمر إلى مناقشة خارطة طريق لمستقبل الاستثمار الاجتماعي في العالم العربي، وإطلاق «صندوق الاستثمار الاجتماعي» لدعم رواد الأعمال الاجتماعيين، وتبادل أفضل الممارسات والمعارف لتمكين المستثمرين من إدماج الأثر الاجتماعي والبيئي في استثماراتهم، وناقش على مدى يومين محاور عدة تضمنت إبراز معالم خارطة طريق للاستثمار الاجتماعي في العالم العربي، وصندوق الاستثمار الاجتماعي، وقياس الأثر الاجتماعي، والابتكار الاجتماعي والاستثمار المتمركز حول الإنسان، وتضمن المؤتمر أيضا عددا من حلقات النقاش ومجموعة من ورش العمل شارك فيها أكاديميون وخبراء متخصصون في الاستثمار الاجتماعي، وعدد من صناع القرار في مؤسسات دولية ذات صلة بالاستثمار والتمويل الاجتماعي مثل الشبكة العالمية للاستثمار الاجتماعي GIIN، ومعهد KPMG للاستثمار الاجتماعي، ومؤسسة Forum for the Future، ومؤسسة Responsible Finance & Investment، ومعهد Deloitte للمراقبة، Bridgespan Group، بالإضافة إلى المؤسسات المالية والاستثمارية العربية، ومؤسسات استشارية متخصصة، فضلا عن ممثلين عن مصارف ومؤسسات مالية، وشركات تجارية واستثمارية، ومنظمات غير ربحية واجتماعية عديدة. وحول واقع الاستثمار الاجتماعي في الوطن العربي صرح الأستاذ محمد الأنصاري رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر بأنه «وفقا لمسح الاستثمار الاجتماعي في الوطن العربي الذي أجرته اللجنة فإن نحو 15% من المستثمرين العرب قد استثمروا فيما لا يقل عن خمسة مشاريع استثمار اجتماعي، ونحو 62% من المستثمرين الذين شاركوا في المسح متفائلون بشأن مستقبل فرص الاستثمار الاجتماعي، وعلى الرغم من أنه محدود حاليا فإنهم يتوقعون له نموا متصاعدا».واختتم المؤتمر أعماله بحزمة من التوصيات المهمة، وزعت على أربعة محاور؛ الأول بعنوان: هوية الاستثمار الاجتماعي، حيث دعا المؤتمرون إلى إطلاق سلسلة حملات توعية بمفاهيم وأهمية الاستثمار الاجتماعي بغية تغيير القناعات حول الاستثمار الاجتماعي، بحيث تتركز كل حملة على شريحة محددة من الشرائح الفاعلة في قطاع الاستثمار، مثلا شريحة صناع القرار في القطاع غير الربحي، وشريحة صناع القرار في القطاع الربحي، وشريحة الباحثين والممارسين، وغيرها. كما دعا المؤتمر إلى تطوير أطر إدارية محددة في الاستثمار الاجتماعي تتناسب مع واقع المنطقة العربية. أما المحور الثاني فكان بعنوان: منتجات وأدوات الاستثمار الاجتماعي، تضمن الدعوة إلى تطوير رحلة متكاملة للاستثمار الاجتماعي تشمل إطلاق حاضنات لأصحاب مشاريع الاستثمار الاجتماعي بدءا من ابتكار الفكرة ثم التمويل والدعم والتوجيه وصولا إلى الاستدامة، كما دعا المؤتمر إلى إطلاق صناديق للاستثمار الاجتماعي سواء كانت بدعم حكومي أو خاص أو من مؤسسات مانحة، ودعا المؤتمر إلى إطلاق مشروعات مشتركة بين القطاع الخاص الربحي والقطاع الاجتماعي غير الربحي، ذات أهداف ربحية واجتماعية في الوقت نفسه. وجاء المحور الثالث ليركز على التعليم والتدريب، فقد دعا المؤتمر إلى ضرورة العمل مع الشركات العربية المتخصصة في تحليل الأثر لتطوير مبادرات تعليمية متكاملة في بناء قدرات المؤسسات في قياس وإدارة الأثر، تشمل بناء القدرات على مستوى القناعات والمهارات والأدوات والأنظمة الداعمة، كما دعا إلى إطلاق برامج تدريبية تخصصية في مجال تصميم وإدارة صناديق الاستثمار الاجتماعي تكون مخصصة للمنطقة العربية. وتضمن المحور الرابع مجموعة من التوصيات المتعلقة بالتشريعات والقوانين، إذ دعا المؤتمر إلى تشريع حوافز ضريبية لمشاريع الاستثمار الاجتماعي، والمؤسسات التي تراعي معايير وممارسات الأثر الاجتماعي والبيئي في أعمالها. ودعا إلى تشريع قوانين تدفع القطاع الخاص إلى تطبيق معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية في أعمالها. كما أوصى بتصميم أنظمة وإجراءات إدارية تعطي وزنا وأولوية لمشاريع الاستثمار الاجتماعي في آليات المنح والدعم، سواء من المؤسسات الحكومية أو حتى تبنيها على صعيد المؤسسات المانحة. وهكذا نجد الطموح والتطلع إلى بيئة حاضنة وداعمة ودافعة إلى الاستثمار الاجتماعي في البلاد العربية، لكن إلى أي مدى تجد هذه التوصيات طريقها إلى التنفيذ؟ هل توجد لجان متابعة لتنفيذ التوصيات؟ للأسف أن ما نجده من طروحات وردية في الملتقيات والمؤتمرات وما نعيشه من أجواء تفاؤلية ينتهي مع قراءة البيان الختامي للمؤتمر، هكذا تعودنا في أغلب الدول العربية، وقد يكون ذلك أحد أهم أسرار تراجعنا في مختلف الميادين، نتحدث كثيرا ولا نملك القدرة على تنفيذ ما نتحدث به مهما كان جميلا وعظيما وذا شأن، فالمثقفون والعلماء والمتخصصون في واد، وصناع القرار في واد آخر. نسأل الله أن يحفظ بلادنا العربية ويعين قادتها لما هو خير وصلاح، إنه نِعم الناصر والمعين.{ أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :