نشرت وسائل الإعلام المحلية إحصائيات تشير لوجود 4 ملايين «عانس» ببلادنا. وكلمة عانس الكئيبة سأستخدمها هنا جدلا وليس موافقة. فما يسمى «بالعنوسة» له أسباب كثيرة غير مرتبطة بالمرأة. فحجة التشرط بالمهور لا تنطبق على الغالبية، فالكثيرون يشترون الرجل المناسب (ولو أنني شهدت عدم جدوى هذا التنازل عموما). وهناك فتيات لا يتزوجن بسبب عضل أوليائهن طمعا في راتبهن مثلا. وهناك شباب لا يريدون تحمل مسؤوليات الزواج وأشكرهم شخصيا على ذلك فقد ريحوا وارتاحوا. وهناك من لم يجد الشخص المناسب المتوافق اجتماعيا أو فكرياً أو روحيا (انعدام الكميستري). وهل يجب أن تتزوج كل فتاة؟ هذا نصيب وقدر مكتوب مثل أي شيء آخر، البعض يتوفق بالعلم أو التجارة أو العمل أو الزواج، والبعض بمجالات أخرى. ولكن المجتمع، رغم تمكين المرأة في الكثير من المجالات، ما زال يعتبر الفتاة غير المتزوجة ناقصة. نعرف أن الزواج سنة الحياة، ولكن لماذا يضع المجتمع المرأة المتأخرة «بمحطة الانتظار»؟ لم لا نستوعب أن هناك فتيات أدركن بأن الزواج: إما أن يضيف إليهن شيئا، ويكون على كيف كيفهن وإلا بلاه أفضل؟ أليست المرأة إنسانا بخيارات وميول وفلسفات؟ يقولون إن المرأة يجب ألا تتشرط وتدقق فالكمال لله. ولكننا لا نسمع انتقادا للرجال المتشرطين بطلبات تعجيزية، وكأنهم يصنعون دمية باربي ولا يختارون شريكة حياة. ولا يلومهم لائم، فالمجتمع يتقبل أن الرجل لو تنازل فربما لن يدوم زواجه. الباحثون قاموا بمهمتهم الإحصائية مشكورين. ولكن هذه خطوة أولى يتوجب إتباعها بتخطيط من جهات أخرى. فماذا يمثل وجود 4 ملايين «عانس»؟ وما نتيجة ذلك ديموجرافيا واجتماعيا واقتصاديا؟ كيف نوظف طاقات 4 ملايين نسمة لنخدم المجتمع ومسيرة التنمية؟ بدلا من النظر إليهن كأوعية أطفال فارغة أو مشروع طاقات ضائعة لم تستخدم بالطبخ وتدليل الأزواج، وكمعضلة وكارثة يجب حلها (ولا حل لها إلا بالزواج أيضا)، فنقترح حلولا كلها تصب لتمشية سوقها لتتزوج؛ كتخفيض التكاليف والتشرطات لنعيد المرأة في تلك الزاوية الضيقة: «فإما الزواج أو الزواج! طيب أو بطال، فظل راجل ولا ظل حيطة. لا والله فالحائط يمكن أن نسند عليه أكثر من بعض الذكور الذي لا يسند ولا يترك مسندا. وسلامة الرجال المحترمين وهم كثار. فلننظر إلى الـ4 ملايين امرأة كطاقة بشرية هائلة يمكن أن تبدع بلا حدود: كباحثة وعالمة أو أكاديمية أو طبيبة تتفرغ وتبدع في مجالها أوكاتبة أو مصممة أو مبرمجة كمبيوتر عبقرية. كيف يمكن أن نطور من البنية التحتية للتعليم والتدريب والتوظيف وحتى الترفيه البريء لتستوعب وتطور هذه الطاقات إيجابيا؟ وكيف نبرمج المجتمع ليستوعب أن المرأة كائن ذو ذمة عقلية ومالية مستقلة كما كفلها لها الإسلام. وهي فرد مستقل بذاته لا يحتاج لرجل ليكمله من نقص بل ليدعمه ويضيف له إيجابا. فلنحطم القوالب النمطية للجنسين. لماذا نتمنى للفتاة أن تكبر ونشوفها عروسة، بينما نتمنى للولد أن يكون مهندسا أو طبيبا؟ فهذه النظرة التي تقلص أحلام الفتاة بالحصول على زوج «يستتها» قاصرة «ومخادعة» ولا تصلح لزماننا الذي أفرز نساء يشاركن في مصاريف المنزل حتى لو تزوجن، وأخريات يعلن انفسهن ووالديهن وعوائلهن. فلنبدل الخطاب التعليمي بكتب المدارس، فنعلم النشء بدلا من: تكنس فاطمة بيتها ويذهب محمد إلى السوق جملا معاصرة وواقعية مثل: تعمل فاطمة في المصرف ويأخذ محمد والدته للمستشفى. ربما يكبر الاثنان فيعرفان المتوقع منهما. وبما أن نسبة «العوانس» إحصائيا في ازدياد (ناهيك عن المطلقات والمعلقات والأرامل والمقطوعات والمعنفات)، فكيف لنا أن نوفر لهذه «الملايين الكثيرة» من النساء بلا أزواج آليات مستقبلية تضمن «استقلالهن وحقوقهن في تقرير المصير» بتسهيل عملهن وتنقلاتهن وعلاجهن وإصدار جوازاتهن وسفرهن دون التعرض للذل والممانعة، فنوفر عليهن وعلينا صداعا كبيرا. فهذه النسبة كبيرة جدا مقارنة بعدد السكان. كيف نستخدم تسهيلات الدولة بحكمة ومرونة لخدمة هذه الفئة من المجتمع؟ فحتى الحيوانات التي تموت أثناء عبورها للطرق السريعة ببعض دول أوروبا حينما ازداد عددها درست لمشكلتها حلولا فبنيت لها أنفاق تحت ــ أرضية لتعبر بسلام. فلم نعجز عن استخدام الإحصائيات لهدفها الأمثل فنقرأ المشكلات التي ستتفاقم مستقبلا ونجد لها حلولا فنسبق عصرنا، بدلا من أن نصبح مجرد باشكتبة نعد ونصرح «ونولول».
مشاركة :