هل الحداثة العربية حداثة رجعية؟ وهل جنى الشعر العربي على الشخصية العربية؟ وهل هناك أنساق ثقافية تسربت من الشعر وبالشعر لتؤسس لسلوك غير إنساني وغير ديمقراطي؟ هذا ما جاء في مقدمة كتاب «النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية» للدكتور عبدالله الغذّامي، الذي كان موضوع جلسة الحوار الافتراضية التي جرت أول أمس في صالون «الملتقى الأدبي»، وأدارت الجلسة أسماء صديق المطوع مؤسسة الملتقى، فرحبت بالدكتور الغذامي قائلة: نلتقي اليوم مع الكاتب والأكاديمي والقامة الفكرية والنقدية الكبيرة لمناقشته كتابه المهم «النقد الثقافي» الذي يحلل فيه المردود الثقافي لسلطة البلاغة على الثقافة، ويكشف الأنساق التي تتحكم في خطاباتنا، مركزاً على الشعر وبلاغته وجمالياته والفارق بين النقد الأدبي والنقد الثقافي، وعلاقة جمال النص بأفكاره. لا إلغاء للذاكرة وتحدث د. الغذامي قائلاً: النقد الثقافي لا يبدأ من الصفر، وليس هناك إلغاء للذاكرة المعرفية. ثم قرأ هذا البيت من الشعر: «ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم - بهن فلول من قراع الكتائب»، وأخذ يحلل هذا البيت مشيراً إلى أنه ذم بصيغة المديح، مع أنه يضرب فيه المثل في البلاغة. ولكن إذا استخدمنا منهج البنيوية نكتشف الأبنية التي يتشكل منها البيت وهي ثلاثة: 1- ولا عيب فيهم (مدح)، 2- غير أن سيوفهم بهن فلول (هذا الاستدراك يوحي بالذم)، 3- من قراع الكتائب (هنا استكمل البيت صورة المديح، وهو القلب والأهم في البيت). وفي منهج التفكيكية، نرى أنه مختلف عن الرؤية البلاغية والبنيوية، لأن البيت مخالف للمنطق. وبالتشريحية نقول: نعم، إننا نفكك بغرض إعادة البناء. وأوضح الناقد أن نظام المديح يقوم على هذه اللعبة البلاغية. ولكننا إذا أضفنا السيميولوجيا نكتشف الأنساق المختبئة داخل البيت، حيث صار العيب في السيوف هو القوة، فالسيف وقوة السيف تعني الفحولة في الخطاب الثقافي الجاهلي، وتغييب الأنوثة. وهذا ما نجده مستمراً حتى اليوم في شعر نزار قباني الذي قدم المرأة جسداً وليس عقلاً؛ لأنه ورث «اللحن الثقافي» عبر الأنساق في نوعية الخطاب. أمة شاعرة ثم انتقل الحديث إلى الحكاية التي تقدم المرأة على أنها بسيطة، مطيعة ومؤدبة، أما الرجل فهو السيد المسيطر، أو «سي السيد» كما ورد عند نجيب محفوظ. وأشار إلى أهمية كتاب «تحرير المرأة في عصر الرسالة» وهو من ثلاثة أجزاء. ولكن الإشكالية أننا أمة شاعرة، والشعر ديوان العرب، ونحن مولعون بجماليته الانتشاء بها، مثل الحلويات لها لذتها ونستهلكها بمتعة رغم مضارها. وتطرق في حديثه إلى النكتة والأمثال الشعبية والأزياء وكلها تمتهن إنسانية المرأة، والشعر لم يكن بريئاً من ذلك، مؤكداً على أن النقد الأدبي لا يحقق ما يحققه النقد الثقافي، مشيراً إلى أن جماعة النقد الأدبي يحاربون النقد الثقافي. إعادة بناء المفاهيم وجاء في مداخلة الدكتورة الشيخة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، أن الإبداعات الأدبية تنظر للمرأة من خلال مفاهيم تتكئ على نظرة مادية ترى الجمال في تفاصيلها الظاهرة، ونظرة أخرى تركن لموروث تم تلبيسه قدسية دينية تجعل من المرأة كياناً من الدرجة الثانية، وما كان للمرأة ككيان إنساني متكامل من وجود حقيقي في الإبداع الأدبي العربي التراثي أو الحديث (إلا قليلاً)، فهل هذا نتيجة تراكم رؤية قاصرة للمرأة في الثقافة العربية لدرجة أننا من الممكن أن نجد مبدعات يكتبن بنسق ذكوري!.. كيف يمكن للنقد الثقافي أن يفكك تلك التراكمات ويعيد بناء المفاهيم الجمالية؟ وأجاب د. الغذامي قائلاً: إذا نظرنا إلى المرأة في الميراث الثقافي، نرجع إلى أول كتاب لأفلاطون، وحتى بعد عشرين قرناً ظل موروثاً للرجل، وهذا التراكم يكشف الخلل الكبير في الثقافة، مشيراً إلى معاناة مي زيادة وباحثة البادية. أما اليوم، فقد تجاوزت المرأة زمن المعاناة، وأصبحت رائدة، وبدأت تدخل الفضاء الثقافي العام، مضيفاً أننا لابد أن نعدل مفهوم المساواة، بحيث تقاس هيمنة الرجل عبر الإنتاجية، والمرأة كلما أصبحت منتجة تفرض مفاهيمها كفرد، ولكن بقي أن تفرض مقاماً لبنات جنسها. وفي منطقة الخليج، بدأ المنتوج يجري في الثقافات، ويجعل دائرة الثقافة تتسع، ولكن يظل النسق وتفاوت الحضور الثقافي محسوساً بين الرجل والمرأة ويجب أن نشتغل عليه. وجاء الختام مع مداخلة د. رفيعة غباش وأهمية التعليم والمناهج التي تهز الأنساق، وتعمل على البحث عن عدالة إنسانية للرجل والمرأة
مشاركة :