ثقةً في إمكانية الاقتصاد السعودي على تجاوز الظروف الراهنة في الأسواق النفطية العالمية، بدأت صناديق محلية سعودية، باستثمار نحو 43.7 مليون دولار (164 مليون ريال) كصافي أموال جرى خلالها شراء أسهم مدرجة في السوق المالية المحلية خلال الأيام الثلاثة الأولى من تعاملات الأسبوع الحالي، مؤكدةً بذلك أن المملكة لن تتوجه إلى سد عجز الموازنة من خلال بيع الأسهم في السوق المحلية. وبحسب تحليل «الشرق الأوسط»، فإن سوق الأسهم السعودية فقدت خلال الأيام الثلاثة الماضية نحو 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)، يأتي ذلك وسط خسائر فادحة مُنيت بها معظم أسهم الشركات المدرجة، التي بلغت خسائر عدد منها نحو 25 في المائة خلال 3 أيام تداول فقط، وسط حالات من الهلع التي اجتاحت نفوس المتداولين الأفراد. وقال مصدر سعودي مسؤول عبر بيان صحافي يوم أمس: «إشارة إلى ما ورد في بعض وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية وتضمن أن الخسائر المتلاحقة بالسوق السعودية، حدثت بسبب مبيعات حكومية، ومبيعات قامت بها جهات كبيرة بهدف توفير سيولة في ظل استمرار تراجع النفط، وإصدار سندات دين لتمويل عجز الموازنة، وعليه فإن هذا الادعاء غير صحيح جملة وتفصيلاً». وأضاف المصدر ذاته: «وفقًا للبيانات اليومية الواردة من شركة السوق المالية (تداول)، فإنه لم يحدث عمليات بيع أو شراء من الحكومة والصناديق التي تتبع جهات حكومية خلال الأيام والأسابيع الماضية، تخرج عن المستويات المعتادة في إطار القرارات الاستثمارية لتلك الجهات». وفي تفاصيل أكثر فقد بلغت عمليات شراء وبيع الصناديق التابعة للحكومة خلال الأيام الماضية كما يلي: يوم الأحد (مطلع الأسبوع الحالي) بلغت قيمة الشراء نحو 51.45 مليون ريال (13.72 مليون دولار)، فيما بلغت قيمة البيع نحو 37.47 مليون ريال (9.9 مليون دولار)، بصافي شراء 13.98 مليون ريال (3.7 مليون دولار). وأوضح المصدر أنه في يوم الاثنين الماضي بلغت قيمة الشراء نحو 64.59 مليون ريال (17.22 مليون دولار)، فيما بلغت قيمة البيع نحو 57.94 مليون ريال (15 مليون دولار)، بصافي شراء 6.65 مليون ريال (1.7 مليون دولار). وأشار المصدر إلى أنه في يوم الثلاثاء (أول من أمس) بلغت قيمة الشراء نحو 156.24 مليون ريال (41.66 مليون دولار)، فيما بلغت قيمة البيع نحو 95.07 مليون ريال (25.3 مليون دولار)، بصافي شراء 81.8 مليون ريال (21.8 مليون دولار). وأكد المصدر ذاته أن إجمالي ملكية الصناديق التابعة للحكومة خلال الفترة من بداية العام الميلادي الحالي وحتى يوم أول من أمس (الثلاثاء)، لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر، وقال: «الحكومة لم تتداول في أي من الأسهم المدرجة في السوق السعودية خلال الأيام والأشهر الماضية، كما أن التداولات المشار إليها أعلاه تمت من قبل الصناديق التابعة للحكومة التي تستثمر أموالها الخاصة مثل التأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد». وأوضح المصدر أن شركة السوق المالية (تداول) تطبق أفضل نماذج الإفصاح المعمول بها في الأسواق المالية العالمية، وأنها توفر يوميًا بعد إغلاق السوق بيانات عن تغيرات كبار الملاك في الشركات المدرجة، بما في ذلك ملكية الحكومة (صندوق الاستثمارات العامة)، مضيفًا: «كما أنها تعمل بشكل مستمر وفي ظل التشريعات الصادرة من هيئة السوق المالية على تعزيز الإفصاح وتوفير المزيد من البيانات التي تهم المستثمرين بما يتيح لهم اتخاذ قراراتهم الاستثمارية وفق معلومات دقيقة». وكان مؤشر سوق الأسهم السعودية مع إغلاق تعاملاته يوم أمس (الأربعاء)، قد كسر حاجز 8000 نقطة، مغلقًا بذلك على تراجع بنسبة 2.5 في المائة، عند 7991 نقطة بخسارة 205 نقاط، مسجلاً بذلك أدنى إغلاق في 8 أشهر، وسط تداولات بلغت قيمتها 5.4 مليار ريال (1.44 مليار دولار). وشهد مؤشر سوق الأسهم السعودية، مع ختام تعاملاته يوم أمس، تراجعًا متواصلاً للجلسة السابعة على التوالي، محققًا بذلك خسائر بأكثر من 800 نقطة، في أطول سلسلة خسائر تجتاح تعاملات السوق منذ نحو 9 أشهر متتالية. من جانبه، أوضح عبد الرحمن بن يحيى اليحياء رئيس مجلس إدارة شركة أصول وبخيت الاستثمارية - مرخصة من هيئة السوق المالية - أن الحكومة السعودية لا تحتاج إلى مثل سياسة تسييل الأسهم وبيع أصولها الاستثمارية في الشركات المدرجة، مشددًا في هذا الصدد: «من خلال تجربتنا لا تلجأ الدولة إلى بيع أسهمها حتى في أصعب الظروف وهي غير مضطرة لذلك». وأبان اليحياء لـ«الشرق الأوسط» أن توجه الدولة للشراء في سوق الأسهم خلال هذه المرحلة هو الأقرب مع توافر فرص عدة يمكن استفادة الصناديق الحكومية لزيادة مراكزها بها، رافضًا فكرة اتجاه الدولة للاستفادة من سوق الأسهم في تقوية وضعها المالي في ظل عجز الموازنة الحالي، مشيرًا إلى أن لديها وسائل أكثر إغراء وخالية من المخاطر كطرح سندات التنمية الحكومية. وقال اليحياء، إن لدى الدولة طرقًا عدة في التمويل، أبرزها ما توجهت إليه - أخيرًا - عبر طرح سندات التنمية الحكومية التي اتجه إلى شرائها الصناديق الحكومية والبنوك التجارية، التي تحوي معدلات فائدة مغرية، تمثل بالفعل فرصة استثمارية لمصدّر ذي ملاءة وقوة مالية كالحكومة السعودية التي تعد بين أكبر الاقتصادات العشرين في العالم. وأضاف اليحياء، أن لدى السعودية احتياطات ضخمة يجعلها لا تلتفت لممارسة ضغط على سوق الأسهم المحلية، بل العكس تمامًا؛ إذ يهمها تقوية السوق وتماسكها من أي تراجعات، مفيدًا في الوقت ذاته بأن المستوى النقطي الذي وصلت إليه سوق الأسهم الحالية دون حاجز 8 آلاف نقطة تعد فرصة سعرية مغرية لكثير من المحافظ، وصناديق الاستثمار، والمستثمرين الأفراد، وشركات الوساطة، والمستثمرين الأجانب. وعلى صعيد القراءة الفنية، أوضح شبيب الشبيب محلل الاستثمار في السوق المالية أن سوق الأسهم السعودية أظهرت منذ قبيل رمضان المبارك إشارات واضحة بأنها في منطقة ارتدادية بضغوطات فنية وموسمية، موضحًا أن السوق - حاليًا - تقع ضمن موجة هبوط ثالثة، التي قد تشهد مزيدًا من الانخفاضات تدفعها الحالة النفسية والرؤية غير الواضحة لدى شرائح المتداولين، لا سيما الأفراد. ويضيف الشبيب، أن القراءة الفنية تكشف أن سوق الأسهم عادت من 11 ألف نقطة إلى 8 آلاف نقطة، وعادت إلى مستويات 9800 نقطة قبل هبوطها إلى 8900 نقطة، وعادت مجددًا إلى 9400 نقطة لتسير من مرحلة عودة إلى المستويات الحالية دون 8000 نقطة خلال عام، وهي ما تجسد موجة من ضمن الموجات الفنية الخمس المعروفة لدى الفنيين، وبالتالي فإن الأمل يكمن في عملية الارتدادات الإيجابية، وكذلك الأنباء التفاؤلية حول مؤشرات الاقتصاد الكلي، والظروف السياسية التي تدعم حالة السوق. وأضاف المحلل الاستثماري، أن السوق مرشحة لموجات جديدة من التراجع تتمثل في موجة رابعة وخامسة لا يمكن تحديد مداها، ولكن ذلك لن يمنع من توقع حالة إيجابية في حال الوصول إلى مستوياتها ليبحث المؤشر العام عن العودة لملامسة حاجز 9800 نقطة، مستهدفًا موجة صعود ستستهدف حاجز 12 ألف نقطة، موضحًا أن الحديث لا يزال مبكرًا على ذلك ويحتاج إلى مساحة زمنية لبلوغها، ولكن ذلك يعطي مؤشرًا تفاؤليًا للمتداولين. وقال الشبيب لـ«الشرق الأوسط»، إنه رغم ذلك لا بد من التأكيد على ضرورة لجوء الموجة الهابطة الحالية لارتدادات مغرية يمكن للصناديق والمستثمرين الاستفادة منها خلال تداولات الأسهم في الفترة المقبلة، موضحًا أن هناك صناديق استثمار ومتداولين أفرادًا يدركون الفرص المتاحة لمستوى أسعار الشركات الحالية. وتأتي هذه التطورات في وقت أبدت فيه هيئة السوق المالية السعودية في وقت سابق تفاؤلاً كبيرًا بخطوة فتح سوق الأسهم المحلية في البلاد أمام المؤسسات المالية الأجنبية للاستثمار المباشر، مؤكدةً في الوقت ذاته أن المستثمرين الأجانب المتخصصين سيسهمون في الحد من التذبذب الكبير في الأسعار. وأكد محمد الجدعان، رئيس مجلس هيئة السوق المالية السعودية حينها، أن هناك أهدافًا عدة ترمي المملكة إلى تحقيقها عبر السماح للمؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة بالاستثمار في الأسهم المدرجة بالسوق المالية السعودية، أهمها استقطاب مستثمرين متخصصين لتعزيز الاستثمار المؤسسي، ورفع مستوى البحوث والدراسات عن السوق المالية السعودية. وأضاف الجدعان: «هيئة السوق تسعى منذ إنشائها إلى تطوير السوق المالية السعودية، وقرار السماح للمستثمرين الأجانب سيسهم في تحقيق ذلك من خلال أهداف عدة على المدى القريب والبعيد، تشمل إضافة خبرات المستثمرين الدوليين المتخصصين للسوق المحلية، وتعزيز مساعي الهيئة نحو زيادة الاستثمار المؤسسي في السوق»، لافتًا النظر إلى أن المستثمرين الأجانب المتخصصين يتوقع أن يسهموا في الحد من التذبذب الكبير في الأسعار، كما أنهم سيعملون على تعزيز كفاءة السوق وتحفيز الشركات المدرجة على تحسين مستوى الشفافية والإفصاح وممارسات الحوكمة.
مشاركة :