يصف الروائي الإسباني كارلوس زافون المصادفات بأنها: جراحٌ على وجه القدر.بين مصادفة تعرفي على نتاج كارلوس زافون ورحيله عن دنيانا فاصل زمني قصير -أقل من عامين تقريبا- لم أكن أعرف بتاتا كاتبا بهذا الاسم، ولولا توصية من بائع في دار مسكلياني التونسية أثناء تجولي في معرض الكتاب بجدة في دورته الأخير، لربما فاتني أن أعرف «زافون» في تلك اللحظة تحديدا.الأهم أن تلك المصادفة حملت جماليتها، وقد كنت حينها أبحث عن روايات إفريقية، لم أظفر بها، لكن تلك النصيحة أهدتني «ظل الريح، وسجين السماء، ولعبة الملائكة» وهي أهم ثلاثة كتب من سلسلة مقبرة الكتب المنسية، ولم يكن بين ما ابتعته من الدار نفسها رابع كتب تلك السلسلة «متاهة الأرواح» ربما لأنها لم تترجم للعربية في حينها.حين أُعلنت وفاة «زافون» بسبب إصابته بكورونا، عدت لقراءة ظل الريح وسجين السماء ولعبة الملائكة، فوهبتني عالما رائعا واكتشافا لذيذا مشوبا بألم رحيل كاتب حقيقي ومختلف.يقول «زافون» في «ظل الريح»: كل كتاب وكل مجلد تراه هنا، له روح، روح من كتب، ومن قرأ، ومن عاش، ومن حلم بها.وسأضيف: وروح من سكن تلك الكتب من الشخصيات، فقد أحببت دانييل ووالده ومارتين وعائلة بائعي الكتب: سامبيرى، وشخصية إيزابيل وشخصية كريستينا، وبيدرو بيدال، مرشد البطل، كي يسلك طريقه وسط الطبقة الراقية، كما عشقت بحب طريقة «زافون» في خلط الأوراق وتسيير الأحداث والقدرة على ابتكار حيل السرد ومد حبله بتشويق مثير، وبنفس طويل يعكس قدرة هائلة على جمع الأفكار وترتيبها سرديا، وبنائها بأسلوب حكائي جميل، تجعل منه واحدا من أكثر الروائيين المعاصرين براعة في خلق أسلوبه الكتابي، الذي يقوم على سرد حكايات بسيطة وهامشية وفردية في فكرتها وموضوعها، إلا أنها تغوص بنا في روح الإنسان عامة وعن عزلته وآلامه وصراعه الداخلي، تأخذنا إلى عالمنا الهش وذواتنا المعزولة، وتجاربنا التي يمكن أن تصنع عالما من الحكايات اللذيذة، متى قام على سردها بارع يستطيع تحويلها مادة مقروءة.
مشاركة :