أقام المكتب الثقافي المصري بالرياض ندوة تحت عنوان الثقا فة في مواجهة التطرف والإرهاب تحت رعاية سعادة السفير/ أحمد فاروق سفير جمهورية مصر العربية بالمملكة العربية السعودية، وحضور القنصل العام الدكتور إيهاب عبدالحميد، وتحت اشراف الاستاذ الدكتور عمرو عمران الملحق الثقافي ورئيس البعثة التعليمية المصرية بالمملكة وشارك فيها من مصر الكاتب الصحفي صبحي شبانة مدير مكتب "روز اليوسف" بالسعودية، والمفكر السعودي البارز الدكتور عبدالله بن موسى الطاير رئيس مركز مستقبل الخليج في لندن، وأكد الأستاذ الدكتور عمرو عمران في كلمته الترحيبية على حرص المكتب الثقافي والتعليمي المصري بالمملكة على مناقشة القضايا المهمة من منطلق الإيمان بأن الفكر هو الأساس القوي الذي تنهض به الأمم والشعوب وتواجه به تحدياتها، وتستشرف من خلاله ملامح مستقبلها . وقال إن ظاهرة ما يسمى بالارهاب وما يرتبط بها من جماعات وتيارات ظلامية هي أخطر التحديات التي تواجهنا ، مشيرا إلى أن هذه التيارات تتباين من حيث الأساليب والآليات والأولويات والهياكل التنظيمية إلا أنها تنطلق من معين واحد، وتشترك في استغلال الدين لتحقيق أهداف ومآرب سياسية. وأوضح الدكتور عمران أن تنظيم هذه الندوة جاء لعدة اعتبارات رئيسية، أولها أن الدين الإسلامي يدعو إلى التسامح والمحبة والرحمة وإعمال الفكر، وثانيها كشف حقيقة هذه الجماعات وخطورة أفكارها لأنها رغم فشلها لاتزال تمضي في طريق لخداع، وتقديم نفسها على أنها الحل رغم أنها المشكلة الأكبر التي تواجه تقدم مجتمعاتنا، وثالث الاعتبارات هو أن خطر التطرف والإرهاب والجماعات المرتبطة به لايهدد فقط وحدة المجتمعات العربية والإسلامية، وإنما يقدم خدمة مجانية لأعدائه المتربصين الذين يريدون إلصاق تهم الإرهاب والتعصببه، وهو دين العلم والعقل والتسامح والحوار وقبول الآخر . من جانبه قال الكاتب الصحفي صبحي شبانةأن مشروع الإسلام السياسي لم يفلح حتى هذه اللحظة في تقديم النموذج او الحل كما طرح منذ عشرينيات القرن الماضي، داعيا الى ضرورة كشف مقولات وأدبيات هذه الجماعات، والتصدى لها بنفس منطقها، مضيفا أنهلا خلاص لمجتمعاتنا الإسلامية إلا بالتنوير، وأن الاكتفاء بتجديد أو إصلاح الخطاب الديني ليس كافيا. وأوضح أن هذه الجماعات الإرهابية التي تفشت كالوباء في مجتمعاتنا، واصطلى بنارها العالم، انطلقت من فساد في الفكر، ومن خطأ في المنهج بتحويلهم الدين الى أيديولوجيا سياسية . وأضاف أن كل الجماعات والتنظيمات التي اتخذت من العنف وسيلة للتغيير طيلة التاريخ الإنساني فشلت حتى وإن وصلت إلى السلطة، وأشار الى أن الجماعات المتطرفة تستند إلى شعارات جوفاء تنتهي عادةً إلى لا شيء، وقد لمسنا في مصر نتائج هذه الشعارات، بدءا من شعار "الإسلام هو الحل" الذي رفعه الإخوان في ثمانينيات القرن الماضي، وانتهاء بشعار"مشروع النهضة" الذي أفضى إلى أزمة "سد النهضة". وأكد أن كل هذه الجماعات والتيارات تتلاعب بالنص الديني وفقا لأهدافها ومصالحها مدللا على ذلك بما فعلته الجماعة الإسلامية في مصر عندما أصدرت عام 1981 م، كتابا أطلقت عليه "الميثاق الإسلامي"، كفَّرت فيه المجتمع والدولة، وبرهنت فيه على ذلك بالآيات والأحاديث ومقولات للفقهاء وفي العام 1997 م حينما تراجعت عن أفكارها - بعد المصالحة مع الدولة - تبنت رأيا مناقضا تماما،ً ثم برهنت عليه أيضا بالآيات والأحاديث وأقوال الفقهاء في تلاعب مفضوح بالنص الديني، واستغلاله أسوأ استغلال في خدمة الدنيا وشدد الكاتب الصحفي صبحي شبانة على أهمية الخطاب التنويري كمشروع متكامل في الفكر والعلم والرؤية ، مشير اً إلى أهمية التمييز بين الدين والسلطة السياسية حتى لا يتحول الدين إلى أيديولوجيا، لأن الدين عقيدة دينية، وليس عقيدة سياسية، وهو ما ركزت عليه تجربة القيادة المصرية في التصدي للإرهاب وتجفيف منابعه والقضاء على مبررات وأسباب الفكر المتطرف بالتنمية وتفعيل خطاب التنوير، وكذلك تجربة المملكة العربية السعودية التي حققت وتحقق في الوقت الراهن قفزات تنويرية وتنموية هائلة نقلت المجتمع السعودي إلى مراحل متقدمة جدا من خلال “رؤية المملكة 2030” وتطرق المفكر السعودي الدكتور عبد الله بن موسى الطايررئيس مركز مستقبل الخليج في لندن، إلى جذور التطرف، ومزاعم المتطرفين والشبهات التي أثاروها سواء في الفكر السني أو الشيعي، واستعرض الدور الذي اضطلعت به جماعة الإخوان المسلمين في تهيئة المناخ الاجتماعي والثقافي الناقم على أنظمة الحكم والداعم للثورات وزعزعة الاستقرار لتحقيق غاية وصولها إلى الحكم، وسيطرتها عليه تحت دعاوى الحاكمية والحل الإسلامي. واستعرض الدكتور الطاير العلاقة بين فكر الإسلام السياسي والشيعي ومواضع اللقاء المكاني والزماني بين الجانبين، وكيف استغل الغرب فيما سمي "الربيع العربي" لوضع العالم العربي بين كماشتي المرشد الأعلى الشيعي والمرشد العام السني. وحول المشهد السعودي، ذكر الطاير في سياق ورقته أنه منذ توحيد المملكة العربية السعودية عام 1932 م لم تحدث عملية إرهابية رغم التشدد الديني والمحافظة المجتمعية وقلة التعليم إلا عام 1979 م بعد عشرة أشهر من قيام ثورة ولاية الفقيه، حيث تم استنساخ النموذج بمبايعة فقيه اسمه المهدي المنتظر، وأنه منذ قيام ولاية الفقيه في إيران وحتى الآن شهد العالم الإسلامي تنامي ظاهرة التطرف والغلو والإرهاب في المجتمع الإسلامي وخارجه . وتحدث الدكتور الطاير عن المظلة التي وفرتها الأنظمة الغربية التي تساهلت تحت دعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير مع الفكر المتطرف الذي أصبحت له عواصم يظهر منها في الإعلام ويثير الكراهية والتحريض على الغرب نفسه. وشدد الدكتور الطاير في ختام ورقته على أهمية مواجهة الفكر بالفكر إضافة إلى المواجهة المسلحة، مؤكدا على أهمية ترسيخ مفهوم التسامح والتعايش، والتعليم الناقد، والترفيه، والدعوة للحياة، ومعالجة الإشكالات التنموية وفتح باب الأمل على مصراعيه للشباب .
مشاركة :