قال الفنان ماتيو الخضر، صاحب الصوت الأوبرالي المعروف في لبنان والعالم، إن انفجار بيروت ولّد لديه حزناً عميقاً أثّر عليه جسدياً ومعنوياً. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أسكن في منطقة محاذية للمرفأ، وأتى الانفجار على كامل بيتي وأثاثه وحيطانه. وعندما رأيت قوة الانفجار، وما نتج عنه من دمار وضحايا، أُصبت بصدمة أثّرت علي. ففقدت حاسة النطق وقدرتي على الغناء، وتدهورت حالتي النفسية حزناً على مدينتي التي أعشق».الكونتر تينور ماتيو خضر وُلِد في لبنان وتنقّل بين باريس وجنيف. تربى في بيت يتذوق الموسيقى والفنون، وهو ما انعكس إيجاباً على تكوينه الفني. ويُعدّ اليوم أول فنان أوبرالي يدخل موسيقى الـ«باروك» إلى الشرق الأوسط. وهذا النوع من الفنون اشتهر في القرنين السابع عشر والثامن عشر في عصر النهضة الأوروبية. وهو فن شامل يجمع تحت سقفه الرسم والنحت والهندسة المعمارية إضافة إلى الموسيقى. وهذه الأخيرة لعبت دوراً بارزاً في تلك الحقبة، فكانت بمثابة فن «الروك» اليوم بسبب الشعبية الكبيرة التي كانت تحصدها. ويوضح ماتيو الخضر: «كانت موسيقى الـ«باروك» (Baroque) ذائعة الصيت يؤديها قلّة من الفنانين، فينتظرهم هواة هذه الموسيقى ويتماهون مع نوتاتها إلى حدّ فقدانهم الوعي لحبّهم الكبير لها. وعندما غادرت إلى باريس عرّفوني على هذه القيمة الفنية التي أملكها في أسلوب أدائي بالفطرة. ومنذ ذلك الوقت أصبحت معروفاً بهذا النوع الغنائي الأوبرالي وتحوّلت إلى مهنة لي».عاش ماتيو الخضر فترة طويلة متنقلاً بين باريس وجنيف، وفجأة أخذ قراره بالعودة إلى وطنه الأم. «لقد كان قراراً شجاعاً اتخذته عن قناعة كاملة. فالعروض والفرص التي كانت متاحة لي في الخارج لم تثنني عن العودة إلى بلدي. فلبنان أعطانا الكثير، وجاء دورنا لنعطيه من ذاتنا ونسانده. هكذا فكّرت يومها وعدت متحمساً لملاقاة منارة الشرق، لأغرف من حناياها وأزودها في الوقت نفسه بنبض الفن الراقي».يحضر ماتيو خضر حالياً في «مهرجانات ثقافية أيتام» في بيروت، حتى إن منظمي معارض الرسم والنحت، إضافةً إلى أصحاب متاحف معروفة، يصرّون على وجوده في حفلاتهم. فصوته الأوبرالي المصقول بثقافة فنية تجمع بين الشرق والغرب ميّزته عن غيره، وصارت تلوّن أي نشاط فني يُقام في بيروت.وفي 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي يحيي ماتيو الخضر، وضمن مهرجانات «بيروت ترنم» حفلاً أوبرالياً في كنيسة مار مارون في الجميزة التي أخذت نصيبها من انفجار بيروت. ويعلّق: «عندما اتصلت بي منظمة المهرجان ميشلين أبي سمرا طالبة مني المشاركة في هذا المهرجان المنتظر بموعده سنوياً من قبل جميع اللبنانيين، تأثرت واغرورقت عيناي بالدموع. كنت لا أزال تحت تأثير صدمة الانفجار، وجاء العرض ليلوّح لي ببارقة أمل وسط كل هذه العتمة». كما يطل ماتيو أيضاً في احتفال تقيمه مبادرة «بيروت سيتي أوف لايف»، ليصدح صوته خلال إضاءة شجرة الميلاد في منطقة مار مخايل. ويعلّق: «هذا الحدث يعني لي الكثير، لا سيما أن منطقة مار مخايل ترمز إلى بيروت الحياة. وأنا سعيد كوني أشارك في احتفالات مماثلة من شأنها أن تزودنا بالأمل والتفاؤل، وتعيد بيروت إلى الصدارة».يغرّد ماتيو الخضر خارج السرب في الفن الذي يمتهنه؛ فهو لا يبغي الربح أو التجارة من خلال موهبة يمتلكها ويعتزّ بها. ويقول في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أعيش على سجيتي ألحق بموهبتي، وأنمّيها من أجل إبراز صورة لبنان الجمال. وعندما أحيي حفلات في دول عربية وغربية أكون في قمة السعادة، خصوصاً أن بعض هواة الفن الأوبرالي يعتبرونني قدوة لهم».وقف ماتيو الخضر في دار الأوبرا الكويتي، وكذلك على مسارح عالمية بعيد شهرة كبيرة حصدها من خلال مشاركته في برنامج «ذا فويس»، في نسخته الفرنسية. فحصد المركز الثاني بعد الفائز الأول، ولاقى ترحيباً كبيراً من قبل الإعلام الفرنسي. وعن ميزة كل جمهور التقاه في حفلاته يقول: «لكل جمهور ميزته وأسلوبه في تلقف الموسيقى. وأحمل لجمهوري الغربي كل التقدير لتفاعله الكبير معي، وأنا على المسرح. وكذلك الأمر بالنسبة لجمهوري في البلدان العربية؛ فهو من الذواقة، ويحب ما أقدمه. أما في بيروت فيتماهى معي اللبنانيون وبشكل طبيعي ويعبرون عن إعجابهم بأسلوب واضح وعاطفي لا يشبه غيره».لا يوفّر ماتيو الخضر سماع أغانٍ لنجوم لبنانيين وغربيين وعرب. ويقول: «أحب الاستماع للموسيقى على أنواعها. فكما ماريا كاري وليدي غاغا، كذلك أحب سماع أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وأسمهان وهيفاء وهبي وغيرهم. فأقطف من كل منهم ما يهمني لأزود به خبراتي الغنائية، فتصبح غنية وشاملة بشكل كبير».وعما تعلّمه من أغاني أسمهان التي كان يقلّد أداءها في صغره يقول: «أخذت منها نقاوة الصوت وكيفية أداء التربيعات الصغيرة المشهورة فيها. كما عرّفتني على موسيقى التانغو في ألحان محمد عبد الوهاب». وعن تأثره بصوت الراحلة أم كلثوم يقول: «منها تعلّمت تقطيع النفس أثناء الغناء؛ إذ كان لديها مقدرة هائلة في أداء مواويل طويلة لا تتكرر. وهذه التقنية عادة ما أستخدمها أثناء غنائي في الألمانية، فأردد عبارة (آخ) مثلها تماماً».ومن ماريا كالاس سيدة الأوبرا العالمية، تعلّم ماتيو الخضر اللون الدرامي في الأداء الغنائي. «لقد كانت تتفوق على غيرها في هذا المجال، فتمدك بالدفء والحزن من دون مبالغة».يصف ماتيو الخضر نفسه بالمؤدي الذي يحب المزج بين أساليب الموسيقى، وبأن تجاربه تطوّرت مع الوقت، لا سيما أنه شغوف بعمله. ويختم: «حبّي للغناء وُلد عندي بالفطرة، ومن ثم صقلته بالدرس والاجتهاد. لا أشعر أني أمارس عملاً عندما أحيي حفلاً. فلقائي بالناس وتفاعلهم معي يعني لي الكثير. لذلك أرفض القيام بحفلات افتراضية، لأنها تفتقد هذا التفاعل الذي أحبّ».
مشاركة :