ساعات قليلة تفصلنا عن بداية عام دراسي جديد بعد إجازة استمرت قرابة ثلاثة أشهر، استمتع بها الطلاب والطالبات سواء في الراحة، أو التنزه، أو بالسفر، الأمر الذي يتطلب منهم أن يكونوا جادين وملتزمين مع بداية فتح الأبواب المدرسية، معلنةً بدء عام دراسي يتطلع له الجميع أن يكون مفيداً وإيجابياً من ناحية المخرجات التعليمية. وأجمع عدد من التربويين على أن الانضباط في المدرسة لا يتم إلاّ بتكاتف المنزل والمدرسة وإدارة التعليم، وأن الحزم والجدية في تنفيذ التعليمات والعقوبات الصادرة من وزارة التعليم على الطالب والمعلم هي من يقضي على ظاهرة الغياب، ويجعل البداية جادة نحو تعليم مُثمر بإذن الله. ومن الأسباب التربوية التي تنفّر الطلاب من المدرسة عدم وجود اهتمام فعلي من جانب بعض الإدارات المدرسية بمتابعة مواظبة الطلبة، من خلال تراخيها في تطبيق النظام بحق المتغيبين، وكذلك غير المواظبين، وهو ما يتطلب تكاتف جميع الجهود وتنسيق المواقف بين جميع الإدارات المدرسية تجاه التزام الحضور والمواظبة على الدوام المدرسي قبيل الإجازات الرسمية وبعدها، كذلك تغيب عن بعض الإدارات المدرسية عدم تفعيل الأيام الأولى من الدراسة بشكلها الصحيح، من خلال غياب الفعاليات الجاذبة أو الأنشطة المسلية في الأيام الأولى، وهو ما يولّد النفور من المدرسة، وهنا يجب أن تعي الإدارات المدرسية أهمية وجود الفعاليات التي تساهم في إدخال السرور والترفيه على الطلاب، ومن ثم قبولهم التعليم من دون غياب. غياب التنظيم وقال عبدالعزيز سلمان - طالب: في الأسبوع الأول من الدراسة لا نجد تنظيماً واضحاً يُحمسنا نحو المدرسة، خصوصاً في المرحلة الثانوية، فيكتفي المعلمين بإعطائنا الكتب من دون ترتيب للجدول أو الحصص، ونستمر لمدة لا تقل عن الأسبوعين من دون هدف واضح وسياسة تعليمية منظمة، نضطر معها أن نحمل جميع الكتب الدراسية بسبب تغيير الجداول أو تأخير تسلمها، مضيفاً أن عدد الكتب كثيرة وفي الوقت نفسه ثقيلة، ومع ذلك نجد أن أغلب الفصول خالية من الشرح، وهذا ما يجعلنا نتغيّب عن الحضور في الأسبوع الأول عن المدرسة، فضلاً عن الفوضى التي تحصل داخل الفصول. طرائق تقليدية وأوضح عبدالله علي - طالب - أن الروتين بالأسبوع الأول يفتر الهمم، فلا جديد يفاجئنا كالاحتفالات بالعودة أو محاضرات شبابية، أو محفزات تعليمية، أو حتى استخدام وسائل تعليمية الكترونية، مضيفاً أنه منذ أن كان والده طالباً حتى اليوم مازالت طرائق التعليم تقليدية، بل حتى المعلمين لم يغيروا أسلوبهم بالتعامل مع الطلاب، ولا يزال المعلم يسأل في أول حصة له: "أين قضيتم الإجازة؟"، وهذا السؤال يسبب الحرج لبعض أصدقائنا الذين لم تتسن لهم الفرصة للسفر خارج المنطقة لأسبابهم الخاصة، متأسفاً على أنهم ملوا الروتين وهذا ما يجعل كثيرين من زملائهم يهجرون المدرسة في الأسبوع الأول من الدراسة. ظاهرة مألوفة وأكد أحمد السالم - مشرف تربوي - أن الغياب في الأيام الأولى للدراسة يكاد يكون ظاهرة مألوفة في كل عام، وساهم في ذلك عدم وجود المحفزات التعليمية، وعدم تكثيف الأنشطة التربوية الجاذبة، أو حتى التنويع في برامج استقبالهم اليوم الأول وفق الاستراتيجيات الحديثة، كذلك إهمال الأسرة لتنظيم أوقات أبنائها وتعويدهم على السهر، حيث تبدأ الدراسة والساعة "البيولوجية" للجسم لم تتأقلم على الاستيقاظ مبكراً، مبيناً أن الأسرة يقع عليها العبء الأكبر في تهيئة الطلاب للمدرسة من حيث التجهيز المبكر للدراسة، ومن خلال شراء حاجيات الدراسة من أدوات مدرسية و"قرطاسية"، وأيضاً زيادة حجم التطلعات بالعام الجديد لتحقيق الحلم الذي يسعى من خلاله الطلبة إلى إنجاز المراحل الدراسية بجد واجتهاد. تهيئة نفسية وقالت نهال موسى - أخصائية نفسية: إن الطالب يجب أن يهيأ نفسياً لبدء عام دراسي جديد من خلال تخطي بعض العقبات التي كان يواجهها في العام الماضي، وذلك من خلال تطبيق قانون الأولية، الذي يهدف إلى بقاء اليوم الدراسي الأول في الذاكرة ومحفزاً لاستمرار الطالب بالدراسة وترغيبه بالمكان، لهذا لابد من تكوين اتجاه نفسي إيجابي نحو المدرسة وإكسابهم خبرة تعزز حُب المدرسة لديهم وهذا ما يجب أن يعيه التربويون. وأشارت فوزية القحطاني - معلمة - إلى أن استهتار أولياء الأمور ولّد لدى الطلاب عدم الاهتمام واللامبالاة بالعام الدراسي من بدايته، مضيفةً أن كثيراً من الأسر لا تهتم بانتظام أبنائها منذ اليوم الأول وتتساهل بذلك كثيراً، لذلك نتائج هذا الإهمال وخيمة، حيث تولد التمرد على النظم واللوائح المدرسية، وكذلك تساعد على أن يتخرج الطالب فاقد الإحساس بأهمية الحرص على الدوام، ومن ثم ينعكس ذلك عندما يتولي مهامه الوظيفية، مُشددةً على أن الانتظام يولد الجدية وحب العمل والجد والانتماء والولاء الشديد للمؤسسة وللأسرة وللمدرسة وللوطن وللبيئة المحيطة. وجود فجوة وأكد د. محمد المحيسني - أستاذ علم الاجتماع بجامعة نجران - على أن هناك فجوة كبيرة بين الطالب ومدرسته، مضيفاً أن المدرسة وبيئة الطالب لا يوجد بينهما تواصل، ما يشعر الطالب بثقل بداية العام الدراسي، لذلك تنتشر ظاهرة الغياب، مبيناً أن إدارك الوالدين لأهمية التعليم يتوقف على مستواهم الثقافي، بينما عدم إحساسهم بأهمية التعليم والمواظبة على الدوام المدرسي يجعل ذلك ينعكس على أبنائهم، مشيراً إلى أن عدم توافر أو ضعف البيئة النفسية أو الاجتماعية المريحة للطالب في المنزل وقلّة الاهتمام بمبدأ القدوة الحسنة من ولي أمر الطالب أمام ابنه في القول والعمل له أثرٌ بالغ في تدني مستوى الطالب التربوي والدراسي. لا يوجد الاهتمام وأوضح د. المحيسني أن من الأسباب التربوية التي تنفر الطلاب من المدرسة بأيامها الأول عدم وجود اهتمام فعلي من جانب بعض الإدارات المدرسية بمتابعة مواظبة الطلبة على الدوام المدرسي، حيث بعض الإدارات المدرسية قد تكون من عناصر تشجيع الطلبة على عدم الحضور، خصوصاً مدارس البنين، إلاّ أنه وعلى الرغم من التفاوت الواضح في حرص الإدارات على مواظبة الطلبة على الدوام المدرسي قبيل وبعد العطل الرسمية، نجد أن ما تبنيه إدارة مدرسية تهدمه إدارة أخرى، ذاكراً أن وجود تفاوت بين الإدارات المدرسية في تطبيق لائحة الغياب شكك في الصدق، لذا لابد من تكاتف جميع الجهود وتنسيق المواقف بين جميع الإدارات المدرسية تجاه التزام الحضور والمواظبة على الدوام المدرسي قبيل الإجازات الرسمية وبعدها، مُشدداً على أهمية وجود المحفزات التعليمية في جذب الطلاب للبيئة التعليمية، مثل استخدام التقنية، والمؤثرات كاستخدام "البروجكتر" والصور واللوحات؛ لأن الطلاب اليوم أصبحوا بصريين أكثر منهم سمعيين، والعملية التعليمية لدينا يجب أن تتغير.
مشاركة :