لاشك أن إيران التي تمسك بزمام الأمور في سورية مع حليفتها روسيا إنما تقوم بأكبر عملية ابتزاز للعالم في العصر الحديث. فهي تقول سورية مقابل المسألة النووية، وهي تضع كل مقدراتها من أجل تجاوز الخليج في النفوذ والقوة الدبلوماسية، وفي الغرف المغلقة يفاوض الإيراني الشرس القوى الغربية وبيده أقوى ورقة وأخطرها وهي الملف السوري، ولأن الإيراني واسع البال يغزل السجاد بسنوات ويفرز الزعفران بهدوء لأنه هكذا فإنه أراد أن يضرب بيدٍ من حديد أميركا الضعيفة. أسوأ موقف اتخذه أوباما ادعاءه بأنه سيضرب سورية، لكنه تراجع، فعلم العالم أنه صراخ وعويل من دون مواقف، وحين أعلن تحركه العسكري ضد سورية، حبس العالم أنفاسه، وحنت إيران رأسها بانتظار الكارثة وتخلت عن النظام السوري، لكنها عادت بشكلٍ أشرس بعد أن علمت حقيقة موقف أوباما الضعيف والمتهالك. من جميل التحليلات ما قاله عبدالرحمن الراشد: "إنها خاطرة جميلة أن يفكر الرئيس الأميركي، مثل الراحلة الأم تريزا، بإعطاء خصومه خديه الأيمن والأيسر ومصالحة القوى المعادية". في كتابه المهم (إيران الخفية) يتساءل إيان شابيرو من واقع خبرته الطويلة بالشؤون الإيرانية وعضويته في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي: هل تعتقدون أن العراق بالنسبة لنا كأمريكيين ورطة؟ ينتظرنا الأسوأ مع إيران. أميركا تدرك أن إيران تقوم بتسليح جماعات مختلفة داخل العراق، وتدرك أيضاً أن إيران كانت المستفيد الأول مما حدث في العراق، وهو ما زاد نفوذها خارج العراق، ولذلك كانت تحاول احتواء النفوذ الأمريكي في المنطقة بخطين متوازيين، أولاً: مواجهات تكتيكية محدودة الأمد ومحدودة المساحة داخل العراق، وثانياً: تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة واحتواء تصاعد النفوذ الإيراني. إن سوء تقدير الإدارة الأميركية لحقيقة ما يجري داخل هذه الدولة، وجهلها بقواعد لعبة (الشطرنج السياسي الإيراني الخفي)، وليست تلك الرقعة التي تظهر على سطح الطاولة، وكذلك دور اللاعبين الدوليين الرئسيين والكبار وتقاطع أو تعارض مصالحهم هو السبب الأول في تخبطها وعجزها عن التعامل الصحيح معها. الغريب أن إيران الآن تجوب العالم شرقاً وغرباً وهي مبتسمة على الانخراط الغربي في الانحناء لإيران، وهي الآن تنظر إلى الملفات بالمنطقة على أنها بيدها كلها. لقد كان لفشل أمريكا بالموضوع السوري أكبر انتصار للإيرانيين، لأنهم يريدون مسك العالم مع الجراح التي تنزف. إيران لا تبالي بالأوضاع الإنسانية وهي تضرب يميناً وشمالاً ويدها غارقة بالدم منذ تدخلها في العراق، وإلى أن زجت بحزب الله والحرس الثوري لإدارة المعارك في سورية. لا أدري متى يفيق الأميركي ويعرف أن سورية وضعها خطير، وأن تخليه عنها هو فتح المجال لمافيا الروس وتجار وميليشيا إيران وقسوة الصين؟!
مشاركة :