يتراءى على الخاطر في كل فترة رجال أفذاذ عاشوا بيننا، وألفنا قربهم، وعرفنا ودّهم، فإذا بالمنون يحول بيننا وبينهم، فأدركهم وأبقانا بعدهم ندعو لهم، وسيأتي يوم لنلحق بهم ونوارى في التراب كما تواروا والله المستعان، وما أصدق ما قال الشاعر المغمور: تخطّفَ القومَ كأسُ الموتِ يفجعهم فلا نذيرَ ولا تطـــبيبَ للفــــاني وأصدق منه قول الباري جل في علاه (كل نفس ذائقة الموت). ومن أولئك الرجال الأفذاذ العمّ القدير والشيخ الفاضل سعد بن صالح الحجي رحمة الله عليه وعلى موتى المسلمين، حيث كان مثالا يحتذى في كرم النفس وطيب الخاطر، وكأن الله تعالى قد سلّ السخيمة من قلبه سلا، وجاء في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم: كان يدعو الله تعالى أن يَسْلل سخيمة قلبه، والسخيمة هي: ما يكون في القلب من الغش والغل والحقد والحسد وسوء الظن. ومن عرف ذاك الرجل شهد له بذلك فهو من النوادر الذين كانوا قدوة في نزاهة القلب وعفو الخاطر، فلا تسمع منه إلا ما يسرك ولا ترى إلا ما يسعدك، لسانه عذب، وروحه طيبة، وأخلاقه عالية، تميز رحمه الله بحسن العهد والجوار، والحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: "إن حسن العهد من الإيمان" ولا أنسى أنه رحمه الله كان مضيافا كريما، وكان يأتينا بنفسه مع كبر سنه وجلالة قدره يتعنى من غرب الرياض إلى شرقها كي يدعونا لمناسبة - قبل وصول الهاتف إلى حينا - ونحن في عداد أبنائه لكنها الروح الطيبة والنفس الزاكية. وكان رحمه الله بارا برا شديدا بوالديه وذوي رحمه حريصا على صلتهم والإحسان إليهم مثل أخيه الشيخ عبدالعزيز وبقية أخواته، وكان كثيرا ما يوصي أولاده بصلة الرحم والبر، ولا أذكر أنه تأخر أو تخلف عن اجتماع عائلي أو مناسبة إلا أن يكون مسافرا أو مريضا رحمه الله. ومما عرف به - رحمه الله - كثرة قراءته للقرآن الكريم ليلا ونهارا، كما عرف بسعة الاطلاع والثقافة العالية وكثرة القراءة وبالأخص في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وكان الكتاب الذي يلازمه دائما كتاب البداية والنهاية للإمام ابن كثير وقد قرأه وختمه عدة مرات، وكان لا يكاد يُسأل عن حدث تاريخي أو قصة من قصص التراث إلا وسردها بتفاصيلها الممتعة وبلهجته العامية اللطيفة مع تذكر التواريخ والأسماء والأحداث بأسلوب شيق أخّاذ. خدم -رحمه الله- وطنه وولاة أمره في القطاع العسكري ما يزيد على ثلاثة عقود فكان مثالا في الانضباط والنزاهة وحسن الأداء والأمانة.
مشاركة :