احتفل العالم في العاشر من ديسمبر باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهي احتفالية اعتمدتها الأمم للاحتفاء بذكرى يوم اعتماد الجمعية العمومية للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (The Universal declaration of Human rights) الذي أقرته في العاشر من ديسمبر لعام 1948. وتم اعتماده كأول وثيقة معاصرة حددت حقوق الإنسان الأساسية التي يجب حمايتها عالميًا بشكل شمولي، فتناولت بالتنظيم حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق التضامن على حدّ سواء.وإذ تعكف وزارة الخارجية في مملكة البحرين في الوقت الراهن على الاشتغال بإعداد الخطة الوطنية لحقوق الإنسان عبر عقد ورش عمل متتالية حرصت فيها على إشراك جميع القطاعات الرسمية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجالات مرتبطة بحقوق الإنسان، من أجل الوصول إلى خطة وطنية نموذجية فاعلة وشاملة لحماية حقوق الإنسان في مملكة البحرين، وذلك تأصيلاً للقناعة الراسخة بأن أساس الحرية والعدل والسلام يكمن في الاعتراف بالكرامة الإنسانية المتأصلة في طبيعة الإنسان وخَلقه وبأهمية الاعتراف بحقوقه الأساسية وتأمين الضمانات الكافية والكفيلة بحمايتها، تلك القناعة التي تتضح جليّة في مفردات المشروع الإصلاحي لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى، والتي عزّزها انضمام مملكة البحرين إلى العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان وإعلانها الالتزام بنصوصهما أمام المجتمع الدولي بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي من مصادر التشريع والنظام العام في المملكة. ويُعدّ مشروع الخطة الوطنية لحقوق الإنسان مشروعًا لخارطة طريق حقوق الإنسان في مملكة البحرين ينتهي إلى بناء مجتمع ديمقراطي متكامل مؤسَس على ثقافة حقوق الإنسان باعتبارها أسلوب حياة قائم - بشكل مُسلّم به - على التسامح والتعايش وقبول الآخر ونبذ الفرقة والتمييز لأي سبب كان.ومما يميّز عام 2020 أو عام (كوفيد 19) كما يطيب للبعض تسميته، هو تسليط الضوء العالمي على حق الإنسان في الصحة، في صراع بشري جاد وشرس ضد فيروس كورونا الذي كاد أن يصيب العالم بأكمله في مقتل بسبب طبيعته وسرعة انتشارة وآثار الإصابة به، حتى تم تصنيفه من قبل منظمة الصحة العالمية باعتباره جائحة عالمية، وحيث أن من أهم خصائص حقوق الإنسان أنها مترابطة ومتكاملة لا تقبل التجزئة وتتأثر ببعضها بشكل حتمي، فقد طالت الجائحة مختلف حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كالحق في الحياة والحق في التنقل والحق في الحرية الشخصية والأمان والحق في العمل والحق في التعليم... الخ، فأصبح شغل العالم الشاغل لأنه جاء ليعيد ترتيب روتين البشر دون مقدمات أو سابق استعداد وقد أسهم في اختلال توازن طبيعة الحياة اليومية في جميع تفاصيلها.وقد أبلت مملكة البحرين بلاءً حسنًا في التصدي لجائحة كورونا والتزامها بتطبيق الحق في الصحة بعناصره الثلاثة الرئيسية (عنصر التوافر - توفير السلع والمرافق والخدمات والظروف الصحية الضرورية للصحة، وإتاحة إمكانية الوصول لهذه الخدمات والسلع لكل المواطنين والخاضعين لولاية الدولة القضائية على قدم المساواة دون تمييز، مكانيا، اقتصاديًا (ماديًا)، إتاحة الوصول إلى المعلومات بشفافية تامة دون المساس بخصوصية المرضى وبياناتهم الشخصية، ومقبولية وجودة السلع والخدمات والظروف الصحية) على أكمل وجه وبأعلى مستوى، وقد لعب كل من الفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا وفريق البحرين بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد، رئيس الوزراء دورًا مهمًّا في التصدي للجائحة بحرفية وحرفنة وفق خطط مدروسة بشكل مُحكم ومتقدم للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين والمقيمين، ساهمت إلى حد كبير في عملية الحد من انتشار الفيروس وآثاره على المصابين وضمان السلامة والأمان للجميع، معززًا للثقة التي مُنحت له من لدن صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة للتعامل مع هذه الجائحة، مُسطّرين بذلك ملحمة وطنية تاريخية لن يبرح أبطالها ذاكرة تاريخ هذا الوطن.وبناء على ما تقدّم، وحيث أن بناء الثقافات الإنسانية لا ينشأ من العدم، ولكنه يقوم على سلوكٍ متواتر وممارسة متكررة حتى يستقر في ضمير البشر بشكل راسخ وثابت فيُمارس بتلقائية، وإذ يبدو جليًّا للعيان عناية مملكة البحرين بكفالة واحترام وتعزيز حقوق الإنسان، وسعي حثيث لبناء ثقافة حقوق الإنسان، وفي تعزيزٍ لتبني الدولة لهذه الثقافة، فإننا نرى أهمية إعمال وإذكاء روح المنافسة بشأنها، لما لها من أثر لا يخفى أبدًا، وعليه نقترح أن يُولى اليوم العالمي لحقوق الإنسان أهمية خاصة تتمثل في احتفاء وطني على الصعيد المحلي، سيستتبع حتمًا أصداء عالمية، وذلك بتخصيص جائزة سنوية لحقوق الإنسان تمنح للجهة التي حققت أفضل الإنجازات طوال العام لحقّ يتم تسميته عند اطلاق الجائزة لكل عام، وشيئًا فشيئا ستصبح حقوق الإنسان أسلوب حياة يمارسه كل بحريني كسلوكٍ مسلّم به، لا سيما وأن طبيعة أهل البحرين هي طبيعة خصبة لكل ما يرتبط بالطيبة والجمال والعطاء.ناهيك عن أن مثل هذه الجائزة ستكون من قبيل التكريم الرسمي والشعبي للجهة التي حققت شراكة حقيقية في تعزيز واحترام حقوق الإنسان تبني سمعة جيدة لها على هذا الصعيد وتمنحها التقدير من قبل المجتمع بأكمله، وفي عام (كورونا) يطيب لي أن أستذكر معكم وأشيد - في ختام هذا المقال- بالجهود المبذولة من قبل الصفوف الأمامية التي وقفت كسدّ صدٍّ أمام الفيروس لحماية المجتمع البحريني, من أطباء وممرضين وعاملين في المجال الصحي وكل من أسهم معهم، فريق البحرين، الفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا وعلى رأسهم جلالة الملك وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد، وأقول لهم جميعًا: شكرًا بحجم السماء وبعاميتنا الجميلة (كفّيتوا ووّفيتوا).layalialshoug@hotmail.com
مشاركة :