ورد في السيرة العطرة أنه لما طلعت شمس يوم التاسع "يوم عرفة " سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفة، وكان معه أصحابه، منهم الملبي ومنهم المكبر، وخطب يومها خطبة عظيمة قرر فيها قواعد الإسلام، وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية، وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها، فلمّا أتمها أمر بلالاً فأذن، ثم أقام الصلاة، وصلى الظهر ركعتين أسرّ فيهما بالقراءة، ثم أقام فصلى العصر ركعتين أيضاً ومعه أهل مكة وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً، ثم أخذ في الدعاء والتضرع والابتهال إلى غروب الشمس، هكذا أحيا الرسول وصحابته هذا اليوم العظيم الذي تجتمع فيه الأمة الإسلامية على الصيام والطاعة وتبتهل فيه بالدعاء الكثير راجية الإجابة والعفو، وفي السطور التالية نتطرق لفضل هذا اليوم وسبب تعظيمه بين أيام السنة: بداية يعرف يوم عرفة بأنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، والذي نزلت فيه الآية الكريمة "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا"، كما قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب"، كما أنه يوم أقسم الله به، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: "وشاهد ومشهود" "البروج: 3"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ". كما أن لهذا اليوم فضائل عظيمة وثواباً كبيراً لغير الحجاج الذين يسن لهم صيام هذا اليوم، فصيام عرفة يكفر سنتين، وقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن صوم يوم عرفة: "يكفر السنة الماضية والسنة القابلة"، كما يجب على الحجاج وغيرهم من المسلمين أن يتشاركوا في عبادة الله في هذا اليوم والتقرب إليه بالإكثار من التهليل والتسبيح والتكبير والدعاء الصادق، وهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ"، لذلك يجدر بالمسلمين جميعاً الاجتهاد في الطاعة والعبادة في هذا اليوم العظيم لنيل ثوابه وارتشاف روحانياته.
مشاركة :