علاقات مشبوهة.. تقرير يفضح العلاقة الآثمة بين حكومة طهران وإخوان العراق

  • 12/14/2020
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

لم يستطع إخوان العراق ممثلين بالحزب الإسلامي الذي تعود جذوره الأولى إلى أربعينات القرن الماضي، بينما يعود تأسيسه الفعلي إلى ستينات القرن ذاته، أن يلعبوا دورا أساسيا في حكم العراق بعد سقوط نظام حزب البعث سنة 2003 على يد الاحتلال الأميركي .   ويعود ذلك إلى هيمنة الأحزاب الشيعية ذات الصلات القوية بإيران على مقاليد الدولة واحتكارها أهم منصب تنفيذي فيها وهو منصب رئيس الوزراء، ما جعل دور الإخوان في تجربة الحكم تلك دورا ثانويا مكمّلا وأقرب إلى الديكور في الديمقراطية الشكلية القائمة على المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية.   وللحفاظ على حصّة في السلطة وما تدرّه من منافع وامتيازات مادّية ومعنوية، لم يجد إخوان العراق بدّا من التحالف مع الأحزاب الشيعية والدخول بالنتيجة في خدمة المشروع الإيراني الذي تعتمد طهران على تلك الأحزاب في تنفيذه ويقوم على توسيع النفوذ في البلد وتوطيده وصولا إلى الهيمنة على القرار العراقي السياسي والاقتصادي والأمني.   وتقيم الحكومات الإيرانية علاقات واسعة مع قادة الحزب الإسلامي في العراق الذين لا تنقطع زياراتهم لطهران وأيضا لقاءاتهم بالمسؤولين الإيرانيين في بغداد، وذلك على غرار العلاقات التي تربط بين إيران ومعظم القيادات السياسية السنّية العراقية.   في تقرير لمركز كارنيغي للشرق الأوسط يصف مهنّد سلوم الباحث المتخصّص في الدراسات العربية والإسلامية الحزب الإسلامي العراقي واجهة تنظيم الإخوان المسلمين، بأنّه “ضحية تعقيدات الساحة السياسية السنية العراقية ومآزق العمل في بيئة ذات استقطابات طائفية وإثنية متفاقمة”، مضيفا أنّه لم يتمكن من تعزيز شعبيته ولا يُتوقّع أن يستعيد دورا مهما في الحكم بالعراق.     ويقول في بحثه المعنون “عودة غير موفقة: ما أعطاه الحزب الإسلامي العراقي مقابل الوصول إلى السلطة” إنّ عدم تبنّي الحزب لخيار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة وحفاظه على علاقات جيدة مع نظرائه الشيعة والأكراد، سهّل عليه المشاركة في حكم العراق، مستدركا بالقول إنّ دوره كان ثانويا مقارنة بالأحزاب الشيعية الرئيسية.   ويضيف سلوم “دفع الحزب ثمنا باهظا، حتى قبل التراجع الكبير لشعبيته في أوساط المجتمع السني في انتخابات مايو 2018، لأنه فشل في الوفاء بوعوده في توفير الخدمات والأمن”.   والحقيقة أن تهاوي الشعبية قاسم مشترك بين الأحزاب الدينية في العراق، سنية كانت أم شيعية، وذلك بالنظر إلى تجربة الحكم الكارثية التي قادتها في البلاد على مدى 17 سنة وأفضت إلى تراجع رهيب للدولة على مختلف الصعد السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، حيث شكّلت تلك الأحزاب ماكنة فساد ضخمة أفقرت المجتمع وأنهكته إلى درجة الانفجار الذي تجسّد في الانتفاضة الشعبية التي تفجّرت في أكتوبر 2019 ولم تخمد بعد بشكل كامل رغم سقوط الحكومة السابقة ومجيء حكومة جديدة بوعود محاربة الفساد وتحسين الأوضاع الاجتماعية وبسط الأمن واستعادة هيبة الدولة.   ويرد في بحث مركز كارنيغي أنّ “الجمهور العراقي محبط من الحزب الإسلامي وحزب الدعوة الإسلامية الحاكم (حتى سنة 2018) بسبب فشلهما”.   وفي مظهر على تهاوي شعبية الحزب الإسلامي في الأوساط السنية بالعراق، وخصوصا قياداته الأكثر انخراطا في تجربة الحكم الفاشلة، لم يستطع سليم الجبوري النائب السابق لأمين عام الحزب أن يحافظ على مقعده في البرلمان الناتج عن انتخابات سنة 2018، بعد أن كان قد ترأس البرلمان السابق في إحدى أحلك المراحل التي مرّ بها سنّة العراق بسبب الحرب التي دارت ضدّ تنظيم داعش في مناطقهم بين سنتي 2014 و2017 وفقدوا خلالها الكثير من أبنائهم ودمّرت مدنهم وقراهم وهجّر منهم الآلاف، بينما لم يكن لوجود الجبوري في ذلك المنصب المهمّ دور في حماية أبناء طائفته وفي التخفيف من معاناتهم، بل كان في تناغم تام مع السياسات المسطّرة من قبل الأحزاب الشيعية بما في ذلك طريقة إدارة الحرب والتعويل في خوضها بشكل أساسي على العشرات من الميليشيات التي أساءت معاملة أبناء المناطق المحتلة من قبل داعش واعتبرتهم في الكثير من الأحيان متواطئين مع التنظيم ومحتضنين له.   وبغض النظر عن الكيفية التي يفسر بها الحزب الإسلامي العراقي مكانته المتدنية بين أوساط السنة -يضيف مهنّد سلوم- فقد عانى الحزب بالفعل من الفشل في الوفاء بالوعود لحماية المجتمع السني وتوفير الخدمات وتحسين نظام الحكم. ويلقي منتقدوه من السنّة باللوم عليه لفشله في حماية أبناء الطائفة السنّية خلال العنف الطائفي بين العامين 2006 و2009 بعد تفجير مرقد الإمام العسكري في سامراء حيث تم إعدام الآلاف من السنة على أيدي ميليشيات شيعية تابعة للحكومة وتهجير عشرات الآلاف من الأهالي ما أدى إلى تغييرات في التركيبة السكانية في محافظات كبرى مثل بغداد وديالى.   وخلال تلك الفترة، كان أكبر مسؤول حكومي سني هو الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي، طارق الهاشمي، الذي كان يشغل منصب نائب لرئيس الجمهورية، قبل أن يختلف مع رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي ويصبح مطاردا بتهمة الإرهاب ويصدر عليه لاحقا حكم بالإعدام.    ولجأ الهاشمي إلى تركيا التي سمحت له بالإقامة على أراضيها ورفضت تسليمه لسلطات بلاده، لكنّها لم تستطع في الوقت نفسه تحويله إلى حالة سياسية مؤثّرة على الداخل العراقي كما تفعل اليوم مع عناصر وقيادات إخوانية من عدّة بلدان عربية مقيمة في إسطنبول ومنخرطة بالكامل، سياسيا وإعلاميا، في مشروع التدخّل التركي بتلك البلدان، بل بينها من ينسّق بدعم وتمويل قطري التدخّل العسكري التركي في بعض البلدان.    وبحسب تقرير لجريدة العرب، تفسّر العوامل آنفة الذكر قلّة اهتمام تركيا بإخوان العراق وبالقادة السنّة على وجه العموم وعدم تعويلها عليهم في منافسة النفوذ الإيراني في البلد، وتفضيلها التعامل بشكل مباشر مع الأحزاب القائدة لحكومة بغداد المركزية ولحكومة إقليم كردستان المحلّية التي يديرها أكراد العراق في شمال البلاد، فيما تحاول بالتوازي مع ذلك التلاعب بورقة الأقليات معوّلة هذه المرّة على العامل العرقي والقومي وليس على العامل الديني والطائفي كما هو شأنها في توظيفها لورقة الإخوان المسلمين في بلدان عربية أخرى.   ويتّضح اللعب التركي على العامل القومي لمحاولة اختراق الساحة العراقية بشكل متزايد في التركيز اللاّفت من قبل أنقرة على ملفّ تركمان العراق الذين يمتلكون ميزتين لا تتوفران لدى غيرهم من مكوّنات المجتمع العراقي، أولاهما تواجد معاقلهم الأساسية في مناطق ذات أهمية إستراتيجية على رأسها كركوك إحدى أثمن “القطع” في الخارطة العراقية بما يحويه أديمها من مخزون نفطي ضخم، وثانيتهما منافستهم الشرسة لأكراد العراق الذين يظلّون في المنظور التركي موضع ارتياب بسبب نوازعهم الاستقلالية، وذلك على الرغم من أنّ أنقرة تتعامل في الوقت الحالي مع حكومتهم المحلية في إقليمهم بشمال العراق، لاسيما في مجال النفط الذي يصدّر من كركوك والإقليم عبر خط أنابيب يعبر الأراضي التركية باتجاه ميناء جيهان التركي على البحر المتوسّط.

مشاركة :