«في الوقت الذي يسعى فيه السواد الأعظم من شعوب العالم إلى الحداثة، هناك من يمضون حياتهم حاملين إرث أجدادهم، حتى تنقضي أعمارهم في رحلة مفادها، الحفاظ على موروثاتهم الثقافية». ما سبق كان جزءًا من رسالة الطفلة المنغولية أيمولدير دايانبك، التي لم يتجاوز عمرها 10 أعوام، وجائت هذه الكلمات بعدما حصدت، للعام الرابع على التوالي، المركز الأول في المسابقة الدولية «Sagsai Eagle Hunting»،المقامة بشكل سنوي لصائدي ومُدربي النسور. وتمكنت الطفلة من الحفاظ على لقبها بعد تغلبها على 60 منافسًا، تراوحت أعمارهم بين 20 إلى 39 عامًا. وحسب فيلم وثائقي، أعده موقع «atlasobscura» تحت عنوان «صائدات النسور»، تناول دور النساء في القبائل المنغولية، بجانب المسابقات السنوية لصائدي النسور لدى سلسلة جبال «ألتاي»، الواقعة في آسيا الوسطى، حيث تلتقي روسيا والصين ومنغوليا وكازاخستان معًا، وبالتحديد عند منابع نهري إيرتيش وأوبي. ويحصد المركز الأول المتسابق الذي يتمكن نسره من القبض على الفريسة في أقل وقت ممكن، وتُوزع جوائزها على نفس المنوال، فيما يسيطر الذكور على المسابقة، عادت تلك الفتاة من ماضي أجدادها حاملة إرث نسائهن، اللاتي اعتدن حمل أطفالهن لتدريبهن على صيد النسور منذ الرابعة، إذ تدرب هذه القبائل النسور لاستخدامها في صيد الثعالب أو الأرانب البرية، وهو تقليد عرفته القبائل المنغولية وغيرها من قبائل غرب ووسط آسيا منذ 6000 عام، المعروفة قديمًا باسم «الهكسوس». تنتمي «أيمولدير» إلى قبيلة رعوية منغولية، اعتادت الهجرة في فصل الشتاء مرورًا بجبال «ألتاي». وتستخدم دول مثل كازاخستان ومنغوليا، مهرجانات صيد النسور لتحريك السياحة لديها، وتنظم لها احتفالات سنوية، ولا تزال القبائل المنغولية تزاول عادة صيد النسور لمقايضة الحيوانات البرية، التي يتم اصطيادها مقابل الغذاء والكساء، إذ تحمل النساء أطفالهن لتدريبهم على صيد النسور، بدءًا من سن الرابعة. ووفق الموروث الثقافي للقبائل الرعوية المنغولية، تُعد مهاجمة نسر جارح لأحد أطفال القبيلة «علامة لحسن حظه»، فهو، بموجب هذا، شخص غير اعتيادي، وهو ما يتلاءم مع ما ألم بـ«أيمولدير» وهي في عُمر 3 أعوام، إذ تعتقد هذه الشعوب أن مهاجمة نسر لأحد أطفالهم هي رسالة سماوية، مفادها «حان وقت المواجهة». بدأت «أيمولدير» التدريب على صيد النسور في سن الرابعة، وببلوغها السابعة أتقنت الفروسية، ومهارتي اصطياد النسور وتدريبها. ويعود تفوق «أيمولدير» في المسابقة الدولية إلى قدرتها على تدريب نسرها على صيد الثعالب والأرانب، وتلقينه أمر الصيد، أو استدعائه عبر صافرات صوتية تصدرها له عبر لغة خاصة بينهما، فلكل أمر تلقنه لنسرها صافرة مميزة. في مقتبل طريقها كان لدى «أيمولدير» عقبات عدة، إذ كان عليها حمل نسر يزن حوالي 7 كيلوجرامات، والتحكم في حركته، وهي أمور لم تتناسب مع قوتها البدنية وهي ابنة 4 أعوام، لكنها تغلبت على هذه المعوقات. تطمح «أيمولدير» إلى أن تصبح أفضل صائدة للنسور في العالم، لنقل إرث أجدادها، فهي تعتبر تدريب هذه الطيور وسيلة للحفاظ على التراث، نظرًا للقصص الأسطورية التي توارثتها عن جدها، الذي تُوفي قبل بضع سنوات.
مشاركة :