أكد عدد من الخبراء القانونيين أن إقرار قوانين الإفلاس وحماية المنافسة وتبادل المعلومات الائتمانية والسجل التجاري أحدث ثورة تشريعية في البيئة القانونية الاقتصادية في الكويت، مشددين على ضرورة تشريع قانون ينظم عملية التجارة الإلكترونية، بعدما أظهرت أزمة كورونا مدى الحاجة لذلك، خصوصا بعد اعتماد الكثيرين على التسوق الإلكتروني من مواقع الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي الحديثة. جاء ذلك خلال حلقة نقاشية نظمتها «الجريدة» عن القوانين الاقتصادية التي أقرت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومدى تأثيرها على تحسين البيئة الاقتصادية في الكويت، وحضرها د. محمد الوسمي، أستاذ القــانون التجــاري بكلية الحقوق والمستشار بوزارة التجارة، ود. محمد المطيري أستاذ القانون التجاري بكلية الحقوق والمستشار بوزارة التجارة، ود. حسين بوعركي رئيس قسم القانون الجزائي في كلية الحقوق والأستاذ المشارك في الأعمال التجارية بالكلية والمحامي أمام المحكمة الدستورية و«التمييز». وتضمنت الحلقة عدة محاور، تمثلت في مدى تأثير القوانين الاقتصادية المقرة أخيرا في تعزيز البيئة الاقتصادية لدى الكويت، وما سيترتب على إلغاء الضبط والإحضار في قانون الإفلاس من انهيار لمنظومة الضمان لدى الدائنين وكثرة الديون المعدومة، وما إذا كان الإلغاء تمهيدا لإلغاء العقوبات في موضوع الشيك بدون رصيد والجرائم المالية، وأخيرا مدى الحاجة إلى قانون ينظم التجارة الإلكترونية... وفيما يلي التفاصيل: المحور الأول: هل القوانين الاقتصادية المقرة أخيرا، مثل قانون حماية المنافسة أو الإفلاس، تؤكد وجود بيئة اقتصادية في الكويت؟ أم أننا بحاجة إلى قوانين أخرى تعزز تلك البيئة؟ في البداية، قال د. محمد الوسمي إنه خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية تم إقرار عدة تشريعات تجارية ساهمت في تحسين تصنيف الكويت لدى المؤسسات الدولية فيما يتعلق بتحسين بيئة الأعمال وسهولتها. وأضاف أنه وفق الاحصائيات تم إقرار 11 قانونا تجاريا، تتعلق ببيئة الأعمال التجارية، منها ثلاثة قوانين معدلة لقانون الشركات، كان فيها كثير من الأحكام الخاصة بالمساهمين وحمايتهم، سواء كانوا أقلية أو أغلبية، إلى جانب إجازة إقامة الجمعيات العمومية عن طريق وسائل التواصل الحديثة، والتي تمت الاستفادة منها خلال جائحة كورونا أثناء تطبيق الحظر. وأشار إلى أن هناك الكثير من القوانين المهمة التي أقرت أخيرا، مثل الافلاس، وحماية المنافسة، وتنظيم تبادل المعلومات الائتمانية، والسجل التجاري، وتعديل قانون الصندوق الوطني لدعم المشاريع، وكلها قوانين تم إنجازها بالتعاون مع مجلس الأمة وفريق وزارة التجارة. ولفت إلى أن هذه الأعمال، وإقرارها الدائم، إلى تحسين مركز الكويت يتبعها أثر مهم يتمثل في قبول المستثمرين الأجانب أو الدوليين لدخول سوق الكويت، فضلاً عما حدث من ترقية لبورصة الكويت، وكلها أمور وعوامل قانونية تم إنجازها، وهي مهمة لتحسين صورة الكويت في الخارج واستقطاب رؤوس الأموال. وعن مدى الحاجة إلى تشريعات أخرى، قال إن هناك الكثير من التشريعات نسعى إلى إقرارها وتنظيمها في الأيام المقبلة لتحسين مركز الكويت وتحسين بيئة الأعمال، مما يفيد المساهمين سواء الصغار أو الكبار في الكويت. وضرب مثلاً بقانون الاستيراد، إذ لا يوجد في الكويت قانون خاص بالاستيراد بل قانون للتصدير فقط، فمن شأن قانون الاستيراد تسهيل موضوع توريد المنتجات الكويتية للخارج، إضافة إلى قانون التجارة الإلكترونية، الذي يعد من التشريعات المهمة التي سبقتنا فيها الدول المجاورة. وذكر أن المسيرة التشريعية والإجراءات طويلتان نوعاً ما في البلاد، مبيناً أن قانون التجارة الإلكترونية تمت صياغته وهو الآن في مراحل الإعداد ولم يتم الانتهاء منه، لكنه سيكون موجوداً أمام المجلس المقبل. وأشار إلى أن الكويت تأثرت بعدم وجود قانون للتجارة الإلكترونية خلال جائحة كورونا، وظهرت أهميته خلال الحظر عندما اتجهت الناس للتسوق الإلكتروني، موضحاً أنه كان هناك عجز في تنفيذ أحكام العقود الإلكترونية عن طريق الشراء بواسطة الوسائل الإلكترونية الحديثة. وعن مدى الحاجة إلى قضاء متخصص في المسائل التجارية وإنشاء محاكم اقتصادية أسوة بكثير من الدول الأخرى، قال: بالطبع هذا شيء مهم لتحسين البيئة القانونية للأعمال التجارية، مؤكداً أن وجود محاكم متخصصة يعني وجود قضاة متخصصين، «ونحن نحتاج كذلك إلى إجراءات سريعة، إذ نواجه مشكلة في طول إجراءات التقاضي أمام المحاكم، فطعن على إجراءات إحدى الشركات قد يبقى في المحاكم خمس سنوات ما بين المحاكم الابتدائية والاستئناف والتمييز». وذكر أن القضاة المتخصصين في محكمة خاصة لعمل قضائي معين أمر محمود خصوصاً أن هناك أعمالاً تجارية قانونية أصبحت معقدة في الوقت الحالي. إلى ذلك، وبسؤاله عما إذا كانت التعديلات التشريعية والقوانين المقررة أخيراً في مجلس الأمة خلال السنوات الثلاث الأخيـــرة ستؤثر علــــى البيئـــــــــه الاقتصاديـــة في الكويــــــت، قــــــــــال د. حسين بوعركي، إن هذه القوانين العديدة التي صدرت أخيراً بصبغة تجارية، تحسب لوزير التجارة فيها استعانته بفريق وطني أكاديمي متخصص في الجانب القانوني إذ كان هذا الفريق خلف إنشاء هذه المنظومة القانونية، وهي سابقة لوزير في الكويت أن يأتي بفريق متكامل لوضع قوانين. وذكر بوعركي أن المنظومة القضائية والقضاء المتخصص أمر مهم جداً «فلدينا تجربة حديثة بصدور قانون هيئة أسواق المال وإنشاء محاكم متخصصة ونيابة متخصصة لتطبيق قانون الهيئة، وهذه التجربة إيجابية ولها فوائد عديدة، إذ كان هناك نوع من الثبات والاستقرار على مستوى المحاكم في الأحكام بسبب عدم تغيير الدوائر لكن هذه المحاكم في الحقيقة ليست متخصصة بالمعنى الدقيق لأن التخصص يقتضي أمرين متلازمين هما التخصص الهيكلي بحيث لا تنظر هذه المحاكم في غير اختصاصها والتخصص العضوي أن قاضيها غير متخصص أو متفرغ لقانون هيئة أسواق المال وهو يعني أيضاً استمرار وديمومة العمل في المحكمة دون تغيير القاضي. وعن مدى تأثير ذلك على سوق العمل وعلى الأحكام وجودتها باعتبار أن من يفصل في المنازعات التجارية قضاة ينظرون مسائل أخرى وليسوا متخصصين في المسائل التجارية، أفاد بأن أي شخص قانوني ينتقل من تخصص إلى آخر يقل إنتاجه في التخصص الجديد حتى على مستوى أساتذة الجامعة حينما ينتقلون لتدريس مواد غير موادهم يكون أداؤهم فيها أقل من المواد التي يمارسونها باستمرار. وأكد أهمية تطوير إدارة الخبرة فلا يمكن للقضاء العمل مع جهاز الخبرة الحالي وخصوصاً في الجانب التجاري لأن الخبير لدينا وظيفة والمفترض أن يكون ذلك وصفاً للشخص صاحب الخبرات المهنية المتراكمة، موضحاً أن قانون الإفلاس الجديد نظم الخبرة، وهذا أمر محمود إذ أضاف مراقبي الحسابات ويمكن للمحكمة الاستعانة بهم وكنت أتمنى إضافة أصحاب الخبرة المالية، وأن تعطى هذه السلطة للقاضي ليطلب خبراء من المكان المناسب لهيئة أسواق المال ومن أساتذة الجامعة لأن هذا الأمر يتم بطلب من المتقاضين وليس من سلطات المحكمة. وذكر أن فرنسا لديها مثلاً الخبير القانوني إذ يستطيع القاضي الاستعانه بهذا الخبير القانوني في مجال معين أو في سؤال معين. بدوره، وبسؤاله عن مدى تأثير القوانين الأخيرة على المنظومة الاقتصادية بحكم تخصصه في هذا المجال، قال د. محمد المطيري، إنه خلال ثلاث سنوات تقريباً حدثت ثورة تشريعية في مجلس الأمة بدءاً بقانون السجل التجاري سنة 2018 وانتهاء بقانون 72 / 2020 ويتعلق بحماية المنافسة. وعن مدى الحاجة الفعلية إلى تلك القوانين، قال المطيري إن القاعدة الفقهية عامة مجردة تنظم سلوك الأفراد والمجتمعات، وبما أن هناك خللاً فنحن بحاجه إلى تنظيمه وعلاجه بتشريع معين، بالتالي نسقطه على المعنيين والمتخصصين بتطبيق هذا الأمر. وأوضح أن السنوات الأخيرة شهدت ثورات تشريعية في المجال الاقتصادي، إذ نظمت السجل التجاري وأدخلت فكرته التي أفادتنا اليوم في أزمة كورونا إلى جانب تعديل قانون الشركات سنة 2019 الذي أجازه حضور الجمعية العمومية عن طريق وسائل التواصل الإلكترونية. وتابع أنه «يضاف إلى قانون الإفلاس وقانون حماية المنافسة في الأهمية قانون تنظيم التأمين، وهو من أهم القوانين، فالتأمين قطاع مهمل من عام 1984 في وزارة التجارة، مؤكداً أن مجال التأمين يعني ملايين الدنانير التي ليس لها رقيب أو حسيب وفقاً لقانون التأمين الملغى واليوم أوجدنا وحدة التأمين كجهة رقابية تكون مثل هيئه أسواق المال على الشركات المدرجة بالبورصة أو الشركات التي تزاول أنشطة تداول الأوراق المالية. وعن قانون حماية المنافسة، أفاد بأن مجلس الأمة في 2007 أوجد جهاز حماية المنافسة، لكنه كان بلا أنياب إذ ارتكبت شركات ممارسات ضارة بالمنافسة وحقق فيها الجهاز وأحالها إلى التحقيقات ثم لم يحدث جديد، إذ تُعلق الإجراءات وتعاد التحقيقات مرة ومرتين وثلاث ويُهدر وقت الدولة كله مما يخالف القاعدة العامة التي تشدد على الاقتصاد في النفقات القضائية. وبسؤاله هل سيجعل قانون حماية المنافسة لدى الجهاز (أنياب) ويعطيه القوة، قال: بلا شك فقد أوجد ذلك إذ أعطى للجهاز استقلالاً مالياً وإدارياً ليتخذ القرار دون الرجوع إلى وزير التجارة كما أوجد المجلس التأديبي الذي يغني عن الذهاب إلى المحكمة بمجرد ارتكاب الشركة ممارسة ضارة بالمنافسة يحيلها الجهاز بعد التحقيق إلى مجلس التأديب ليتخذ عقوبة على غرار المجلس التأديبي في هيئة أسواق المال. وأكد أن الثوره التشريعية شملت أيضاً العقوبات، فقديما كانت في حدود مبلغ معين أو الحبس، أما الآن فأصبحت العقوبة نسبية، فإذا ارتكبت الشركة ممارسة ضارة بالمنافسة فقد تشمل العقوبة الغرامة بنسبه 10 في المئة من إجمالي دخل الشركة. وعن قانون الإفلاس أكد أنه شهد ثورة أيضاً، فقديماً لو كان الشخص متعثراً يتم إعلان إفلاسه بمجرد فقد ائتمانه حتى ولو استعاد قوة مشروعه، في المقابل أوجد القانون الحديث وسيلتي حماية بديلتين. المحور الثاني، إلغاء الضبط والإحضار في قانون الإفلاس وما يترتب عليه من انهيار لمنظومة الضمان لدى الدائنين وكثرة الديون المعدومة. قال الوسمي إن قانون الإفلاس بحجمه الكبير سيحدث ثورة في البيئة الاقتصادية والقانونية في الكويت، إذ أوجد طريقتين للمتعثرين، فأصبح هناك إفلاس وإعادة هيكلة وتسوية وقائية، وأصبح بإمكان المتعثر أو المفلس القيام بعمله مرة أخرى. وعن الضبط والإحضار في القانون الجديد، قال إنه ألغي، لكن منع السفر بقي موجودا، وتم إلغاء الضبط والإحضار وفق اتفاقيات ملتزمة بها دولة الكويت، سواء اتفاقية نيويورك المتعلقة بحقوق الإنسان المدنية والسياسية أو الميثاق العربي لحقوق الانسان، وكل هذه المواثيق مطبقة في الكويت وفقا لقوانين وطنية تنص على أنه لا يجوز حبس انسان بناء على تعثره في الالتزامات التعاقدية. وأوضح أن أغلب دول العالم والقوانين المقارنة لا تعترف بشيء اسمه الضبط والإحضار نتيجة تعثّر مالي وهي دول لديها نسبة تحصيل عالية أكثر من الكويت بالنسبة للديون لدى الشركات والأشخاص المفلسين رغم عدم وجود ضبط وإحضار لديهم. وذكر أن قانون تنظيم تبادل المعلومات الائتمانية ينص على وجود شركة ستكون قادرة على إعطاء كل شخص تقييما للمتعامل معه وفقا للمبدأ العالمي للأعمال التجارية «اعرف عميلك»، فهو قانون يتيح معرفة السجل المالي للأشخاص والشركات أمام الجهات المتعاملة معهم. وأكد أن الخوف من ضياع الحقوق وكثرة الديون المعدومة نتيجة إلغاء الضبط والإحضار في قانون الإفلاس لا يستقيم مع التجارب العالمية، فنحن حاولنا جاهدين لوضع قانون كبير بهذا الحجم يتماشى مع المبادئ الدولية ومع القوانين المقارنة. وذكر أنه حتى تطبيق هذا القانون وبعد تطبيقه سيقابل المجتمع تعثّرات كثيرة بسبب دخول هذا القانون حيز التنفيذ في المنظومة القضائية، ومن ثم فهو بحاجة الى مدة زمنية لإثبات قوته وكفاءته وتبيان أثره الطيب على البيئتين القانونية والاقتصادية في البلاد. وسيلة حقيقية وبسؤاله عما إذا كان الغاء الضبط والإحضار في قضايا الإفلاس سيؤدي الى حدوث مشاكل كبيرة بين الاشخاص والشركات والبنوك والدائنين والتأثير على الاقتراض بشكل عام، أجاب د. حسين بوعركي بأنه لا خلاف في أن التوجه العالمي مع إلغاء الضبط والإحضار في قضايا التعثر المالي، ولكن يجب الأخذ بعين النظر البيئة المحلية، فإن إلغاء الضبط والإحضار في الكويت سيسبب شللا لحركة الائتمان والبيع المؤجل حتى البيع العادي بثمن الحال، وأكد أن كثيرا من المعاملات حلها النهائي هو الضبط والإحضار، فهو وسيلة تحصيل الدين الحقيقية، وذكر أن سلطة القاضي المدني في موضوع الضبط والإحضار في القانون الكويتي بسيطة جدا في هذا الشأن، وفي الواقع العملي فإن المدين أو المتعثر اذا تم ضبطه فإنه يحبس يومين ويخرج ويتم تقسيط المديونية عليه، وضرب مثلا بقضية نصب على مواطن بـ 11 الف دينار، وتم تقسيطها الى 30 دينارا في الشهر، والتزم المتمم بالسداد ثلاثة أشهر، وامتنع بعد ذلك، وهكذا تستمر العملية. وقال إن سلطة الضبط والإحضار في الواقع العملي لا تطبق إلا على المبالغ البسيطة، وكثيرا من المدينين لا يدفعون إلا عند ضبطهم من رجال التنفيذ بالطرق السريعة، إذ دفع أحدهم عن طريق الـ «كي نت» 70 الف دينار مديونية. وعما إذا كان بإمكان الدائن البحث عن أدوات أخرى لتحقيق الضمان، قال إنه إذا توافرت وسائل وبدائل أخرى لتحقيق الضمان، فإنه يمكن الحديث حينها عن إلغاء الضبط والإحضار، لكن المنظومة اليوم تكون كلها على هذا الأمر، ولذلك يجب الموازنة بين الأمرين، فالشخص المدين أخذ أموال غيره، كما أن إلغاء الضبط والإحضار سيتسبب ايضا في إرهاق المنظومة القضائية التي تنهي أساسا تلك المنازعات المالية عن طريق الضبط والإحضار. وذكر أن قاعدة «اعرف عميلك» يمكن تطبيقها في الشركات المتعاملة مع الأفراد، لكن يصعب تطبيقها في تعاملات الأفراد مع بعضهم البعض، مؤكدا أن من المنتقد أن يلغي قانون خاص تشريعا عاما. مسائل مستحدثة من جانبه، وبسؤاله عن غياب الضبط والإحضار والرأي القائل بأن وجوده يمنع قيام غابة بين الناس وأخذ الحقوق بالقوة، وأن الشريعة الإسلامية والعديد من الدول تطبق مبدأ الضبط والإحضار ومدى تأثيره على إحداث بلبلة في أوساط المدينين والدائنين، قال د. محمد المطيري إن المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات في الباب الرابع تنص على أن المشروع استحدث عدة ضوابط بغية وضع معالم وشروط محددة، إذن فهي مسائل مستحدثة ولم تكن موجودة قبل عام 1980، إذ كنا نعتمد على القانون العثماني الذي هو تارة مع الضبط وتارة ضده. وأوضح أن المشروع نص صراحة منعا لأي لبس، على أن تنفيذ الأمر بالحبس لا يؤدي الى انقضاء الحق الذي تقرر الحبس من أجله، ولا يمنع من التنفيذ الجبري لقضائه بالطرق المقررة قانونا، ومن الطبيعي ان الدائن طالب الحبس هو المكلف بإثباته، بل يتعين أن تكون قدرة المدين على الوفاء مستندة الى أموال، مما يجوز الحجز عليها، فإذا قامت هذه القرينة على أموال لا يجوز الحجز عليها، امتنع الحاجز عند الضبط بالحجز. وذكر أن الضبط والإحضار لا تظلم منه، وقد يكون حدث عن طريق الخطأ، موضحا أن قانون تنظيم تبادل المعلومات الائتمانية عالج مسألة تعرض الناس للنصب للشركة أو الشخص معرفة الملاءة المالية للمديون وقدرته على السداد من عدمها. وقال إن واضعي القانون يطمحون للأفضل والتجربة السنغافورية خير دليل على ذلك، فليس لديهم ضبط وإحضار، ومع ذلك فإنهم يمتلكون أعلى نسبة تحصيل في العالم من الديون من المفلسين، إذ تبلغ 88% وفق إجراءات معينة. وأكد أن الهدف من تلك القوانين الأخيرة هو النهوض بالمشروع، لافتا الى أن الفلسفة العقابية أو التشريعية اختلفت من قانون عقاب يعدم المشروع الى قانون يقيمه. وقال إن الغاء الضبط والإحضار لن يسبب شللا في الحركة القضائية، ولا يمكن الحكم على القانون قبل تطبيقه تماما كأن نضع العربة أمام الحصان ثم نستغرب عدم سيرها أو سيره، فعند تطبيق القانون سيظهر القصور وبعدها يمكن معالجته. المحور الثالث: هل سيكون إلغاء الضبط والإحضار في قانون الإفلاس مقدمة لإلغاء المشرع للعقوبات في موضوع الشيك بدون رصيد والجرائم المالية والخاصة بعمل الشركات والتجار؟ قال د. محمد الوسمي إن قانون الإفلاس الجديد مقارنة بالقديم به بعض المميزات، ورغم وجود محاكم مختصة بالإفلاس فهي ليست متخصصة بمعنى أن القضاة أو أعضاء الهيئة في هذه المحكمة لن يكونوا دائمين فيها، إذ يمكن تغييرهم، وبالتالي ستصبح المحكمة مختصة بالإفلاس، لكن القضاة كطبيعة بقية المحاكم في الكويت متداولون في أكثر من دائرة. وأوضح أن هذا القانون استحدث حكما غريبا لم يكن موجودا بالتشريعات الكويتية السابقة، إذ نص على أن كل إجراء قانوني في عملية الإفلاس أو إعادة الهيكلة أو التسوية القضائية يجب أن يكون محدودا بمدة معينة، منصوص عليها في القانون، فعملية الإفلاس قبل هذا القانون كانت تصل مدتها من يوم الى خمس أو سبع سنوات، لكن القانون الجديد حددها بألا تتجاوز الثلاثة أشهر، وكذلك تم تمييز المشروع الصغير، إذ يقلل القاضي له هذه المدة. ولفت إلى أن القانون الجديد استحدث ضمانات كثيرة للدائنين، فهناك من يراقب أعمال الأمين، وهو مدير التفليس في القانون السابق، وهو من سيدير أموال المفلس، ولكن يمكن لذوي الشأن الطلب من محكمة تعيين مراقب لإجراءات الأمين في عملية التفليس، كما ينص القانون على وجود شخص المفتش، فالأمين والمفتش والمراقب هم مدققو الحسابات المالية المعتمدة من هيئة أسواق المال، وهم ذوو كفاءة محددة بالقانون، والمفتش قد يعين عن طريق ذوي الشأن أو الدائن أو المحكمة، للبحث عما يخفيه المدين ان كان هناك شكوك حوله، فهذه ضمانة ضد من يقوم بعمليات مشبوهة وأفلس، إذ يجيز القانون للمفتش الدخول الى أي كيان، سواء كان عاملا أو خاصا للبحث عما يتعلق بالمدين والأمين. وعما إذا كان إلغاء الضبط والإحضار للمدين سيتبعه الغاء عقوبات الشيك بدون رصيد والجرائم المالية، قال إن «هذا الأمر لم يُبحث وعملية الشيك بدون رصيد مختلف فيها فيما اذا كانت عملية ضمان أو وفاء، ولكن القانون يوضح أنها أداة وفاء وليست أداة ائتمان، فلذلك تنظر لها المحاكم على هذا الأساس، وبالتالي تعد جريمة، وهي خارجة على نطاق الأعمال التجارية. أما عن اتخاذ بعض التجار للشيكات كخطابات ضمان فقال، إن ذلك عمل جار في البيئة الاقتصادية الكويتية، ولكن المحاكم تنظر لها نظرة قانونية بحتة، وفق ما نص عليه قانون التجارة أو قانون الجزاء. إلغاء الضبط والإحضار وفقا للتعديلات الواردة في قانون الإفلاس الجديد فإن كل قرارات الضبط والإحضار سيتم إلغاؤها بعد نفاذ أحكام هذا القانون، الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من نشر اللائحة التنفيذية في الجريدة الرسمية، طبقا لنص المادة السادسة من القانون، التي تنص «على رئيس مجلس الوزراء والوزراء - كل فيما يخصه - تنفيذ هذا القانون، وينشر في الجريدة الرسمية، ويعمل به بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشر اللائحة التنفيذية في الجريدة الرسمية»، ووفقا لنص المادة الرابعة من القانون فإن الموعد المعين لإصدار اللائحة هو خلال ستة أشهر، وبعدها يتم احتساب ثلاثة أشهر لتنفيذ القانون بعد نشر لائحته في الجريدة الرسمية. ضبط وإحضار من ناحيته، وبسؤاله عما إذا كنا مقبلين على الغاء النصوص الجزائية بعد إلغاء الضبط والإحضار في الدين تجاري والإفلاس، قال الدكتور حسين بوعركي إن «قانون الإفلاس تضمن في بعض العقوبات شمولا تشريعيا وتجريما لجميع إجراءات الإفلاس». وأوضح أن النمط التقليدي لجرائم الإفلاس هو معاقبة المفلس بالتدليس أو المفلس بالتقصير، ولكن القانون الجديد يعاقب على جميع الإجراءات من بداية اعادة الهيكلة والتسوية وغيرهما. وقال إنه اذا كان الغاء الضبط والاحضار سيشل الحركة التجارية فإن الغاء عقوبات الشيكات سيعدم الحركة تماما ويصيبها في مقتل، فكثير من التعاملات التجارية والعقارية في الكويت يستخدم فيها الشيك كأداة ضمان، لانه اذا قدم الى البنك دون رصيد فمعناه الحبس الفوري، والبيئة التجارية في الكويت اعتادت هذا الأمر ولم يعد مقبولا اليوم الغاء تجريم الشيك بدون رصيد، فالناس اعتادت هذا الأمر، وأصبح عرفا ساريا، ولا يمكن للقوانين ان تأتي بما يخالف العرف أو سلوك الناس وحاجاتهم، مؤكدا أن الغاء تجريم الشيك بدون رصيد سيكون كارثة كبيرة. وبسؤاله عما إذا كنا بحاجة إلى استحداث فكرة شيك الضمان لضمان الاستقرار في سوق الأعمال التجارية، قال إنه يجب تشريع وتنظيم شيك الضمان، ولكن هذا لا يلغي الشيك العادي، فالقاعدة الجنائية ان الشيك اجنبي عن سببه، وهذه القاعدة هي التي جعلت ذلك الشيك محل احترام وثقة في التعاملات ذات الأجل، والغاؤه سيكون له أثر كبير على الدولة. الشيك أداة وفاء من جانبه، قال الدكتور محمد المطيري، إن «الشيك هو اداة وفاء وورقة تجارية لها صفات منظمة في قانون التجارة، وليست اداة ضمان، والواقع العملي يستخدمها على انها اداة ضمان، إذن هناك استخدام خاطئ لهذه الورقة وهو ما يزج بمجموعة تجار أو اشخاص في السجن، وبالتالي لابد من الغاء فكرة حبس مصدر الشيك بدون رصيد، لأن تلك الخطوة تعد تعاملا ماليا، فقد يكون مصدر الشيك وقتئذ حسن النية ولديه رصيد، وبسبب وضع اقتصادي معين فقد ملاءته المالية، وبالتالي سيتم حبسه بدين جنائي. وذكر أن هذا الأمر تم بحثه في قانون الإفلاس في المادة 290، التي تنص على أنه إذا أصدر شخص شيكا وتعثرت تجارته، وأدى التعثر إلى استحقاق الشيك، وكانت تجارته قابلة للاستمرار فإنه يطلب منه البدء بإجراءات التسوية الوقائية وإعادة الهيكلة، ثم يتم وقف الإجراءات الجزائية فيما يتعلق بالشيك، وبالتالي يتم توفير نوع من الحماية له. وقال ان الفلسفة التشريعية من هذا القانون ليست عقابية بل هي القيام بالمشروعات واستكمالها، واكد انه مع فكرة الغاء تجريم شيك والبحث عن بدائل اخرى وضمانات دعم الشركات والتجار والدائنين. وتساءل هل نريد الضمانات لإثبات الدين ام للحصول عليه؟ والإجابة انها للحصول على الدين، فالدائن قبل اعطاء الأموال للمدين عليه التحقق من ملاءته المالية عن طريق قانون تبادل المعلومات الائتمانية أو شهادة الراتب وخير من يطبق ذلك البنوك. وأكد أن مسألة الدين كانت ومازالت قائمة على الثقة، موضحا أن وسائل تحصيل الدين كثيرة منها حجز اموال المدين لدى الغير، والحجز على عقاراته، والأسهم والمستندات التي يملكها والمنقولات التي في حوزته، وإذا لم يكن يمتلك شيئا من هذا فهو معسر، وإذا كان تاجرا يخفي أمواله، فإن قانون الإفلاس الجديد يتضمن وجود المفتش الذي سيقوم بالتفتيش عن كل ما يمكن إخفاؤه، سواء كان ظاهرا وباطنا، إذ بإمكانه البحث عن اموال التاجر حتى في الخارج واحضارها وفق سلطات لا محدودة له في القانون كي نضمن تطبيقه تطبيقا صحيحا. ورأى ضرورة عدم تطويل الإجراءات الخاصة بالشركات عن طريق تعديل المادة 554 في قانون التجارة، والزام المحكمة الجنائية بالحكم لمصلحة الدائن. المحور الرابع: هل نحن بحاجة الى تنظيم التجارة الإلكترونية قانونيا لا سيما بعد ازمة كورونا وما اظهرته من غياب التنظيم القانوني لهذه التجارة؟ - قال الوسمي إن أزمة «كورونا» وما تبعها من حظر واتجاه الناس للشراء عن طريق الإنترنت، ووسائل التواصل الحديثة كلها امور اظهرت الخلل الموجود في البيئة التشريعية الكويتية مما يتعلق بالاعمال التجارية الإلكترونية، من حيث تأخر وصول البضاعة أو عدم وصولها، والحمد لله انجزنا تشريعا هو قيد الإجراءات في وزارة التجارة يتعلق بالتجارة الإلكترونية فيما يخص اثبات العقد والمعلومات الواجب الإفصاح عنها من قبل التاجر الإلكتروني وحماية المستهلك الإلكتروني. وبسؤاله عما اذا كانت هناك فكرة مبلورة للحصول على التراخيص والشركات المرخص لها قال، ان الشركات التجارية التي تقوم بالبيع عن طريق وسائل التواصل الحديثة ستكون خاضعة لهذا القانون الى جانب الممارس الإلكتروني، أي أن الشخص الذي يبيع من بيته عن طريق التطبيقات أيضا سيخضع لأحكام هذا القانون، وتطبق عليه العقوبات او الإفصاح عن البيانات لدى وزارة التجارة. الإعلام الإلكتروني من جانبه، وبسؤاله عن مدى تأثير التجارة الإلكترونية على الواقع الاقتصادي في الكويت، قال الدكتور حسين بوعركي، إن المشرع فصل جرائم قانون الإعلام الإلكتروني بشكل دقيق، وأهمل جانب التجارة الإلكترونية رغم انها قد تكون الآن التجارة الأولى فأكثر عمليات الشراء تتم عبر الموبايل والتطبيقات الإلكترونية، وهو امر يتطلب تنظيمه على نحو دقيق. وأكد أن الفراغ التشريعي سبب مشاكل كثيرة، فالنيابة العامة قد تتهم شخصا بجرائم الإعلام الإلكتروني، وقد تكون معاملته في واقع الأمر تجارية، فيحاسب بنصوص عامة على مشاكل مستحدثة، ولذلك يجب المسارعة لسد هذا الفراغ التشريعي. بدوره، وبسؤاله عن مدى الحاجة لتشريع ينظم التطبيقات الإلكترونية، ومدى تأثير ذلك على المنظومة الاقتصادية قال الدكتور محمد المطيري، اننا «تأخرنا كثيرا في تشريع قانون التجارة الإلكترونية، إذ صدر قانون التعاملات الإلكترونية والجرائم الإلكترونية والتوثيق القانوني، وبقي قانون التجارة الالكترونية، وهو استحقاق للمجتمع الكويتي، لاسيما بعد ازمة كورونا بعدما زاد التسوق الإلكتروني. وتعجب من مقابلة ما يحدث في التجارة الإلكترونية من تأخر البضاعة مثلا او عدم مطابقتها للمواصفات المعروضة بقوانين عادية تقليدية. وعن مدى سلامة المعاملات الالكترونية وثقة الناس بها، قال انها عبارة عن عقد بيع والقواعد العامة في الفقه المدني تتحدث عن مجلس العقد وانعقاده. كلمة أخيرة قال د. حسين بوعركي ان هناك ظاهرة منتشرة حاليا هي ظاهرة منصات التداول والاستثمار الإلكتروني، وهي لا تخضع لرقابة هيئة اسواق المال، ومن هنا تكمن اهمية اصدار قانون ينظم التجارة الإلكترونية، فهذه المنصات استخدمت ملايين الدنانير. من جانبه، قال الدكتور الوسمي إن أزمة كورونا واتجاه الناس الى الشراء عبر الـ«اونلاين» سببت مشاكل كثيرة، واصبحت الشركات تتأخر في توصيل الطلبات، لذلك اصدر وزير التجارة قرارا بتحديد الايام التي يتم التوصيل خلالها، والزم كل تاجر بذلك، والا يعتبر مخالفا وتتم معاقبته. الوسمي: • إقرار حزمة القوانين الاقتصادية ساهم في تحسين مركز الكويت بمؤشر بيئة الأعمال • قانون تبادل المعلومات الائتمانية يوفر حماية للدائن وفق مبدأ «اعرف عميلك» • المحاكم تنظر للشيك بدون رصيد على أنه أداة وفاء لذلك هو جريمة خارجة عن نطاق الأعمال التجارية بوعركي: • ضرورة تطوير «الخبرة» إذ لا يمكن للقضاء العمل مع الإدارة الحالية في الجانب التجاري • من المهم الإسراع لسد الفراغ التشريعي المتعلق بالتجارة الإلكترونية • منصات التداول والاستثمار الإلكتروني لا تخضع لرقابة «هيئة الأسواق» رغم استقطابها ملايين الدنانير المطيري: • قوانين السجل التجاري وتعديل «الشركات» و«تنظيم التأمين» إضافات مهمة للبيئة الاقتصادية • قانون التجارة الإلكترونية استحقاق للمجتمع لاسيما بعد أزمة «كورونا» • التجربة السنغافورية خير دليل على تحصيل الديون دون اللجوء إلى «الضبط والإحضار» المطلوب إنشاء محاكم اقتصادية يتاح لها عقد الجلسات بوسائل إلكترونية لا يوجد في الكويت قانون لتنظيم الاستيراد بل للتصدير فقط رواج تجارة التطبيقات التكنولوجية خلال جائحة «كورونا» رغم غياب التشريع إلغاء الضبط والإحضار سيتسبب في إرهاق المنظومة القضائية في المحاكم قانون الإفلاس يهدف إلى إعادة هيكلة أموال الدائن والتسوية الوقائية استعانة التجار بشيكات الضمان لا يقابلها أي حماية قانونية ينبغي إيجاد بدائل لضمان سداد الديون بعد إلغاء الضبط والإحضار قانون الإفلاس أوجد المفتش للبحث عن الأموال التي يخفيها الدائن
مشاركة :