في حال سار كل شيء بحسب الخطة، فإن تركيا ستدعو إلى انتخابات جديدة، بشكل يتيح للحزب الحاكم إدعاء حصوله على أغلبية كبيرة. وخلال شهر أعادت تركيا فتح جبهة مع حزب العمال الكردستاني، الحركة الكردية الانفصالية التي أقامت معها هدنة دامت مدة عامين. ودعت تركيا الولايات المتحدة أيضاً إلى استخدام قواعدها الجوية لشن هجمات على المجموعات الإرهابية الموجودة على امتداد الحدود السورية، وهي الخطوة التي رفضتها أنقرة في السابق، على الرغم من عامين من المناشدات. وفي الوقت ذاته، بدأت الطائرات التركية قصف مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني في كردستان العراق والميليشيا الكردية السورية ووحدات حماية الشعب التي نفذت تحت الغطاء الجوي الأميركي عمليات ميدانية كثيرة ضد تنظيم داعش. وأعلنت تركيا أن الأكراد قد يشكلون تهديداً أكبر من تهديد داعش الدائر على امتداد العالم العربي، والذي يعتبر الآن تهديداً كبيراً لاستقلال المنطقة، وتحدياً مباشراً للنظام العالمي. بات الشرق الأوسط اليوم يحترق عند كل ركن أكثر من أي وقت مضى في القرن الماضي، لا سيما وأن تنظيم داعش يواصل تهديد السلطات العراقية والسورية، غير أنه بالنسبة إلى أنقرة فإن المناطق الممتدة إلى الجنوب الشرقي من أراضيها تمثل بؤرة تفكك المنطقة، حيث يستفيد الأكراد بشكل واضح من الفوضى لتحقيق أهدافهم. ويمكن تفهم المخاوف التركية بالنظر إلى الجهة التي تدير المعارك اليوم في سوريا. وتعتبر قوات حماية الشعب التي تعمل مع قوات البشمركة التابعة لكردستان العراق، القوة الأساسية ذات المصداقية التي تعمل ضد تنظيم داعش، والتي تسيطر على أراض واسعة جنوب الحدود التركية، والممتدة من الجبهة العراقية إلى الحافة الشمالية الشرقية لحلب. وتحكم الميليشيا الكردية أيضاً قبضتها على شمالي غرب سوريا، وتلح تركيا على إنشاء منطقة حظر جوي في المنطقة بين الاثنين. ويجري تسويق هذه الخطوة باعتبارها مهمة بالنسبة إلى المقاتلين والمدنيين السوريين. والواقع أن ذلك قد يمنع الميليشيات الكردية من التواصل، ومن وجهة نظر أنقرة، فإن ذلك يغير من الجغرافيا السياسية للحدود. وفي العراق، تواصل كل من الولايات المتحدة وإيران التظاهر بأنهما لا تتعاونان لقتال تنظيم داعش، بينما تحلق الطائرات الأميركية دعماً للميليشيا التي يؤيدها الإيرانيون. وستستمر معاناة السوريين النازحين والمحرومين لسنوات عدة، ومن الصعب رؤية كيف أن أي سلطة محلية يمكنها أن تستعيد السيطرة على البلاد، والأمر ذاته ينطبق على العراق. ويتواصل سعي أطراف النفوذ نحو تحقيق السلطة والتأثير في شحن الحرب في سوريا على وجه الخصوص. وللمرة الأولى منذ بدء الأزمة كانت هناك علامات على أن اللاعبين الدائمين في سوريا، وهم إيران والسعودية وروسيا والولايات المتحدة وتركيا، يدركون أن الأجندات المتباينة لا تقود إلى نهاية ترجى.
مشاركة :