صور قديمة من بيروت الزمن الجميل في «مهرجانات بيت الدين»

  • 8/23/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ثلاث ليالٍ من الفرح والمتعة خصصتها «مهرجانات بيت الدين» لروادها، وجاءت النتائج على قدر التوقعات؛ الأماكن نفدت والحجوزات أقفلت. «بار فاروق» الذي قدم بدأ من مساء الخميس ويستمر حتى مساء اليوم، ليس عرضًا مقطوعًا من شجرة، فهو امتداد شرعي لعرض «هشك بشك» الذي يلقى نجاحًا كبيرًا ولا يزال متواصلاً منذ سنتين ونصف السنة في «مترو المدينة» البيروتي. وإذا كان «هشك بشك» قد استوحى أجواء الكباريهات المصرية فإن «بار فاروق» مُلَبنن، وجاء اسمه نسبة إلى «مسرح فاروق»، الذي كان قائمًا في وسط المدينة، ولم يعد أحد يأتي على ذكره. العرض الذي يُقدم في الباحة الصغيرة والحميمة للقصر الشهابي الجميل حول نافورة ماء، محاطة بطاولات الحضور التي ازدان كل منها بطربوش أحمر وشمعة، انطلق بعرض لصور قديمة من بيروت الزمن الجميل المضمخ بالحنين. الستارة التي تفتح إلى أعلى تكشف عن ملهى يجلس فيه ستة عازفين، وسرعان ما يمتلئ بالرقص والغناء وجولات الطرب المتتابعة. الدعوة واضحة منذ البداية: «تعا شوف عالمكشوف بيروت، ميّل عبار فاروق، إذا بدك طرب ومغنى قرّب بتسلطن عنا». لا يمل المتفرج، فالأغنيات التي نسمعها في هذا البار تعود إلى عمر الزعني، شوشو، فريال كريم، هيام يونس، فريد الأطرش، طروب، محمد جمال، كهرمان، نجاح سلام، أسماء يعرفها الحاضرون، وأخرى جاءت ونسيت قبلهم، لكنها تتميز جميعها بحسن الكلام والقدرة على الجذب. الموسيقى الحية مع الأصوات الجميلة جدًا، التي لها مهارة التلون، إضافة إلى الأزياء الخلابة الألوان، يُضاف إليها الديكور البديع والإضاءة المتقنة، كلها عناصر جعلت من العرض الذي دام لساعتين، متعة للفرجة، إضافة إلى الجزء الأمامي من المسرح الذي يصطف فيه العازفون بملابسهم التقليدية أو التراثية، هناك ثلاثة أبواب كبيرة تارة تغطى بالستائر المخملية الحمراء، وتارات أخرى تفتح لنرى جزءًا آخر داخليًا من هذا الملهى، الذي يضج بالحركة والرقص والأجساد المتمايلة. يعود هشام جابر، كاتب العمل ومديره الفني، من خلال أبحاثة إلى ثلاثينات القرن الماضي، مرورًا بالأربعينات والخمسينات وصولاً إلى الحرب الأهلية اللبنانية في منتصف السبعينات. الأرشيف الفني الشعبي، يُقدّم حيًا على الخشبة، المؤدون لهم طريقتهم في الغناء التي تلائم أجواء الملهى. الصور والأفلام التي تنعكس على خلفية المسرح بين الحين والآخر تزيده غنى. ما بين القبضاي والخواجة والنادل صاحب المآرب والمغنين والراقصات، ثمة أدوار يتم تبادلها، شخصيات تتبدل معالمها. كل شيء جائز في هذا العالم الذي يبحث عن لحظات من النسيان العبثي. أما الجمهور، فكلما بدت الأغنيات أقرب إلى زمنه وذاكرته، ازداد حماسة وتصفيقًا ورقصًا. أغنية ستات بار فاروق، التي ينتهي بها الجزء الأول من العرض مع ما يرافقها من إيماءات، خلبت قلوب الحاضرين. تقف السيدات الأربع بملابسهن الملونة ويغنين: «نحنا ستات بار فاروق، ما حدا بياخد مطارحنا، نحنا إذا تلحلحنا، منطير وزير ومنعين سفير». وتقول النساء أيضًا إنهن ذا تلحلحن: «منشغل المسارح ومنشعل المطارح ومنكسر الشر». هذه السلطة التي تغنيها نساء بار فاروق، تسعد الجمهور العريض الذي يصفق بحرارة وتشجيع كبيرين». الجزء الثاني جاء أقرب زمنيًا بأغنيات لا تزال على البال، فمن لا يزال يذكر أغنية طروب الشهيرة «يا ستي يا ختيارة» وأغنية محمد جمال الشهيرة «آه يا أم حماده» أو أغنية سمير يزبك «دقي دقي دقي يا ربابة». أرشيف غني استعاده الموسيقي زياد الأحمدية توزيعًا، مع خمس أغنيات جديدة، تلهف لغنائها الجمهور. يبدو العمل خفيفًا، يستهوي الصغار والكبار معًا، لا يحتاج لكثير تحليل. القصد هو أن تستمتع وتغني وتصفق، وتشعر بشيء من المتعة في لحظات لم يعد من السهل فيها إيجاد فسحة استراحة. لكن وراء هذا العمل ثمة بحث طويل استمر أشهرًا، ومحاولة لتركيب عناصر تراثية كثيرة تختلط بأخرى أفرنجية سادت ذاك الزمن الذي يعود إليه العرض. فعلى المسرح، الأرجيلة والشاي والعرق سوس والطرابيش والكوفيات، والقبعات النسائية المزدانة بالريش، كما الفساتين الديكولتيه، وإيقاعات الطبل التي تمتزج مع أنغام الأكورديون والعود والكمان. ثمة أغنيات شرقية محض، وأخرى ملفحة بالنغم الإسباني أو الأجنبي. الإخراج والإضاءة جاءا متقنين إلى حد جعل كل ضعف في الأداء، أو خفوتًا في الموسيقى، يبدو عارضًا وغير ذي أهمية. الشغل البصري ليس بالقليل، كما أن انتقاء الأصوات الجميلة والقادرة على الدخول في مغامرة تأدية أغنيات مختلفة الطابع، يحسب لهشام جابر، الذي استطاع من خلال «هشك بشك» ومن ثم «بار فاروق» أن يلتقط حاجة جمهور متعطش للمرح والطرب والانشراح، دون أن يقع في الابتذال أو الاستخفاف. الجمهور يبدو أنه ملّ الجدية في المهرجانات، لا سيما جمهور الكبار، وبات يطلب شيئًا من المتعة الطربية التي غايتها أن تنسيه هموم اللحظة، دون أن تؤرقه بالبحث عن مغزى ما يرى ويسمع.

مشاركة :