تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعيد وفاة الأنبا صموئيل المعترف في يوم 8 كيهك من الشهر القبطي الموافق 17 ديسمبر من الشهر الميلادي ؛ وكلمة معترف المقصود بها القديس الذي تعذب من أجل العقيدة المسيحية دون أن يصل لدرجة الاستشهاد ؛ بمعني أنه عذب وجرح ولكنه لم يمت. ولد الانبا صمويل عام 597م من أبوين مسيحين تقيين ؛ أحسنا تربيته ؛ فعاش محبا للكنيسة وعقائدها ؛ وعندما كبر أراد والده أن يزوجه ؛ فرفض القديس بأصرار وأظهر له رغبته في الرهبنة ؛وبعد قليل توفيت والدته ولحق بها والده ؛فقرر القديس التوجه إلى برية شيهيت (منطقة وادي النطرون حاليا ) ووصل إلى المغارة التي يعيش فيها الانبا أغاثون أب رهبان المنطقة ؛ ففرح به الانبا أغاثون ؛وبالفعل تتلمذ الانبا صموئيل على يد الانبا أغاثون ؛ وبعد ثلاث سنوات توفي الأنبا أغاثون ؛فخلفه الانبا صموئيل في رئاسة المنطقة ؛ وحدث في ذلك الوقت أن هجم المقوقس على منطقة وادي النطرون ؛ وكان غرضه الرئيسي هو أن يجبر رهبان وادي النطرون على قبول قرارات مجمع خلقدونية ( مجمع خلقدونية هو المجمع الذي على أثره أنشق العالم المسيحي إلى كنائس غربية أعترفت بقرارات هذا المجمع ؛ وكنائس شرقية رفضت الاعتراف بقرارات هذا المجمع ؛ وكان محور الخلاف هو طبيعة السيد المسيح ). فعندما تقابل الانبا صموئيل مع القائد الموفد من قبل المقوقس لإجبار الرهبان على قبول قرارات مجمع خلقدونية ؛ صرخ فيه الانبا صموئيل قائلا " ملعون مجمع خلقدونية ؛ وكل من يؤمن بعقيدته الفاسدة ؛ ونحن لا ندين بالولاء لغير أبينا العظيم الأنبا بنيامين "( البطريرك ال 38 ؛ وكان منفيا عن كرسيه في ذلك الوقت ؛ وعاد إليه على يد عمرو بن العاص بعد فتح مصر عام 641م ) فجن جنون القائد وقال له "أقسم بعظمة الأمبراطور أني ساقطع رؤوسكم جميعا أن لم تبادروا بالتوقيع على هذه الرسالة " فقال له القديس "أرني رسالتك هذه " فظن القائد أنه أقتنع بكلامه وسوف يوقع عليها بالموافقة ؛ وماكاد الانبا صموئيل يمسك بالرسالة حتى مزقها وألقاها في وجه القائد ؛فعندما رأي القائد ما فعله الانبا صموئيل جن جنونه وأمر بتعذيب القديس وضربه بالسياط ؛وأثناء الضرب أصيبت عينه اليسري ونزفت دما غزيرا حتى تم تصفيتها " وهذا هو السبب في ظهور صوره بالأيقونات القبطية يعين واحدة " ثم طرده من الدير ؛فظهر له ملاك الرب وحمله إلى برية النقلون "جهة الفيوم " فخرج مع تلاميذه حتى وصل إلى هناك ؛ ولكن ما لبث جنود المقوقس أن تبعوه إلى هناك ؛ وقبضوا عليه وأحضروه أمام المقوقس وهو مكتوف اليدين ؛ وحاول المقوقس أن يجبره مرة أخري على الاعتراف بقرارات مجمع خلقدونية ؛فرد عليه القديس "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس ؛وينبغي لنا أن نطيع بطريركنا الانبا بنيامين ؛ لا أن نطيعك أيها المعاند وضد المسيح " فقال له المقوقس "سأعذبك حتى تعرف كيف تتكلم جيدا مع البطريرك وحاكم مصر " ثم أمر الجند بضربه وتعذيبه بشدة ؛ ولم يكتف بذلك بل أراد قتله لولا تدخل كبار رجال الفيوم الذين أستعطفوه أن يتركه وشأنه ؛فأمر المقوقس بطرد الانبا صموئيل من الدير ؛وقال له " أن رأيتك غدا في هذا المكان فإنك موتا تموت " فرحل مع تلاميذه من جبل النقلون بعد أن مكث فيه نحو ثلاث سنوات ونصف " وفيما هو هائم على وجهه في الصحراء ظهر له ملاك الرب ونصحه أن يتوجه إلى منطقة جبل القلمون (نواحي مغاغة حاليا )؛وهناك وجد كنيسة قد تغطت بالرمال لأنه لم يدخلها أحد منذ مدة طويلة ؛فقام بتنظيفها ؛ووجد بجوارها قلالي "جمع قلاية وهي مكان سكن الرهبان ؛ وهي مشتقة من كلمة كيليا بمعني خلية باللغة اليونانية ؛ وجاءت منه كلمة Cell الإنجليزية " ؛كان قد بناها الرهبان الذين أوفدهم القديس الانبا أنطونيوس إلى هذه المنطقة لتعميرها والسكن فيها ؛فقام أيضا بتنظيفها. وسكن فيها الرهبان الذين حضروا معه وتعرض لهجوم البربر عليه مرتين ؛وفي المرة الثانية أسروه إلى منطقتهم وحاولوا أجباره على الزواج من جارية ؛ ولكن الله نجاه من ايديهم ؛وقام بإجراء معجزات شفاء كثيرة لزوجة زعيم القبيلة ؛ حتى آمن زعيم القبيلة بالمسيحية ؛ وسأله ماذا تطلب مني مكافأة لك ؛ فرد عليه القديس ليس له إلا طلب واحد هو السماح له بالعودة إلى ديره بجبل القلمون ؛ وفي البداية رفض طلبه ؛ولكن إزاء إصرار القديس على طلبه وإلحاحه ؛وافق أخيرا على السماح له بالعودة إلى ديره ؛ وبعد فترة قللية مرض بالحمي ؛ فجمع رهبان الدير وأعطاهم وصيته الأخيرة ؛ ثم توفي بسلام يوم 8 كيهك عام 695 م ؛ وله من العمر نحو 98 عاما قضي منها 74 عاما راهبا مجاهدا.يبقي بعد ذلك كلمة عن الدير الأثري بمنطقة جبل القلمون ؛ وكلمة قلمون كلمة بونانية معناه بوص ؛إذ يكثر فيها نبات البردي الذي تصلح أعواده لصنع الأقلام للكتابة ؛ ولعل من كلمة قلمون اليونانية جاءت كلمة " القلم " العربية ومازال هذا النبات ينبت بالمنطقة الزراعية المحيطة بالدير حتى اليوم. أما عن الدير نفسه ؛ فلقد كتب عنه أبو المكارم ( القرن الثاني عشر الميلادي 1178م تقريبا ) فقال " يوجد به بيعة (أي كنيسة) على أسم السيدة العدري ( العذراء) مرتمريم (مريم) هذه البيعة متسعة جدا رسمت في رابع عشر هتور (هاتور) وانبا صمويل رئيس هذا الدير ومدبره كان عالما ومعلما وله من التعاليم كثيرا وكشف الله له ما سيكون في آخر الزمان وتكلم به وكتب عنه وصح في وقته من الزمان كما تنبأ عنه " كما وصف الدير وقال أنه يوجد به حديقة تقوم بزرع الزيتون وبعض الخصراوات.وباب الدير مغطي بألواح الحديد.كما يوجد به أربع منارات ؛ويحتوي على 12 كنيسة. كما يوجد بالدير عين ماء.وكان عدد الرهبان وقتها (عام 1178م) نحو 130 راهبا. كما ذكره ياقوت الرومي (1179-1229 ) في قاموسه الجغرافي وقال عنه أنه كان مشهورا ومعروفا للناس كافة. كما ذكره العلامة المقريزي (1442م القرن الخامس عشر ) في موسوعته الشهيرة فقال عنه " هذا الدير في برية تحت عقبة القلمون ؛ يتوصل المسافر منها إلى الفيوم ؛وبني هذا الدير على أسم صمويل الراهب وكان في زمان الفترة ما بين عيسي ؛ومحمد صلي الله عليه وسلم ؛ومات في تامن كيهك. وفي هذا الدير نخل كثير يعمل من تمر العجوة ؛وفيه أيضا شجر اللبخ ؛ ولا يوجد إلا فيه ؛وثمره بقدر الليمون ؛وطعمه حلو...وفي هذا الدير قصران مبنيان بالحجارة ؛وهما عاليان جدا ؛وفيه أيضا عين ماء تجري ؛وفي خارجه عين أخري ؛وبهذا الوادي عدة معابد قديمة ؛وخارج هذا الدير ملاحة يبيع الرهبان ملحها فيعم تلك الجهات ".كما أشار إليه الرحالة الفرنسي فانسليب ( 1635- 1679 ) فقال عنه " بعيدا عن ذلك الشاطيء نفسه دير الطوباوي آبا صمويل على جبل القلمون حيث صورة عجائبية للسيدة العذراء " .كما زار الدير العالم الإيطالي بلزوني (1778- 1823 ) عام 1819 ؛ فذكر عنه أنه لا أحد يسكنه من الرهبان.وتوجد به بقايا كنيسة كبيرة جدا وبعض الصور لا يزال الحائط يحتفظ ببقاياه. كما زاره أيضا العالم الشهير سومرز كلارك ( 1841- 1926 ) عام 1912 ؛وذكره ضمن الأديرة الثمانية الموجودة بمصر وقتها. كما ذكره أخيرا ك.ك.وولترز في كتاب "الأديرة الأثرية في مصر " والتي صدرت له ترجمة عربية عن المشروع القومي للترجمة ؛ وقام بالترجمة إبراهيم سلامة إبراهيم ؛ فقال عنه في وصف حائط الدير " أن ارتفاعه 8 متر ؛ ومن الواضح أنه محل سور قوي كان مبنيا من الطوب اللبن ". ومن الناحية التاريخية ؛ينتمي دير الأنبا صموئيل بالقلمون إلى مجموعة أديرة الفيوم ؛ويقع الدير بالقرب من مجموعة أديرة الفيوم ؛ وهو امتداد للمنخفض الكبير الذي يشمل أقلبم الفيوم ووادي الريان، ويمكن تحديد تاريخ إقامة الدير بالقرن الرابع أو الخامس ؛ ودمر الدير في القرن التاسع أثناء بطريركية البابا شنودة الأول. وأسترد الدير مكانته في القرن الثاني عشر ؛وصار من أهم المؤسسات الرهبانية في مصر؛ حيث نسمع عن أسوار ضخمة ؛ وحدائق باسقة ؛ وأثني عشر كنيسة؛ واربعة أبراج كبيرة ويقول عنه المؤرخ ياقوت الرومي ( القرن الثالث عشر ) إن دير القلمون مشهور لدي الناس ؛ وهجر الدير في القرن الخامس عشر ؛ وأعيد تعميره عام 1898م ؛بواسطة الأب إسحاق البراموسي ومعه عشرة رهبان جاءوا من أديرة وادي النطرون أما عن الآباء البطاركة الذين تخرجوا من هذا الدير هما البابا تيموثاوس الثاني البطريرك ال ( 26 ) من بطاركة الكنيسة القبطية ؛ والبابا غبريال الخامس البطريرك ال ( 88 ). أما عن البابا تيموثاوس الثاني فهو أول بطريرك يأتي بعد مجمع خلقدونية (451م ) وترهب في دير العذراء بجبل القلمون ؛وأنتخب بطريركا أثناء غياب الوالي الروماني ؛ فعندما حضر الوالي غضب غضبا شديدا وأمر بنفيه خارج الإسكندرية إلى جزيرة غنغرا. وأستمر في المنفي نحو 7 سنوات ؛وعندما مات الوالي وتولي مكانه والي جديد ؛توسط الشعب إليه لكي يعفو عنه ؛فوافق الوالي الجديد وبالفعل سمح له بالعودة إلى كرسيه بالإسكندرية ؛ وتوفي هذا البطريرك عام 477 م ؛ودفن في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية. أما البابا غبريال الخامس ؛ فقد ترهب في دير القلامون ؛ ورسم بطريركا عام 1409م
مشاركة :