الغزالي والفلاسفة المحدثون

  • 11/17/2013
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

التفت بعض الكتاب المشتغلين بحقل الدراسات الفكرية والفلسفية في المجال العربي المعاصر، إلى وجود حالة من الشبه والتشابه على مستوى الأفكار والمناهج، سواء من طرف قريب أو من طرف بعيد، ما بين بعض فلاسفة المسلمين القدماء، وبعض فلاسفة أوروبا المحدثين، دفعت بهؤلاء الكتاب إلى إجراء مقارنات ومقاربات وموازنات استطلاعية واستكشافية وتحليلية في هذا الشأن، عبروا عنها في كتابات ومؤلفات وأطروحات جامعية. ولعل من أقدم الأعمال الفكرية والأكاديمية في هذا النطاق، رسالة الدكتوراه الأولى للأديب المصري الدكتور زكي مبارك (1892 ــ 1952م)، الموسومة بـ(الأخلاق عند الغزالي)، التي ناقشها في الجامعة المصرية سنة 1924م، وأثارت في وقتها من الجدل والسجال ما أثارت، لأن صاحبها تجرأ وانتقد الغزالي الموصوف بحجة الإسلام. في هذه الرسالة، خصص زكي مبارك بابا هو الباب الثالث عشر والأخير، حمل عنوان (في الموازنة بين الغزالي وبين الفلاسفة المحدثين)، اعتبر فيه أن لآراء الغزالي أشباها كثيرة في الفلسفة الحديثة، ولكنه حملته الرغبة في الإيجاز على الاكتفاء بأهم وجوه المقابلة بين الغزالي وبين الفلاسفة المحدثين، وحسبه ــ كما يقول ــ أن يدل القارئ على كيفية السير في هذا الطريق. وقد أشار الدكتور مبارك في هذه الموازنة والمقابلة، إلى ثمانية من المفكرين والفلاسفة الأوروبيين المحدثين، وهم حسب دولهم، الفرنسيون: ديكارت وباسكال وجسندي ومالبرانش، والإنجليزيون: هوبز وبوتلير وكارليل، والهولندي اسبينوزا. وأظن أن هذه أول محاولة في المجال العربي المعاصر، يتم فيها إجراء هذا النمط من الموازنة والمقابلة بين الغزالي وبعض الفلاسفة الأوروبيين المحدثين، بقصد الكشف عن بعض جوانب الشبه والتشابه، وبعض جوانب الافتراق والاختلاف على مستوى الآراء والأفكار. ويبدو أن هذه المحاولة على أهميتها وقيمتها لم تلفت الانتباه كثيرا، ولم تلعب دورا في إثارة الدهشة، أو تحفيز الفضول العلمي، مع أنها تناولت قضية لا تخلو من دهشة، والاقتراب منها يثير الفضول، ونادرا ما يتم الاقتراب منها، وبرهان ذلك أنها لم تتابع من الآخرين، وتعرضت للإهمال، وباتت بعيدة عن التذكر. وعند البحث عن تفسير لهذا الأمر، فإنه إما يرجع إلى تراجع الفلسفة، وانحدار الفكر الفلسفي بصورة عامة في المجال العربي المعاصر، وإما إنه يرجع إلى أن قضية الموازنة والمقابلة بين فلاسفة المسلمين القدماء وفلاسفة الغرب المحدثين ما زالت خارج دائرة البحث الفكري والفلسفي، وإما إنه يرجع إلى أن طريقة المعالجة التي تناولت جوانب الشبه والتشابه العام، وليس جوانب الأثر والتأثير الذي يمكن أن يثير الدهشة، وإما إنه يرجع إلى هذه العوامل مجتمعة. almilad@almilad.org

مشاركة :