د. محمد مبروك يكتب: عندما يفوق الواقع الخيال!

  • 12/24/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تابعتُ بمزيد من الدهشة والذهول الأخبار المتداولة عن الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا وما أسفر عنه من اختراق لأنظمتها الإلكترونية الحصينة وفي أكثر الأماكن حساسية وسرية كوزارة الخزانة (المالية) والبنتاجون وغيرها من الوزارات والمؤسسات والمنظمات التي لم يكن يتصور أحد ممن زاروا الولايات المتحدة مرات عديدة – مِثلي - وعرفوا دقة أنظمتها عن قرب أن يحدث شيء كهذا أبدًا، وكأنني أقرأ احد فصول رواية شقيقي الأصغر الروائي - سامح مبروك - "أعراض انسحاب" والتي يتحدث فيها عن أحداث تشبه إلى حد كبير ما حدث في الأيام الماضية كنوع من الخيال الخصب الذي طالما كنت ألومه عليه أثناء مناقشة مسودة الرواية قبل اعدادها للطباعة - كما نفعل في كل مرة -، حيث كان الحوار دائمًا يدور عن استحالة أن يحدث شيء كهذا مع التقدم التكنولوجي الرهيب وأنظمة الحماية القوية التي لا يعلم أحدٌ شيئًا عنها في أنحاء العالم، وأن أي حديث عن اختراق قد يحدث كهذا، يُعتبر أمراً مستحيلاً قد يُفقد الحدث الذي يتم سرده داخل الرواية الحبكة الأدبية، ويجعله من باب الخيال الذي لا يمكن بناء أحداث منطقية عليه خصوصًا إذا كان كما جاء في تلك الرواية من أن الاختراق الإلكتروني قد كان عن طريق روسيا باستخدام أجهزة كمبيوتر مختلفة في أنحاء متفرقة من العالم وفي وقت واحد، مستغلين ثغرة إلكترونية أثناء عمل تحديث في بعض الأنظمة الإلكترونية الأساسية التي ترتبط بها الأنظمة الأخرى!         وها قد أصبح الخيال حقيقة، وكما تشير جميع أصابع الاتهام إلى العدو التاريخي الذي ما فتئ يتربص بغريمه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية واندلاع ما سميت بالحرب الباردة التي تمثلت في أوجه متعددة من سباق التسلح التقليدي والنووي إلى حرب الفضاء من ارسال أقمار صناعية وسفن للفضاء الخارجي ومحاولة الهبوط على سطح القمر والوصول للكواكب الأخرى وإقامة محطات فضائية، والمنافسة لمحاولة استقطاب الكثير من دول العالم لكلا المعسكرين - السوفيتي والأمريكي - على مدار أربعة عقود حتى بعد ما حدث من انفراط لعقد الاتحاد السوفيتي إلى مجموعة من الدول، لكن روسيا الاتحادية كانت قد حملت ميراث ذلك الاتحاد الذي من المعروف أن الولايات المتحدة - عن طريق مخابراتها - كانت وراء انهياره وتفككه في مثل هذه الأيام من عام 1991...ومن وقتٍ إلى آخر يستّعر الصراع ومحاولة فرض النفوذ السياسي والعلمي والتكنولوجي ما بين روسيا وأمريكا على نحو أكبر من ذلك التنافس التجاري بين الولايات المتحدة والصين، حتى أن حرب اللقاحات في مواجهة الجائحة العالمية لفيروس كورونا ما زالت على أشدّها بين هؤلاء الثلاثة الكبار، لكن الحادثة الأخيرة من هذا الاختراق الالكتروني كان لها الأثر الأكبر الذي لم يتم تقدير أبعاده إلى الآن وربما يحتاج ذلك لسنوات لمعرفة حجم الخسارة التي يمكن أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد تكبدتها من تلك الضربة السيبرانية المباغتة والتي تختلف عما أشيع عن التدخل الروسي الالكتروني أثناء الانتخابات الأمريكية السابقة عام 2016...ربما لم يأخذ هذا الهجوم الإلكتروني الأخير القدر الكافي من إلقاء الضوء الإعلامي عليه والاهتمام العالمي به رغم ضخامته نظرًا لتوقيت حدوثه الدقيق في ظل الصراع الدائر في الولايات المتحدة على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة ورفض الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الاعتراف بنتائجها حتى اللحظة في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل مع أعرق الديمقراطيات العالمية وبالتزامن مع جائحة كورونا الخطيرة التي ينشغل العالم بأخبارها على مدار الساعة، مما غطّى على معظم الأحداث السياسية وعلى تلك الحادثة الكبيرة، ولكنه بلا شك بعد استقرار الأمور في الولايات المتحدة وتنصيب الرئيس الديمقراطي الجديد، لابد وأننا سنرى تداعيات كبرى لتلك الحادثة ربما تستمر لسنوات وسيكون لها آثار يحتمل أن تمتد إلى ما هو أبعد بكثير من الاختراق الإلكتروني والأمن السيبراني...ما يهم العالم الآن بعد ما حدث مع الولايات المتحدة الأمريكية هو حماية أمنه السيبراني المرتبط بأمنه القومي وكذلك النظام المصرفي والاقتصادي مع إيجاد الحلول في الحفاظ على هذه الأنظمة بعيدًا عن تلك الهجمات التي يمكن أن تكون أخطر في المستقبل والتي يمكن أن تؤثر على النظام العالمي أجمع، وهو ما يستدعي أخذ الأمر بمنتهى الجدية من الدول والحكومات بشكل منفرد مع تصعيد الأمر للجمعية العامة للأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية المعنية، واتخاذ كل ما يلزم لحماية الأمن القومي والاقتصادي العالمي الذي أصبح في مرمى التهديد المباشر.

مشاركة :